أكّد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مقابلة تلفزيونية من قبل، أنّ بلاده لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية؛ لكنها ستفعل إذا طوّرت إيران قدرتها النووية. فهل هذا التصريح يهدف إلى جذب الانتباه؟ وهل تستطيع أميركا منعه من امتلاك ما يرمي إليه؟
تسعى الباحثة بمعهد دراسات الأمن القومي «إيميلي لانداو» إلى الإجابة عن السؤالين وغيرهما في تحليلها بمجلة «ناشيونال إنتريست» المعنية بالتحليلات الأمنية والعسكرية، وترجمته «شبكة رصد»؛ موضحة أنّ تكرار الاهتمام السعودي بطموحات إيران النووية مهم لسببين: الأول أنّ السعودية ترى خطة العمل المشتركة الحالية لن تمنع النظام الإيراني من تطوير قدراته النووية، والآخر أنّ الحديث عن رغبة المملكة في امتلاك تكنولوجية نووية يترافق مع رغبتها في إبقاء أمر امتلاكها أسلحة نووية مفتوحًا. وفي الحالتين، أطلق ابن سلمان مثل هذه التصريحات بسبب الاتفاق النووي الإيراني في 2015.
وذكر البعض أنّ رسالة ولي العهد تسلّط الضوء على أهمية الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني، مع ضمان ألا تصبح إيران دولة نووية عسكريًا، وتتوافق السعودية مع الإدارة الأميركية على أنّ الاتفاق الإيراني يجب تعديل بنود فيه؛ مثل توسيع التفتيش، ليشمل المواقع السرية والعسكرية، وضمان ألا ينحرف النظام الإيراني الراديكالي عن مسار الاتفاق، وحل مشكلة القذائف التسايرية، والحد من إنتاج الصواريخ الباليستية.
وانتقد الرئيس الأميركي إيران واتهمها بدعم الإرهاب العالمي وأنها أضرت بدول في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
كما تلقي رسائل السعودية الأخيرة الضوء على الجهود الحالية لإدارة ترامب للحصول على الدعم الأوروبي لتعزيز خطة العمل المشتركة. وقال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، في مؤتمر الأمن الأخير بميونيخ، إنّ السعودية تحاول حثّ الأوروبيين الآن مع الأميركيين لتعديل سلوك إيران الإقليمي، كما أوضحت تصريحاته أنّ السعودية بالفعل ستطوّر قدرات نووية عسكرية إذا لم يثنِ العالم إيران عن نواياها.
كل هذا جاء في أعقاب خطط سعودية لتطوير قدرتها النووية في المجالات المدنية والسلمية، وازادات النقاشات مؤخرًا بشأن نيتها في امتلاك أسلحة نووية، ودخلت في مفاوضات موسعة مع أميركا في هذا الموضوع، في الوقت الذي يصر فيه ترامب على إضفاء «المعيار الذهبي» على الاتفاقية؛ ما يعني اشتراط وقف تطوير أسلحة نووية، بسبب مخاطر انتشاره المحتملة، وينص أيضًا على وقف الانتشار النووي المعتمد في العالم، ووقف تخصيب اليورانيوم وفتح باب التعاون في التفتيش على المنشآت النووية، ووقف إنتاج الوقود النووي بدلًا من شرائه.
وتعتزم السعودية بناء طاقة نووية لتغطية احتياجاتها المتنامية من الطاقة، وتقليل اعتمادها على النفط؛ غير أنها لم تُخْفِ حساباتها الاستراتيجية تجاه إيران. وقبل سنوات، أعلنت السعودية أنها ستبني مفاعلات نووية في غضون العشرين عامًا المقبلة؛ ردا على بناء إيران لها، لكنها أكّدت أنّ استخدامها سيكون لأغراض سلمية فقط، لكن الطلب السعودي الحالي لتخصيب اليورانيوم مصدر قلق.
وتدفع السعودية بأنّ القوى العالمية التي اشتركت في وضع خطة العمل المشتركة مع إيران تغاضت عن شرط المعيار الذهبي، وسرعت الجمهورية الإسلامية بالفعل في تخصيب اليورانيوم، وتجدر الإشارة بأنّ تكنولوجيا التخصيب سلاح ذو حدين؛ فيمكن للدولة زعم أنها ستستخدم بشكل سلمي. لكن، قد يفاجئ الجميع بأنها طورت قدرات نووية عسكرية؛ لذلك سيكون من الصعب على أميركا إقناع السعودية بضرورة التخلي عن هذا الشرط، خاصة وأنّ إيران لم تتخلَ عنه؛ وهو ما يجعل وضع المملكة جيدًا.
وفي نهاية المطاف، وقف تطوير السعودية قدرات نووية عسكرية يتوقف على ضمان الحد من القدرة الإيرانية على تطوير أسلحة مماثلة؛ والخطوة الأولى في هذا الصدد هي تعديل الاتفاق النووي الإيراني، كما يفسر سعي السعوديين للضغط على الأوروبيين للتماشي مع رؤية ترامب وتعديل بعض بنود الاتفاقية.
لكن، على أميركا التفكير في اعتبارات أخرى؛ وهي أنّ السعودية قد تلجأ إلى الصين وروسيا للحصول على التكنولوجيا النووية اللازمة لتطوير أسلحة نووية، وهو ما ستوافق عليه الصين وروسيا فورًا؛ وبذلك تفقد أميركا السيطرة على كيفية سير البرامج النووية في المنطقة، كما أن لدى واشنطن مصلحة في أن تكون صاحبة الصفقة؛ لتضمن ألا تطور السعودية السلاح النووي، وقدرتها على فرض قيود كالتي تفرضها على إيران.
في النهاية، يتوقف التعامل مع رغبة السعودية في امتلاك سلاح نووي على قدرة أميركا في إقناع إيران بضرورة الالتزام بشرط المعيار الذهبي؛ وهو ما ترفضه إيران بشدة. وبنيت خطة العمل المشتركة الموضوعة أثناء ولاية أوباما على هذا الرفض.