دعت روسيا إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن الدولي لبحث الضربات الغربية على سوريا، وقال الرئيس فلاديمير بوتين يوم السبت إنّ تحرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب عملٌ عدوانيّ، وله تأثير مدمّر على نظام العلاقات الدولية برمته. وتزعم روسيا أنّ الجيش السوري كان قادرًا على استخدام نظام الدفاع الصاروخي الموجود منذ الحقبة السوفيتية ومخصص لاستهداف عشرات الصواريخ الأميركية التي أطلقت من قواعد جوية وبحرية.
وهناك تكهّنات أيضًا بأنّ روسيا ستستجيب للهجمات على سوريا، وقال الجنرال الروسي «سيرجي رودسكو» إنّ روسيا تسلّم حاليًا منظومة الدفاع الجوي «إس 400» إلى القوات السورية.
لكنّ جميع الأطراف يرون القضية السورية ذات طبيعة صعبة وشاقة للغاية؛ خاصة وأنّ أطرافًا عدة لها مصالح متباينة متورطة فيها، كما هناك أفراد ومعدات وكثير من الاتصالات الخلفية؛ مثل الدور الذي يؤديه حاليًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتصل باستمرار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأميركا.
وقادت القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية هجومًا منسقًا ومحدودًا في سوريا، أشبه بتمرين أُطّر باحترام واحترافية؛ ردًا على تجاوزات بشار العلنية، بدعم واضح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وإعلان الرئيس دونالد ترامب اليوم بأنّ المهمة أُنجزت وتمت بإحكام مشكوكٌ فيه؛ فترامب لا يريد أن يتورط أكثر من ذلك في الحريق السوري، لاجئًا بذلك إلى الهجمات المركّزة والمحدودة التي تساعد سوريا الشرقية على تطهير المناطق من تنظيم الدولة.
هذا ما يراه الخبير والمحلل العسكري «نيكولاس غفوسديف» في تحليله بمجلة «ناشيونال إنتريست» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّه في أحيانٍ يتبع ترامب بخصوص استراتجيته مع سوريا نهج نتنياهو ويتبنى آراءه، وهي الاستراتيجية القائمة على «اتخاذ إجراءات حاسمة في كل مرة يحدث فيها تطور مرفوض في سوريا». وبطريقة أخرى، لا يريد ترامب تسلق سلم التصعيد لأبعد من العمل العسكري المحدود.
والضربة التي أطلقتها القوات المشتركة على سوريا اليوم لم تأتِ ناحية أيّ أصول أو أهداف روسية؛ ما قلل من احتمالات حدوث تصادم مباشر مع موسكو. ووفقًا لتأكيد الحكومة الأميركية، فإنها تريد فقط الانتقام بسبب الهجوم الكيميائي الأخير، كما حدث في العام الماضي، والاستهداف ليس مقدمة لتدخل أميركي أكثر استدامة.
وبالرغم من الضربة المركزة، واشتراك القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية فيها؛ فالنظام السوري ما زال قادرًا على مواصلة حربه ضد المعارضة، ويبدو أنّ البنى التحتية للجيش السوري لم تتضرر كثيرًا. لكن، في الوقت نفسه، ما دام الجيش السوري قادرًا على مواصلة ضرب المتمردين ومحاصرة معاقلهم واقتلاعها منهم؛ فليس في حاجة لإطلاق هجمات كلور أو بغاز السارين، وهو الأمر الذي لن يدفع أميركا وحلفاءها للتدخل مرة أخرى.
لكن، ما مدى قدرة أنظمة الدفاع الجوي الروسية في صد الهجمات الأميركية؟
وقبل الغارات الإسرائيلية على سوريا، جرت اتصالات ومناورات بين تل أبيب وموسكو؛ ويرى محللون أنّ «إسرائيل» سعت منها إلى الحصول على إذن روسي بإطلاق غارات فوق سوريا، طالبة منها تعطيل الأنظمة الدفاعية. ولأنّ الرئيسين بوتين وماكرون تواصلا مع بعضهما بعضًا قبل بدء الضربة، ربما تكون روسيا أذعنت للطلبات الغربية بالسماح بتوجيه الضربة؛ وهو أمر سيئ لموسكو من منظور الدبلوماسية العامة. وهناك احتمال آخر، بأنّ الأنظمة الصاروخية الجديدة «إس 400» أخفقت في صد الصواريخ الغربية، وهو أمر سيئ أيضًا لموسكو، التي تسعى إلى اجتذاب عملاء من أنحاء العالم لشراء أسلحتها، بما فيها تركيا والصين.
كما تساءل الكاتب عن مدى تأثير الضربات على النظام الإيراني، وهل كانت تحذيرًا كافيًا لإيران بأنها ليست بعيدة عن الاستهداف؟ وهل ستأخذ إيران مخاوف واشنطن بشأن سلوكها على محمل الجد أم أنها ستنظر إليها على أنها نوبة غضب مؤقتة من ترامب، وأنّ أميركا لن تستطيع مواصلة الضغط عليها لتخليها عن برنامجها؟ وعلى هذا المنوال، تقيّم روسيا أثر الضربة ومدى تأثيرها على نفوذها في سوريا.
في النهاية، ما فعلته أميركا بضرباتها أنّها ردّت على تهوّر بشار الأسد واستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه؛ لكنها في كل الأحوال ليست كافية لإنقاذ المعارضة السورية، وحتى تحقيق رؤية بعض أعضاء الكونجرس الأميركي الذين يميلون إلى أبعد من مجرد ضربة محدودة. وبتنفيذ أميركا تهديدها، تبقى الكرة حاليًا في الملعب الروسي؛ لنرى ما ستقرره الأيام المقبلة.