تراجعت الأحداث المثيرة الخاصة بسوريا هذا الأسبوع، خاصة داخل المجتمع الإسرائيلي؛ بسبب انصراف الجميع وتركيز اهتمامهم على قضايا الفساد الخاصة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وطالبي اللجوء الإفريقيين؛ ويبدو أنّ المشهد اكتمل، بضمان روسيا وإيران لبقاء بشار الأسد.
هذا ما يراه الخبير الإسرائيلي في القضايا العسكرية والدفاعية «عاموس هاريل» في تحليله بصحيفة «هآرتس» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ساهم في تفكيك قواعد المشهد؛ بعد إعلان رغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا. لكنه معروف بتغيير رأيه بين الحين والآخر؛ خاصة وأنّ البنتاجون لم يبدِ ارتياحًا للقرار، الذي سيتسبب في جعل روسيا القوة الوحيدة في سوريا.
وحتى ابن سلمان، ولي العهد السعودي، اعترف هذا الأسبوع في حديه مع «أتلانتيك» بأنّ الرئيس السوري باق. وجاءت تصريحاته بالرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها المملكة في سبيل إسقاطه.
والتقى زعماء تركيا وروسيا وإيران الأسبوع الماضي في قمة ثلاثية لتحديد مناطق النفوذ في سوريا وتقسيمها، مع القبول الضمني للوجود الأميركي.
كما نشأت صداقة حميمية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سمحت له موسكو بقيادة هجمات ضد الأكراد في عفرين (شمالي سوريا)، إضافة إلى إبرامهم اتفاقيات بشأن خطوط الغاز والنفط، والاتفاق على تسريع الإمداد الروسي لتركيا بصواريخ مضادة للطائرات من طراز إس 400، وإنشاء محطة نووية سلمية من المقرر أن تبنيها روسيا في تركيا.
أو بعبارة أخرى، تبقى تركيا في حلف الناتو اسميًا فقط، ومن الناحية العملية تقترب من مجال النفوذ الروسي؛ ويمكن أن يتحول اهتمام تركيا من الطاقة النووية السلمية إلى استخدامها في الأغراض العسكرية، تمامًا كما فعلت إيران.
والتطورات الأخيرة لها آثار محلية فورية؛ إذ زعمت وسائل الإعلام الموالية لبشار هذا الأسبوع في أوائل شهر مايو سيُدعم الجيش السوري بروسيا ومختلف المليشيات الشيعية لقيادة هجوم مشترك على درعا (جنوب سوريا) والقنيطرة (بالقرب من مرتفعات الجولان السورية جنوب غرب سوريا).
وتعد درعا رمزًا ومعقلًا للمعارضين في سوريا، التي بدأت المعارضة فيها ضد بشار في مارس 2011، ولم تكن مرتفعات الجولان ذات أهمية؛ لكنّ بشار قد تنمو لديه فكرة استعادة السيطرة عليها، وبالرغم من أنّها بعيدة عن الواقع حاليًا؛ فـ«إسرائيل» تأخذ هذه التقارير على محمل الجد، وفي الوقت الحالي لا يسيطر النظام السوري إلا على جزء صغير من منطقة جولان الحدودية، أما قبضته على الشمال فهي أكثر صلابة على الطريق الذي يربط القنيطر بدمشق، وعزز النظام قواته في هذه المنطقة العازلة مع الحدود «الإسرائيلية»؛ زاعمًا أنّه انتهاك صارخ للاتفاق المتوصّل إليه مع «إسرائيل» بعد «حرب 73».
ومن المتوقع أن تتقدم «إسرائيل» بشكوى إلى الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بين الدولتين؛ خاصة وأنّ الأمم المتحدة المشرفة على الاتفاق. لكن، منذ بدء الحرب الأهلية السورية أخلت القوات الأممية مخيماتها على الأراضي السورية في مرتفعات الجولان؛ بينما لا يطل سوى عدد قليل يراقبون التطورات بشكل مؤقت من على مسافة آمنة.
وعندما اتفقت الدول الكبرى على تقليص المواجهة في جنوب سوريا العام الماضي، لم يستجب الروس أو الأميركيون لمطالب «إسرائيل» بإزالة المليشيات الإيرانية والشيعية عن مسافة 50 كيلومترًا على الأقل من حدود الجولان؛ والآن يمكن رؤيتهم بشكل واضح من داخل المنطقة التي تسيطر عليها «إسرائيل».
وأنشأ «حزب الله» مركز قيادة إقليميًا في الجولان السوري برئاسة رجل الحاج هاشم، الذي يعمل خارج دمشق. ووفقًا للتقييمات المختلفة، فنحو مائة ناشط بحزب الله في جنوب سوريا، وألف شخص يعيشون في المنطقة، يحصلون على رواتب من الحزب.
وتتركز معظم مجهودات حزب الله على إطلاق حرب عصابات مع المعارضين حاليًا؛ لكنّ «إسرائيل» متخوفة للغاية من الاقتراب المتزايد للحزب من حدودها، إلى جانب نوايا بشار. والوضع في الجولان لا يشبه الوضع في شمال سيناء؛ إذ سمحت «إسرائيل» لحليفتها مصر بإدخال قوات كبرى للمنطقة، في تغاضٍ واضح عن بنود معاهدة «كامب ديفيد» وشروطها.
وفي يناير الماضي، سيطر نظام بشار على منطقة تابعة للمعارضين في قرية «بيت جين»، على بعد نحو 15 كيلومترًا من «الحدود الإسرائيلية»، بعد حصار مطوّل؛ واستخدم النظام السوري في الهجوم مروحيات سورية محملة بالبراميل المتفجرة، وقتل 300 معارض، وسمح للسبعمائة البقية بالفرار إلى إدلب، التي لا تزال تحت سيطرة المعارضين في شمال سوريا؛ بعد أن وقّعت اتفاق استسلام، ويسيطر على القرية الآن قوات بشار، ومنذ الاستسلام توقفت «إسرائيل» عن تزويد القرية بالأغذية والوقود.