يشهد العالم الآن تهديدات جديدة، تتضمّن استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع؛ خاصة بعد استخدامها مئات المرات في سوريا والعراق في السنوات القليلة الماضية. كما تطوّر أميركا وروسيا أسلحة كيميائية أكثر قدرة وتأثيرًا من الموجودة حاليًا. وقاد النظام السوري على مدار الأسبوعين الماضيين ست هجمات كيماوية موثّقة في محافظتي الغوطة وإدلب، وأسقط البراميل المتفجرة الحاملة لغاز الكلور والسارين.
هكذا يرى الضابط السابق في الجيش البريطاني وخبير الأسلحة الكيميائية «هاميش دي بريتون غوردون» الأوضاع، وفق مقاله بصحيفة «ناشيونال» وترجمته «شبكة رصد»، ويضيف أنّه مع دخول الصراع السوري عامه السابع، أصبحت الحرب السورية مرادفًا لجريمتين بارزتين: استخدام الأسلحة الكيميائية، الاستهداف المباشر للمستشفيات.
وأثناء مدة الحرب، وُثِّق استخدام تنظيم الدولة ألف ضربة كيماوية، واستدعي مفتشو الأمم المتحدة للتحقيق في هجمات؛ بيد أن الروس عطّلو التحقيق الذي اتهم النظام السوري باستخدام الهجمات الكمياوية ضد شعبه وأكّدها أكثر من طرف موثوق.
وتعاني تحقيقات الأمم المتحدة، خاصة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، من صعوبات وعراقيل في مجمل تحقيقاتها؛ أهمها التقاعس وضيق الوقت، لكنها يمكن أن تقدّم مزيدًا من الجهود في سبيل اندثارها وتقليل الفظائع التي ترتكب بسببها. وبجانب ذلك، كان حقّ النقض «الفتيو» للنظام الروسي فاعلًا أساسيًا في عرقلة التحقيق الخاص بالأمم المتحدة.
وذكر الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» هذا العام أنّ فرنسا ستضرب سوريا إذا وجدت أدلة على استخدامها المواد الكيماوية. وبالرغم من أن هناك جهازًا أمنيًا غربيًا كاملًا يعلم جيدًا استخدام النظام السوري هجمات كيماوية، ويملك أدلة على ذلك؛ لم يتدخل.
وهناك دول لا ترى في غازي «السارين السام» أو «الكلور» أسلحة كيميائية؛ بالرغم من الأعداد المهولة لقتلاها.
وأكّدت اتفاقيتا «جنيف» و«الأسلحة الكيميائية» أنّه من غير القانوني استخدام أي غاز سام لقتل المواطنين أو إصابتهم. لكن، لم ياتزم أي زعيم في العالم بالاتفاقيتين؛ وبالتالي يفلت المتهمون المرتكبون لهذه الجرائم من العقاب بسهولة.
وبالرغم من أنّ روسيا لا تزال تنكر استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا؛ فإنها منعت أنشطة الأمم المتحدة الرامية إلى التحقق من ذلك، لكنها في كل الأحوال لا تستخدمها بطريقة مباشرة أو تلقيها مباشرة؛ إذ يتولى النظام السوري القيام بهذه المهمة، والطائرة التي قصفت قرية خان شيخون في سوريا بغاز السارين خرجت من قاعدة جوية يتمركز فيها الجيش الروسي.
وفي خضمّ الحرب الباردة بين أميركا ورسيا، والاضطراب العالمي في الشرق الوسط الذي يغذيه سوريا وإيران؛ يجب أن تستعد دول حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي لاستخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع مستقبلا.
وعلى الرغم من أنّ روسيا وأميركا دمّرتا مخزونيهما من الأسلحة الكيميائية، فما زالتا محافظتين على قدرة إنتاجهما من جديد، وهناك تكهنات بأنّ أبحاثًا أجريت في أميركا وروسيا على جيل جديد من الأسلحة الكيميائية فائقة الأداء وأكثر قوة مرات من سابقتها، ومدمرة هائلة للأعصاب؛ ورأينا جميعا مدى تأثير الأقل تقدمًا في سوريا والعراق في المدد الماضية.
وهذا يعني أنه إذا نشب صراع جديد بين الشرق والغرب فالأسلحة الكيميائية ستستخدم بشكل كبير وأكثر قدرة على التدمير.
وعلى الدول، خاصة في الناتو ومجلس التعاون الخليجي، ضرورة العمل لإعادة الاستثمار في القدرات الدفاعية ضد الأسلحة الكيميائية، وأن يستعد الجميع للحرب في بيئة أكثر قذارة من سابقتها.