ضَمن عبدالفتاح السيسي الفوز في الانتخابات المقبلة؛ بعدما أزاح منافسيه واحدًا تلو الآخر، فسجن ثلاثة وأجبر أربعة على الانسحاب. وتركّز حملته الرئاسية حاليًا على حثّ المواطنين على ضرورة المشاركة لإضفاء شرعية على التصويت «الإجرائي». ويعد عشرة ملايين مسيحي في مصر مفتاح هذه الانتخابات، ويريد السيسي في الانتخابات الحالية تخطي أرقام سابقتها، التي فاز فيها بـ97% من الأصوات، ونسبة المشاركة حينها 47.5%.
هذا ما يراه «إسحق إبراهيم»، الباحث في شؤون الأقليات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (المراقِبة للهجمات والتمييز ضد الأقباط)، في عرضه بصحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية؛ ويقول إنّ أقباطًا يخشون من عودة التيار الإسلامي أكثر من خوفهم من النزعات الاستبدادية للسيسي، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية ومرشح الجيش.
ينبع هذا التهديد من التفجيرات التي طالت كنائس طوال السنوات القليلة الماضية؛ أبرزها تفجير كنيستي الإسكندرية وطنطا، الذي أسفر عن 47 قتيلًا، والهجوم على حافلة متجهة إلى دير في المنيا وأسفر عن مقتل 28 مسيحيًا.
واستجابت قيادة الكنيسة لنداء السيسي وحديثه عما أسماها «المساواة المدنية»، وقارنوه بسابقته في ظل حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
والأقباط متخوفون للغاية من تجدد أعمال الفتن الطائفية بينهم وبين المسلمين، ويتحدثون دائمًا عن واقعة الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين على أبواب كاتدرائية القديس مرقص في القاهرة وفشلت الشرطة في التعامل معه من قبل؛ ما ألقى الرعب في قلوبهم.
وبعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، أصدر البابا تواضروس بيانًا كنسيًا أيّد فيه الانقلاب، الذي ساهم في صعود السيسي إلى رأس السلطة. ويزعم «كمال كمال»، 28 عامًا، طبيب مسيحي يعمل في القصر العيني بالقاهرة، أنّ الإخوان المسلمين قتلوا ودمروا وارتكبوا أفعالًا لم يرتكبها أحد؛ لكن السيسي منذ يومه الأول في الرئاسة وقف بجانب الأقباط ودعمهم.
ويضيف أنّ المكانة التي أعطتها الحكومة المصرية الحالية للمسيحيين، وتخصيص كاتدرائية كاملة لهم في العاصمة الإدارية الجديدة (المدينة البالغة قيمتها 45 مليار دولار بمنطقة صحراوية شرق القاهرة)، وتابع: «البعض يقول: كان الأولى أن تنفق الأموال على الفقراء بدلًا من بناء الكنائس. لكن، بالنسبة لي، ما فعله السيسي رمز مهم للمساواة بين المسلمين والأقباط».
وبينما لم تُكشف عن التكلفة الحقيقية لبناء الكاتدرائية، قالت وسائل إعلام مصرية إنّ الحكومة والقوات المسلحة تبرعا بأكثر من 12 مليون دولار للمشروع، وتولت بناءها شركة «أوراسكوم» العملاقة، التي يمتلكها رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، المصنف ضمن أغنى المصريين.
وقال المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، القس «بولس حليم»، إنّ السيسي أكد أن كل مواطن على أرض مصر يتمتع بالحقوق والواجبات نفسها للجميع».
ومنذ توليه السلطة، شرع السيسي في تخفيف القيود المفروضة على بناء الكنائس؛ ووافق على بناء قرابة الـ53 مبنى كنسيًا جديدًا في منطقة وادي النيل، كما أعطاهم الحق في الحج إلى مدينة القدس.
ويخوض السيسي الآن حربًا ضد «تنظيم الدولة» في سيناء منذ عام 2013، وأدّت الأحداث الدائرة هناك إلى مقتل سبعة مسيحيين في العريش على أيدي «تنظيم الدولة» في شهر فبراير من العام الماضي؛ ما أدى إلى نزوح جماعي للمسيحيين من الجزء الشمالي من سيناء.
وتساءل المتحدث باسم الكنيسة: «ما الخطأ في دعم عبدالفتاح السيسي، الرجل أظهر أنه رئيس لجميع المصريين؟».
لكنّ خلط السياسة بالدين يقلق مواطنين أقباطًا آخرين؛ إذ أكّد «مينا مجدي»، 32 عامًا، طبيب عيون مقيم بالقاهرة، أنّ الكنيسة مؤسسة روحية تهدف إلى تلقين الناس تعاليم الإيمان المسيحي، وهو ضد ممارستها أيّ دور سياسي في الانتخابات أو غيرها؛ سواء بتعبئة المواطنين الناخبين أو دعوتهم لانتخاب مرشح بعينه.
سؤال مربك!
وبدا أقباط تحدّثت معهم مرتبكين عندما سئلوا عمّا إذا كانت هويتهم الدينية ومكانتهم الاقتصادية تؤثر على اختيارهم مرشحًا معينًا أثناء التوصيت في الانتخابات، خاصة السيسي؛ إذ قالت «سيلفا ترزيباشيان»، 55 عامًا، وتعمل مساعدة تنفيذية بمصر الجديدة، أنّها لم تدعم السيسي لكونها سيدة أو مسيحية؛ بل لـ«أننا في مرحلة صعبة للغاية بعد أن خدعنا بمفهوم الثورة، ونحن الآن في منتصف الحرب، والسيسي يبذل قصارى جهده».
وتقصد سيلفا بالثورة «الربيع العربي» الذي أثار احتجاجات واسعة أسقطت الديكتاتور الأسبق محمد حسني مبارك عام 2011، ومهّدت الطريق أمام فوز الدكتور محمد مرسي في 2012.
وأضاف إسحق إبراهيم، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أنّ طريقة إدارة السيسي للاقتصاد وحملات القمع على حريات الرأي والتعبير خلقت اختيارًا كاذبًا بين «التشدد الإسلامي والتعصب أو التعصب الاستبدادي لمصر العسكرية».
وأضاف أنّ المسيحيين والمسلمين يعانون سواء من سوء إدارة السيسي؛ فالجميع طاله الفقر وقلة الموارد نتيجة السياسات التقشفية التي اتبعها عبدالفتاح السيسي.