على مدار سنوات، استولى فيها عبدالفتاح السيسي على السلطة في مصر، ظهر جليا عمق العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي والنظام المصري، الذي شهد تنسيقا أمنيا مستمرا، وإشادة متبادلة في مناسبات متعددة، وتعاون استخباراتي.
وتعتبر «إسرائيل» أن وجود السيسي في الحكم، مكسبا مهما يجب الحفاظ عليه ودعمه في كل المحافل الدولية، وسعت جاهدة على مدار سنوات من أجل تثبيت أركان نظامه واعتراف دول العالم بسلطته عقب انقلاب يوليو 2013، وكانت أول من يوجه التهنئة له عقب إعلانه على رأس السلطة في مصر في 2014.
وصرح الجنرال الإسرائيلي المُتقاعد الذي كان ناطقًا بلسان جيش الاحتلال، «آفي بنياهو»، في وقت سابق، بأنه «ليس سرًا أنّ العلاقات الإسرائيليّة المصريّة تمُرّ في شهر عسل»، مؤكدا أن «السيسي هدية شعب مصر لـ(إسرائيل)»، لافتًا إلى أنّ تصدّيه للديمقراطية في مصر ضمن استقرار المنطقة، هي «مصلحة استراتيجيّة للدولة العبريّة»، بحسب صحيفة «معاريف» العبريّة.
تصريحات ود متبادلة
وخلال 4 سنوات، تبادل الجانبان التصريحات الودية، والإشادة المتبادلة، كما لحق بذلك زيارة علنية للمرة الأولى، التقى خلالها السيسي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلافا لزيارات سرية كشفت عنها صحف إسرائيلية في وقت لاحق من الزيارة المعلنة.
وعلى عكس الرئيس المخلوع مبارك، لم يخف السيسي، قوة علاقته بالاختلال الصهيوني، ودعمه لهم في تصريحاته، التي كانت صادمة لشعوب اعتادت على عداء مستمر لكيان محتل لفلسطين، خاض حروبا ضد دول عربية.
وخلال زيارة قادة التنظيمات اليهودية الأميركية في القاهرة، أشاد السيسي بنتنياهو، ووصفه بأنه «زعيم لديه كامل مصادر القوة، ويجب مساعدته ليس فقط لقيادة دولته إسرائيل وإنما لتطوير المنطقة كلها والعالم بأسره»، وهو ما احتفت به الصحف العبرية، ونشره موقع «إن آر جي» اليميني الإسرائيلي في فبراير 2016.
وكشف موقع (WALLA) الإخباريّ، نقلا عن مصادر سياسيّة إسرائيليّة رفيعة جدًا، أنّ السيسي هو أكثر المسؤولين الأجانب الذين يتواصلون سرًّا عبر الهاتف مع نتنياهو.
وفي المقابل، لم يفوت نتنياهو فرصة إلا وعبر عن امتنانه للسيسي، ووجوده بالسلطة، وتعليقا على لقائهما، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي: «هو دومًا باحث عن السلام في المنطقة، ونحن مستعدون للتعاون معه ومع كل القادة في المنطقة العربية من أجل الوصول لحلول عاجلة للأزمات التي تضرب المنطقة».
ويتمتع السيسي في الأوساط الإسرائيلية على اختلافات اتجاهاتها، بحفاوة وترحيب كبير، وكان زعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحق هرتسوغ، وصف السيسي بأنه «الزعيم الشجاع والرصين»، وقال إنه «يمد يدنا ويطلب منك -سواء علنًا في المقابلات وفي الاجتماعات المغلقة في وجودي- بعد 40 عامًا من تلك الخطوة التاريخية، هل أنتم مستعدون للسلام؟».
وعبر المستشرق إيلي زيسر، أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة «تل أبيب»، عن الفارق بين مبارك والسيسي بأنه «بخلاف مبارك، لا يتردد السيسي في الإفصاح، من دون أن يعتذر، عن وجود تعاون اقتصادي وأمني بين نظامه وإسرائيل»، مضيفا أن «السيسي يتجه بقوة نحو ترجمة تطابق المصالح بين الجانبين إلى واقع عملي؛ وأيضًا على تسخين السلام بكل قوة».
الصحف العبرية والمسؤولون الإسرائيليون، أبرزوا خطاب السيسي في مايو 2016، عندما تحدث عن سلام دافئ بين مصر وإسرائيل، والذي قال المراسل السياسي لصحيفة هآرتس باراك ربيد إن الخطاب حظي بمباركة رئيس الحكومة الإسرائيلية.
ولم يختلف لقاء السيسي العلني عن تصريحاته في الترحيب والحفاوة، والذي عقد في نيويورك 19 سبتمبر 2017، والذي اعتبره السفير الإسرائيلي السابق في مصر، تسيفي مزال، أنه يمنح دعما إضافيا في ظل علاقاتهما النوعية، وربما يكون خطوة متقدمة نحو تدفئة أكثر للعلاقات، وصولا إلى مستوى متقدم من التطبيع.
وبحسب تقارير غربية، لم يكن هذا اللقاء هو الأول من نوعه، فكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن لقاءات سرية عديدة جمعت نتنياهو مع السيسي، والتي أكدها لاحقا نتنياهو، واعترف، خلال اجتماع وزراء حزب الليكود، وقال أمام وزراء حزبه، إنه من دعا لعقد القمة التي رفض فيها مشروع كيري، في مدينة العقبة الأردنية في شهر فبراير 2016.
وفي الجانب المصري، لم تنفِ السلطات عقد اللقاء السري، واكتفت ببيان قالت فيه «مصر لا تدخر وسعًا في سبيل التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية استنادًا إلى حل الدولتين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أساس حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، دون أية مواءمات أو مزايدات».
وأضافت «وفي هذا الإطار سعت مصر إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف المعنية، ودعم أية مبادرات أو لقاءات تهدف إلى مناقشة الأفكار العملية التي تساعد على إحياء عملية السلام».
تعاون أمني غير مسبوق
العلاقات المصرية الإسرائيلية تطورت سريعا لتشمل تنسيقا أمنيا غير مسبوق، كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» وأشارت إلى أن طائرات نفاثة من طراز «إف-15» أو «إف-16» ومروحيات «أباتشي» شاركت في تنفيذ أكثر من 100 غارة إسرائيلية في سيناء.
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في 3 فبراير الماضي، إنّ سلاح الجو الإسرائيلي قاد على مدار العامين الماضيين أكثر من 100 غارة على أهداف في سيناء ضمن الحرب على «تنظيم الدولة»، بموافقة «عبدالفتاح السيسي» والسماح لطائرات حربية وعمودية وأخرى من دون طيار دخول أجوائها وقصف أهداف في أراضيها.
كما استخدمت إسرائيل المجال الجوي المصري فوق سيناء في عمليات التدريب والمناورة لسلاح الطيران، وهو ما لم تكن تحلم به في يوم من الأيام.
تعاون النظام المصري مع إسرائيل اتسعت آفاقه ليشمل القضية الفلسطينية والمقاومة، فخلال 4 سنوات، أغرقت مصر أنفاق المقاومة التي استخدمتها الفصائل في رفع معاناة الشعب الفلسطيني وتخفيف الحصار عنه، واعترف وزير البنى التحتية، يوفال شتاينيتس، بأن إغراق الأنفاق جاء، بناءً على طلب من إسرائيل، في تصريح أثار ردود فعل قوية.
القضية الفلسطينية كانت دوما محل تقدير من الجانب الفلسطيني، لكل من يعبث بها ويحقق مصالح الاحتلال، فامتنت إسرائيل، عندما أرجأت مصر طرح مشروع القرار حول وقف الاستيطان على طاولة مجلس الأمن الدولي إلى موعد غير معلوم في ديسمبر 2016، وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جنّد قياديين في المنظمات اليهودية الأميركية، الذين تحدثوا مع السيسي كي يتراجع عن تقديم مشروع القرار الذي يطالب بوقف الاستيطان.
الدور المصري في صفقة القرن
وعلى الرغم من التصريحات الدبلوماسية في المحافل الدولية عن الدعم المصري للقضية الفلسطينية، ورفض القرار الأميركي بشأن «القدس عاصمة لإسرائيل»، تتوارد التقارير حول دور السيسي في إتمام ما يعرف بـ«صفقة القرن».
وكان تسريبا خطيرا لصحيفة «نيويورك تايمز» تحدث عن قبول رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي برام الله عاصمة لفلسطين بدل القدس، كاشفا تسجيلات خطيرة، لصدور تعليمات من ضابط مخابرات مصري، لعدد من الإعلاميين لإقناع المصريين بقرار ترامب، الذي اتَّخذه قبل أسابيع بشأن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
وكان موقع “i24NEWS” الإسرائيلي، نقل، في فبراير الماضي، عن مصدرين مقربين من القيادة الفلسطينية قولهما، إن «ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قالا لعباس إنه لا خيار أمامه إلا أن يكون براغماتيا، ويقبل الصفقة التي تعرف باسم صفقة القرن، التي يعرضها ترامب، والتي تتنازل عن حق العودة الفلسطيني وعن إقامة العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية».
وربطت تقارير بين العملية الأخيرة في سيناء «سيناء 2018» وبين اللمسات الأخيرة قبل الإعلان عن صفقة القرن، التي تقضي، بأجزاء من سيناء للفلسطينيين؛ حيث قال يوني بن مناحيم، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية إن من بين أهداف عملية سيناء قد يكون تطهير وتنظيف منطقة سيناء تحضيرا لتطبيق صفقة القرن الخاصة بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبموجبها يوافق السيسي على منح أجزاء من سيناء المجاورة لقطاع غزة لتوطين عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بحسب مقال في المعهد الأورشليمي للشؤون العامة والدولة.
المقال أكده تقرير ألماني لموقع «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» ذكر أن مجمل السياسات التي ينفذها نظام السيسي بشبه الجزيرة المصرية، تؤشر لإعداد هذه المنطقة لإقامة دولة فلسطينية فوقها.
وتأتي التقارير في ظل تسريبات من مصادر لـ«العربي الجديد» قالت إن صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، «جاريد كوشنر»، زار القاهرة سرا مطلع الشهر الجاري، للقاء مسؤولين مصريين بارزين معنيين بملف «صفقة القرن».