قالت صحيفة «ديلي بيست» إنّ التدخل التركي في عفرين السورية كشف حقيقة حاول البنتاجون إخفاءها طوال المدة الماضية؛ فالقوات الديمقراطية التي تقودها كردستان، وتعتمد عليها الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة شرق سوريا، متحالفة مع نظام بشار الأسد الديكتاتوري؛ وهذه الحقيقة أصبحت واضحة للغاية في مسرح الحرب المتعددة الأطراف داخل سوريا.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ قوات الدفاع الذاتي استعانت بقوات بشار الأسد بعدما خسرت كثيرًا من الأراضي لصالح القوات التركية في عفرين. ولقوات الدفاع الذاتي أفرع متعددة؛ منها «قوات حماية الشعب» الكردية أو «وحدات حماية الشعب»، و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي.
واستجابة لها، أرسل بشار الأسد قوات عسكرية غير رسمية إلى عفرين؛ لكنّ تركيا استطاعت صدّهم بمدفعيتها، ويعتقد أنهم مقاتلون من الشيعة وأجانب جلبتهم إيران إلى سوريا.
ومنذ انطلاقها في 20 يناير الماضي، لم تحقق الحملة التركية «غصن الزيتون» في عفرين الانتصار السريع الذي توقعه رجب طيب أردوغان؛ وساهم في ذلك عدة عوامل، أبرزها تساقط الأمطار الشديد والتربة الطينية والتضاري الجبلية الصعبة، واستطاعت تركيا أن تسيطر على قرية واحدة أو اثنتين أو خمس في اليوم الواحد؛ وما زالت قواتها تحيط بعفرين. والإطاحة بالمسلحين الأكراد قد يستغرق وقتًا طويلًا؛ خاصة وأنهم أثبتوا استعدادهم للقتال حتى الموت.
غير أنّ وحدات الدفاع الذاتي تواجه موقفًا صعبًا في مواجهة القوات التركية؛ خاصة بعد تشديد الحصار على عفرين، وهي الآن «في محنة يائسة»؛ وزاد من صعوبة وضعهم تخلي إخوانهم الأكراد في حلب عن السيطرة العسكرية على منطقتين من كبرى المدن السورية لصالح نظام الأسد، مقابل إرسال قوات لدعم المقاتلين الأكراد في عفرين.
وقصفت القوات التركية أيضًا قافلة عسكرية تابعة لقوات الدفاع الذاتي في حلب، في ظل مواصلة مئات الأكراد القتال؛ بعد طلبهم الدعم من المسؤولين الأكراد.
غير أنّ «ساينام محمد»، المسؤول في الذراع السياسية لقوات الدفاع الذاتي بعفرين، قال لـ«ديلي بيست»: لم نتلقَّ دعمًا من الحكومة السورية؛ بل دعونا الحكومة السورية إلى الحفاظ على سيادتها وحماية حدودها التي تخترقها تركيا.
ولم يرد المتحدث الرسمي باسم قوات الدفاع الذاتي على الدعم السوري للأكراد.
وانتقدت أميركا الحملة التركية في عفرين؛ خاصة بعد ترك قوات الدفاع الذاتي في شرق سوريا للالتحاق بإخوانهم في شمال سوريا؛ ما قوبل بصمت تركي. وبُني الانتقاد الأميركي على أن الأكراد حلفاء رئيسون في الحرب ضد تنظيم الدولة؛ خاصة في كوباني.
وتبرر تركيا تدخلها في عفرين بـ«القضاء على الإرهابيين الذين يهددون أمنها وسلامتها»؛ خاصة وأنهم في قتال منذ أكثر من 30 عامًا، ويريد الأكراد في شرق سوريا وعفرين توحيد الأراضي ذات الأغلبية الكردية المنتشرة في الشمال السوري والمتاخم للحدود التركية؛ ما يثير مخاوف أمنية لدى تركيا من محاولة الأكراد داخلها الانضمام إليهم وتشكيل دولة كردية منفصلة.
لكن، يرى سياسيون أكراد أنّهم تخلوا عن حلم دولتهم المستقلة بشكل مؤقت حاليًا. وادّعت إدارتا أوباما وترامب أنّ قوات الدفاع الذاتي مستقلة تمامًا عن حزب العمال الكردستاني؛ بالرغم من الأدلة المتوفّرة عن صلتهما ببعضهما بعضًا.
وفي الأسبوع الماضي، عجز المتحدث باسم البنتاجون عن الإجابة عن سؤال صحفي عما إذا أصبحت أميركا حليفًا لنظام الأسد؛ بحكم التعاون مع قوات الدفاع الذاتي المتعاونة مع النظام. كما لم يقدم البنتاجون أيّ ردود على الطلبات المكتوبة لتوضيح موقف أميركا من هذا التعاون؛ غير أنّ المتحدث قال إنّ الشراكة مع القوات الكردية محيّدة في نطاق الحرب ضد تنظيم الدولة فقط ولا تشمل أي جوانب أخرى.
ويوضح حديث الإدارة الأميركية عن عفرين بصفة عامة أنّ قوات الدفاع الذاتي منفصلة عن حزب العمال الكردستاني، وهو أمر خاطئ؛ فتغيير أسماء هذه القوات إلى «وحدات حماية الشعب» أو «قوات الدفاع الذاتي» أو «القوات الديمقراطية السورية» جاء بناءً على طلب من الإدارة الأميركية؛ للإيحاء بأنهم غير تابعين لحزب العمال الكردستاني في العراق.
وكان تدخل قوات الدفاع الذاتي في عفرين أفضل رد على الإدارات الأميركية، وما يدعمه أيضًا تغاضي أميركا عن سيطرة حزب العمال الكردستاني السوري على شمال سوريا، التي لم تأت بانتخابات او استفتاء؛ بل سلّمها إليهم في أواخر 2012 نظام الأسد، وسُمح بإدخال قواتهم ومدرعاتهم ومدافهم إليها.
وتعد أحزاب «الشعب الديمقراطي» و«الاتحاد الديمقراطي» و«الاتحاد الديمقراطي الكردي» أوجهًا كثيرة للأكراد، ولا تتمتع بشعبية بين المدنيين في الأماكن التي توجد فيها؛ إذ هرب ما لا يقل عن مليون ونصف مدني من الأراضي التي سيطر عليها الاتحاد الديمقراطي في كردستان (شمال العراق)، ووصفت هذه المنطقة على لسان مسؤولين في إدارة اوباما من قبل بأنها «شمولية صغرى».
وتحوّل نظام الأسد إلى حزب الاتحاد الديمقراطي؛ لأن الحزب كان مستعدًا لقمع الأكراد التابعين له وشاركوا في الثورة السورية. ومقابل ذلك، قدّم لهم نظام الأسد تنازلات كبرى؛ شملت السماح بدخول قواتهم العسكرية إلى الأراضي التي يسيطر عليها لمواجهة تنظيم الدولة؛ وبذلك أميركا متحالفة مع نظام الأسد بشكل أساسي.
ما الذي دفع تركيا إلى هجوم عفرين؟
تتمحور الأسباب التركية في الأمن القومي، وروؤية حزب العمال الكردستاني المناهضة لتركيا؛ وكان رد قوات الدفاع الذاتي على تركيا بإطلاق صواريخ على المدن الجنوبية فيها، بلغت نحو 83 صاروخًا. وسبب وجيها آخر: كي تغضب تركيا وتستمر في هجماتها بعفرين، التي قتلت سبعة مدنيين؛ بينهم سوري لاجئ.
وقال أردوغان مرارًا إنّ السيطرة على عفرين ستمكّن السوريين اللاجئين من العودة إلى بلادهم؛ ففي تركيا الآن قرابة 3.5 ملايين لاجئ. وقال رئيس الوزراء التركي «بن علي يلديرم» إنه بمجرد انتهاء هجوم عفرين سيتمكن 350 ألف لاجئ من العودة إلى ديارهم. وتوضح تصريحات أردوغان ورئيس وزرائه أنّ الأكراد سبب رئيس في لجوء السوريين.