فجرت قناة «إن بي سي نيوز» الأميركية قنبلة من العيار الثقيل، وكشفت عن احتجاز ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، والدته في أحد القصور، ومنعها من من رؤية والده الملك سلمان، خشية اعتراضها على مخطاطاته الرامية للاستيلاء على السلطة في المملكة، وذلك استنادا إلى معلومات وصفتها بالااستخباراتية.
ويعتقد مسؤولون أمريكيون أن الأمير بن سلمان اتخذ هذا الإجراء ضد والدته، الأميرة فهدة بنت فلاح، لأنه خشي من أن تعارض مخططاته للإمساك بالسلطة، ما كان قد يهدد تماسك وحدة العائلة المالكة خاصة وأن الوالدة تحظى بمكانة خاصة لدى الملك سلمان.
وهذا الإجراء يأتي يعزز قائمة طويلة من القرارات التي اتخذها الأمير محمد بن سلمان منذ أن تولى والده عرش السعودية قبل ثلاث سنوات.
بدأها بشن حرب على اليمن في مارس 2015 باعتباره وزيرا للدفاع لتتوالى بعد الإجراءات الرامية لتعزيز سلطته. حيث عزل ابن عمه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد في يونيو حزيران من العام الماضي قبل أن يشن حملة واسعة تحت عنوان مكافحة الفساد طالت نحو مئتي شخصية من الأمراء ورجال الأعمال منهم ابن عمه الوليد بن طلال أغنى رجل في العالم العربي وشريك في كبريات الشركات العالمية منها سيتي بنك وتويتر وغيرها.
الجدير بالذكر أن الخبر نقلته القناة الأمريكية استنادا إلى معلومات استخباراتية أدلى بها 14 مسؤولا أمريكا ساميا منهم من لا يزال في الخدمة ومنهم من غادرها.
وعلى مدى تلك الفترة تقول القناة، لم يعدم الأمير الشاب وسيلة إلا وبرّر بها غياب والدته، منها مثلا أنها خارج البلاد للعلاج حتى لا ينتاب الشك العاهلَ السعودي بأن نجله هو الذي يقف وراء اختفاء زوجته ووالدة ولي العهد.
ويضيف المصدر أن الرجل الثاني في هرم السلطة السعودية والحاكم الفعلي للبلاد، قد وضع والدته تحت الإقامة الجبرية لبعض الوقت في أحد القصور في المملكة دون علم والده.
دفاع أميركي
وفي الوقت الذي يحزم فيه بن سلمان حقائبه لزيارة واشنطن والبيت الأبيض، الذي تراه الإدارة الأميركية، رجلا إصلاحيا يروّج لحقوق المرأة في أكثر دول العالم صرامة، فجّرت قناة ان بي سي الأمريكية قنبلة من العيار الثقيل مفادها أن الأمير الذي سمح للمرأة بقيادة السيارة ودخول الملاعب وحضور الحفلات الموسيقية، هو نفسه الذي منع والدته طيلة سنتين من رؤية والده الملك سلمان بن عبد العزيز.
وقد حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدفاع عن حملة بن سلمان الذي يرى فيه سيد البيت الأبيض وصهره ومستشاره جارد كوشنر بأن ولي العهد السعودي هو شريك أساسي في سياسة ترامب بشأن الشرق الأوسط.
وترى الإدارة الأمريكية في الزيارة المرتقبة وسيلة لتعزيز العلاقات بين واشنطن والرياض وإعطاء دفع لما أسمتها الأولويات المشتركة في مجال الأمن والاقتصاد بحسب بيان صدر عن البيت الأبيض قبيل الزيارة المرتقبة في العشرين من هذا الشهر.
وبحسب المعلومات الاستخباراتية فإن ما فعله ولي العهد السعودي بحق والدته هو دليل على عزمه إزاحة أية عراقيل من شأنها أن تعيق تعزيز مكانته كملك مقبل على عرش السعودية.
المملكة تنفي
لكن المملكة في واشنطن نفت بأن تكون والدة بن سلمان الأميرة فهدة بنت فلاح قيد الإقامة الجبرية.
وبحسب مسؤولين أميركيين رفضوا الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموضوع، فإن العاهل السعودي كان صرح عدة مرات بأن زوجته الثالثة ووالدة ولي العهد كانت خارج البلاد لتلقي العلاج، وأضافوا أن الملك قال للمحيطين به إنه اشتاق لزوجته وإنه لا يملك معلومات عن حالتها الصحية ولا عن مكانها.
وكان المسؤولون الأمريكيون قد صرحوا لقناة «ان بي سي نيوز» بأن أحاديثهم مع الملك توحي بأنه ليس دائما في حالة صفاء ذهني.
فمرة قال الملك في لقاء جمعه بالرئيس السابق باراك أوباما في سبتمبر 2015 إن زوجته كانت في نيويورك للعلاج وأنه يرجو رؤيتها أثناء زيارته تلك.
وأضاف المصدر أن الرئيس أوباما لم يخبر العاهل السعودي بأن زوجته ليست في نيويورك، لكن ما قاله الملك سلمان كان دليلا إضافيا على ما نقلته الاستخبارات الأميركية بشأن العائلة المالكة في السعودية.
وفي 2016، اعترض المسؤولون الأمريكيون مكالمات للأمير محمد بن سلمان تحدث فيها عن جهوده في إبقاء والدته بعيدا عن والده ودون علم الملك.
وقد رفض الناطق باسم مكتب أوباما التعليق على المسألة لخصوصية الأحاديث التي كانت للرئيس أوباما مع الزعماء الأجانب، واتخذته وكالة الاستخبارات الأميركية، نفس الموقف، حيث رفضت التعليق على أي معلومات تخص العائلة السعودية المالكة.
أما الناطقة باسم سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن فاطمة سالم باعشن فقد نفت لقناة ان بي سي نيوز نفيا قاطعا احتجاز بن سلمان لوالدته وقالت في بيان: «إنه أمر غير صحيح، وإذا أردتم أن تسألوا سمو الأميرة شخصيا، فسنسعد بترتيب مقابلة لكم معها فورا».
لكن حين حاولت ان بي سي الاتصال بالمسؤولة السعودية في ديسمبر الماضي بشأن إجراء المقابلة، قالت باعشن إن الأمر غير ممكن لأن الحكومة السعودية لن تسمح للقناة الأمريكية أن تكشف أن أحد صحفييها قابل الأميرة أو أن تستعمل أي معلومات قد تقدمها حتى وإن تعهدت ان بي سي بعدم الكشف عن هويتها للحديث بشأن مسائل حساسة كما فعلت مع آخرين تحدثوا بهذا الشأن.
على صعيد آخر، عرض ناطق آخر باسم السفارة السعودية على ان بي سي الحديث مع أطراف مقربة لوالدة ولي العهد وقبلت القناة العرض لكنها قالت إنها لن تقبل مقابلة الأميرة إلا إذا سمح لها بأن تكشف عن المكان الذي تجري فيه المقابلة وطلبت تزويدها بأسماء الأشخاص المقربين من الأمير حتى يتسنى لها الاتصال بهم بكل حرية.
ورد الناطق باسم السفارة بأن موقف القناة متهور وأنه يضع الأميرة في مأزق ويدفع بها إلى الأضواء رغما عنها.
وأضاف في بيان: إن القصة ملفقة ومسيئة للغاية. لقد قبلت الأميرة أن تقابلكم بصفة خاصة حتى تنفي شخصيا هذه المعلومات لكنكم رفضتم. وفضلتكم أن تعتمدوا على مصادر مجهولة لإعداد التقرير. وبالتالي فإن مشاهديكم لن يستطيعوا الحكم على مصداقية مصادركم والأسباب التي دفعتها لقول ما قالته.
وبين تأكيد المسؤولين الأميركيين بشأن احتجاز الأميرة، والنفي السعودي يبقى مصير والدة ولي العهد الشاب طيّ الغموض والكتمان إلى أن يقرر محمد بن سلمان غير ذلك.