اقترح أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي يوم 28 فبراير الماضي تشريعات جديدة لإنهاء الدور الأميركي في الحرب الأهلية باليمن، بقيادة السعودية؛ خاصة وأنّ الكونجرس لم يأذن بها، وعمل السيناتورون «بيرني ساندرز وكريس ميرفي ومايك لي» على لفت انتباه العالم للأزمة الإنسانية المروعة التي تتكشف كل يوم نتيجة «الحرب المنسية»، داعين الإدارة الأميركية إلى وضع حد فوري للتدخل العسكري غير الرسمي، وشمل مساعدة التحالف السعودي وتزويد طائراته بالوقود في الجو، التي تقصف المدارس والمستشفيات والأسواق.
وقبل أيام من مبادرة أعضاء مجلس الشيوخ، أصدرت الأمم المتحدة بيانًا تحدّثت فيه عن «الظروف الكارثية» التي يمر بها الشعب اليمني، ووجود 22 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات والحماية الإنسانية، ومليونين ما زالوا نازحين، وتهديد الكوليرا لمليون آخرين، كما أفادت «اليونيسف» أنّ طفلًا يمنيًا يموت من الجوع كل عشر دقائق.
وبجانب التحالف السعودي، فالحوثيون، الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء، يساهمون أيضًا في تعقيد الأزمة على الشعب اليمني، وغالبًا ما تحدث اشتباكاتهم العنيف وسط الأماكن الحضرية التي يعيش فيها سكان محليون، وبالقرب من المدارس والأسواق والمستشفيات، ولا يحترم أي طرف متحارب هناك الأبرياء من المدنيين.
هذا ما يراه «فيليب ناصيف»، مدير منظمة «آي دي سي» المهتم بالقضايا والتنظيم السياسي، في مقاله بصحيفة «ذا هيل» الأميركية وترجمته «شبكة رصد»، ويضيف أنّ التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن لم يحقق أيّ نتائج إيجابية لمسعاها؛ بل بالعكس النتائج كلها كانت سلبية، وفاقمت من الأزمات الإنسانية؛ إذ ساهم الحصار الذي فرضته على الموانئ اليمنية ومنع دخول الغذاء والوقود إلى تعذيب البشر بطريقة قاسية، ما دفع ترامب بنفسه لإنهاء الحصار المفروض على اليمن؛ لكنّ السعودية فشلت في تنفيذ ذلك حتى الآن.
جذور تاريخية
والأمور التي قادت إلى هذا الوضع لها جذور تاريخية، بعد اتحاد شمال اليمن وجنوبه عام 1990؛ إذ شهدت البلاد منذ حينها صراعات متكررة بين جماعة الحوثي والحكومة المركزية، إضافة إلى التدخلات السعودية الصغرى، ثم بدأت الجولة الأعنف بحركات احتجاجية إبان ثورات الربيع العربي ضد القمع والفساد في 2011، التي طالبت بتغيير النظام؛ ومن ثم تنحّى صالح ليحل محله عبدربه منصور هادي.
لكنّ الأوضاع لم تتحسن تحت قيادة هادي، وفي 2014 سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، وفي محاولة لإحلال السلام؛ دعا هادي الحوثيين لتشكيل حكومة ائتلافية، وتوقيع اتفاقية سلام لدى الأمم المتحدة. لكنّ المتمردين لم يذعنوا إلى الاقتراح، واستمروا في الاستيلاء على المواقع الاستراتيجية في الدولة اليمنية، بما فيها ميناء الحديدة. وفي أوائل 2015 هرب هادي إلى السعودية؛ معتبرا أنه الزعيم الشرعي لليمن، ومن ثم بدأت الضربات الجوية السعودية.
وفي هذه السنوات، تدخلت أميركا بشكل غير رسمي لدعم التحالف السعودي، في الوقت الذي بدأت فيه إيران تقديم المساعدات للحوثيين في اليمن، ورأت فيه الفرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر وكيل آخر؛ لتكون بذلك على أعتاب السعودية.
خطوات للسلام
يعدّ الانسحاب الأميركي من الحملة العسكرية السعودية في اليمن الخطوة الأولى والأهم في مسيرة تحقيق السلام داخل الأراضي اليمنية؛ إذ يمكنها وشركاؤها الدوليون إجبار الدول الخليجية، خاصة السعودية وإيران، على الدخول في مفاوضات لإنهاء «المعاناة الإنسانية في اليمن وحروب الوكالة في المنطقة».
وعلى الكونجرس وإدارة ترامب تسهيل السبل أمام الوصول لحلول سياسية للنزاع؛ فمن دونها لن تُعالج الأزمة الإنسانية مطلقًا.
وهناك منظمات وكيانات مستعدة لاقتراح تشريعات تعمل على إنهاء الحرب بالوكالة المتسارعة بين السعودية وإيران في الشرق الأوسط، في لبنان وسوريا والعراق؛ وهي الحروب المزعزعة للاستقرار في المنطقة وتفاقِم الصراعات لمصالحها الخاصة وتدمّر المجتمعات التي تناضل القيم الأميركية من أجلها.
وتمتلك أميركا القوى الحقيقية للضغط على حليفتها السعودية للعمل على الوصول إلى اتفاق سلمي في اليمن، وإرشادها لأداء دور استقراري وبنّاء في منطقة الشرق الأوسط؛ وهو دور يمكن لجميع شعوب المنطقة الاستفادة منه.
ومن المقرر أن يزور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أميركا بين 19 و22 مارس الجاري، وهي فرصة مناسبة لصنّاع السياسات في واشنطن أن يضغطوا عليه لوضع حلول طويلة الأمد لإنهاء الأزمة الإنسانية المتسارعة في اليمن.
كما تستطيع أميركا بشكل منفصل الضغط على الحلفاء الأوروبيين لجلب إيران والحوثيين المدعومين منها إلى طاولة المفاوضات.
وأخيرًا، يجب أيضًا العمل على الفور مع الأمم المتحدة لتنفيذ خطة للإغاثة لإنقاذ شعب اليمن.