زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى طهران، تحوي في طياتها عددا من الأهداف، التي تسعى دول الغرب وواشنطن من خلالها لترويض إيران، وبرنامجها النووي والصاروخي.
وتأتي الزيارة لوزير الخارجية، قبل الموعد النهائي الذي وضعته واشنطن من أجل تعديل الاتفاق بما يتوافق مع هواجسها حوله، ما يجعل الزيارة التي تأجلت لمدة شهرين، بسبب الاحتجاجات التي خرجت في عدة مناطق إيرانية، تظهر لودريان كمبعوث غربي للدول المشاركة في الاتفاق النووي.
زيارة بأهداف أميركية
وعلى الرغم من معارضة الدولة الغربية، لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، كما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن لودريان اعتبر أن برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، يشكّل مصدر قلق كبير بالنسبة لفرنسا وحلفائها.
وأكد لودريان، الأحد، عشية الزيارة الرسمية التي يعتزم إجراءها الاثنين، إلى العاصمة الإيرانية طهران، أن بلاده ستواصل التزامها بالاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا والولايات المتحدة.
ودعا الجانب الإيراني إلى «الاستمرار في أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقه، بموجب الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه يوليو 2015».
وأشار إلى أن بلاده تنتظر من إيران احترام سيادة الدول، وتقديم «مساهمات إيجابية» من أجل حل الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
وتهدد الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق وإعادة إقرار العقوبات على إيران في حال عدم توصل الأوروبيين والكونغرس حتى 12 مايو المقبل، لمعالجة «عيوب جسيمة» في الاتفاق النووي المُبرم بين طهران والدول الست عام 2015.
وفي المقابل رأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنّ الأوروبيين يحاولون إرضاء الولايات المتحدة، قال إنّ «البلدان الأوروبية وبهدف إبقاء أميركا في الاتفاق النووي اندفعت نحو مواقف متطرفة، وأن هذا التطرّف سيوجه ضربة للسياسة الأوروبية نفسها».
وبحسب أهداف الزيارة فإن البرنامج البالستي الإيراني، والدور الذي تقوم به الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا، هما الركيزتان اللتان تقوم عليهما زيارة لودران، إلا أن ظريف اعتبر أن إثارة واشنطن وبعض الدول الأوروبية لمسألة الدور الإقليمي لإيران وبرنامجها الصاروخي «هي مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق».
إيران غير معنية بأهداف الزيارة
ومن الواضح أن أهداف زيارة لودريان لا تأتي على هوى المسؤولين الإيرانيين، الذين استبقوا الزيارة بعدد من التصريحات الرافضة للتفاوض بشأن الملف الصاروخي والنووي لإيران
وقال رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية الدفاعية العميد أحمد وحيدي أن الفرنسيّين لا يملكون حق إبداء الرأي حول القدرات الصّاروخية الإيرانية؛ مشيرا الى أنّ عليهم أن يقدموا توضيحات حول الإجراءات العدائية ضد الشّعب الإيراني ومن ضمنها دعمهم لـصدام إبان الحرب المفروضة.
وفي تصريح اعلامي أشار رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية الدفاعية اللواء أحمد وحيدي الى زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى طهران وإمكانية طرحه لمسألة القدرات الصّاروخية الإيرانية، قائلا : الفرنسيون ليس فقط لا يملكون حق إبداء الرأي حول القدرات الصّاروخية الإيرانية، بل عليهم أن يقدموا توضيحات حول الإجراءات العدائية ضد الشّعب الإيراني ومن ضمنها دعمهم لصدام إبان الحرب المفروضة، وفقا لقناة العالم.
وأشار وحيدي إلى أنّه في حال قررت الدّول الأوروبية السير على نهج الرئيس الأمريكي العنصري والمتطرف، فهي ترتكب بالتّأكيد خطأ استراتيجيًّا.
ولوح لودريان في تصريحات سبقت الزيارة أن هناك عقوبات على إيران إذا لم تعالج مخاوف حول هذا البرنامج، وتحدث عن «طموحات لإيران مقلقة جداً ومخالفة للقرار 2231» الذي أصدره مجلس الأمن، ويصادق على الاتفاق النووي، لافتا إلى أن طهران «ستكون دائماً، وعن حق، مُتهمة بالسعي إلى تطوير سلاح نووي»، إن لم تبدّد المخاوف في هذا الصدد.
ومن جهته قال علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد الإيراني علي خامنئي،: «إذا كانت زيارة لودريان تستهدف تعزيز علاقاتنا، فمن الأفضل عدم اتخاذ مواقف سلبية»، مضيفا: «قضايا الدفاع الوطني لا ترتبط بأي دولة أجنبية، بما في ذلك فرنسا».
واستبق المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي،الزيارة وردا على تصريحات لودريان حول هواجس فرنسا من السياسة الإقليمية لإيران، وقال «سنبلغ الجانب الفرنسي بصراحة ان هواجسهم حول سياسة ايرانية الاقليمية هي وهم وخطأ، وينبغي البحث عن هواجسهم بخصوص المنطقة في الاطماع والسياسات العدوانية في بعض عواصم دول المنطقة وخارج المنطقة».
لودريان الضيف الثقيل
على الرغم من ترحيب إيران بزيارة لودريان، ومحاولة الظهور بمظهر الدبلوماسي، وتصريحاتها المتعلقة بأنها منفتحة على الحوار مع كافة الآراء والأطياف إلا للوزير الفرنسي سجالا طويلا مع طهران، من خلال تصريحاته التي تعتبرها إيران عدائية في حقها.
في سبتمبر الماضي، صح لودريان من اوشنطن بأن بلاده سوف تضفط بشكل قوي على إيران لمنع تطوير قدرة بالستية، وذلك «بواسطة عقوبات إذا اقتضى الأمر»، على حد تعبيره، مضيفا «سأتوجه قريبا جدا إلى إيران لأقول لهم ذلك».
وبعد أقل من شهرين، أثار لودريان غضب طهران مجددا، عندما وصف تدخلها في دولا عربية، بـ «نزعة الهيمنة» لدى ايران في الشرق الاوسط، ولبنان واليمن مروراً بسوريا والعراق، وطالبها بوقف دعم حزب الله ودمشق والجماعات العراقية التي تحارب تنظيم الدولة (محور المقاومة في الواقع).
قبل أيام من الزيارة، وخلال مؤتمر جمع الوزير الفرنسي مع نظيره الروسي، قال إن طموحاتِ إيران الصاروخية الباليستية مُقلقة للغاية وتتنافى مع قرارٍ للأمم المتحدة.
ما يزيد زيارة لودريان تعقيدا هو أنها تتزامن مع المشروع البريطاني الذي طالب بتمديد العقوبات على الحوثيين باليمن لكنه كان يستهدف إيران، ويحملها مسؤولية دعم وتسليح حركة انصار الله .
وعلى المستوى الشعبي، نظم معارضون للزيارة وقفة احتجاجية أمام مطار مهرآباد الدولي في طهران ليل الاحد، على اثر بيان صدر من وزارة الخارجية الفرنسية، اعتبروه تدخل في شؤون ايران.
وحمل المحتجون لافتات اعربت عن امتعاضهم ازاء الموقف الفرنسي من برنامج الصواريخ الدفاعية الايرانية.