أخبر الرئيس دونالد ترامب جنرالاته العسكريين بأنّه يريد إنهاء الوجود الأميركي في سوريا في أقرب وقت بعد إكمال مهمتهم ضد تنيظم الدولة؛ لكنه أُقنع بالانتظار شهرين إضافيين حتى التأكّد من القضاء عليه بشكل كامل واستكمال طرده من آخر معاقله. وفي غضون أيام من قراره، أمر بإطلاق نحو 105 صواريخ من السفن والطائرات الأميركية والفرنسية والبريطانية؛ ردًا على الهجوم الكيميائي لبشار الأسد ضد مواطنيه في دوما.
وفي حديثه أمام الصحفيين هذا الأسبوع، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ «بوب كورك» إنّه لا يعتقد أنّ الضربات الجوية الأميركية الأسبوع الماضي ستخفف من رغبة ترامب في سحب القوات الأميركية من سوريا؛ لكن «أعتقد أنّ الرئيس ملتزم للغاية بالخروج من سوريا في أسرع وقت ممكن، ولا أرى أيّ شيء يمكن أن يغير قراره».
وأضاف، وهو يتحدث مع ترامب كثيرًا بشأن السياسة الخارجية، أنّه لا يعتقد أنّ الإدارة الأميركية تحاول تغيير مجريات الأمور في سوريا على أرض الواقع؛ فـ«عندما دعونا روسيا للمساعدة في القضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية لدى بشار في عهد أوباما كانت عبارة عن تسليم سوريا بشكل رسمي لروسيا؛ ما سمح لإيران بالتدخل، والأميركيون لا يساعدون في إعادة تشكيل الأمور؛ بل يتحدّثون فقط».
نفوذ مقابل
لكنّ «بوب كورك» جادل بأنّ مواجهة عبء الاستقرار في سوريا وإعادة بناء المدن المدمرة يمكن أن يساهما في إكساب أميركا نفوذًا في مقابل روسيا وإيران، اللتان تريدان الإبقاء على بشار في السلطة.
ووجّهت مستشارة أوباما للأمن القومي «سوزان رايس» اقتراحًا مماثلًا لإدارتي أوباما وترامب، اللذان واجها معضلة تتعلق بسياستهما الخارجية في سوريا؛ فقالت إنّ قدرة أميركا وحلفائها على تمويل إعادة إعمار سوريا ستعطيها نفوذًا على مائدة المفاوضات. مضيفة في مقال على «نيويورك تايمز» أنّه «من دون أموالنا ستترك روسيا وإيران بصحبة دولة فاشلة اقتصاديًا ومدمرة؛ ولن يستفيدا منها».
درس الحروب
وكما تعلّمت أميركا من الدروس السابقة وتدخلاتها في العراق وأفغانستان؛ فالحروب لا يمكن التملّص منها بسهولة، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنّ الوضع في سوريا سيكسر هذا النمط.
وسعى ترامب إلى الحد من أهداف الحرب الأميركية في سوريا واقتصارها على هدفين فقط: القضاء على تنظيم الدولة وردع استخدام الأسلحة الكميائية. لكن، بالرغم من وضوح الأهداف وبساطتها؛ فالانسحاب الأميركي سيكون فوضويًا للغاية.
هذا ما تراه محررة الشؤون الخارجية بصحيفة الجارديان البريطانية «جوليان بورجر» في تحليلها وترجمته «شبكة رصد». مضيفة أنّ الهدفين كان ملومسين، لكن يمكن أن يبقيا بعيدي المنال في الوقت نفسه؛ فحتى بعد الغارات الأميركية على سوريا لم تكن «خطوط ترامب الحمراء» على الأسلحة الكيميائية واضحة، ولم يتضح أيضًا ما إذا ستتدخل أميركا مرة أخرى إذا اُستُخدمت أسلحة كيميائية أم لا، وما إذا كان غاز الأعصاب يستحق فعلًا إطلاق هجمات انتقامية.
عودة تنظيم الدولة
أيضًا، مهمة القضاء على تنظيم الدولة أوشكت على الانتهاء؛ إذ تخبرنا الدعاية أنّ التنظيم في حالة ثبات عميق. لكن، من المحتمل أن تعيد خلاياه تجديد نفسها؛ وأكّد الباحث في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط «حسن حسن» أنّ هناك اتجاهًا داخل التنظيم لإعادة تنشيط الخلايا النائمة بالكامل، والاستعداد لإطلاق هجمات فردية.
ويتّبع التنظيم استراتيجية تجعل القضاء عليه بشكل كامل أمرًا مستحيلًا؛ ففي جنوب سوريا -على سبيل المثال- «جيش خالد بن الوليد»، وأسهمه آخذة في الارتفاع، ولم يُستهدف حتى الآن من النظام أو التحالف الأميركي.
ويرجع السبب في وجود تنظيم ونشاطه في سوريا إلى قرار الرئس السابق أوباما بخفض التمويل والتدريب لـ«الجيش السوري الحر» في المنطقة السورية الجنوبية؛ ونتيجة لنقص التمويل يواجه الجيش الآن ضغوطًا قوية من النظام والجماعات المتطرفة الأخرى، ومن المرجح أن يحافظ الوضع الحالي على تماسك التنظيم في الجنوب السوري.
وأكّد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ «بوب كورك» أنّه لا يمكن تصوّر وجود وحدة أميركية مخفضة تساعد في هذه المناطق، موضحًا أنّه «يمكن مساعدة الأكراد على سبيل المثال في القيام بهذا الدور؛ لكنّهم للأسف يتعرضون أيضًا بدورهم لضغوطات من تركيا والنظام».
كما سيترك الانسحاب الأميركي من سوريا أثرًا آخر على النزاع الإسرائيلي الإيراني الآخذ في التصاعد في سوريا؛ إذ يشرع الحرس الثوري الإيراني في بناء قواعد عسكرية بالقرب من «الحدود الإسرائيلية»، ومن الصعب تخيّل وجود أميركا على الهامش من هذا الصراع.
وبقاء ترامب خارج هذه المعركة سيكون أصعب مما يتخيل؛ خاصة إذا أصرّ على انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
وفي الخليج، من المرجّح أيضًا أن ينزلق إلى حرب أخرى، ومن المتوقع أن تكون سوريا مركزها؛ فإذا لم يبتعد ترامب عن سياسة التناقضات في سوريا ستستمر إيران في برنامجها النووي رغمًا عن إرادته، والمواجهات المقبلة معها ستكون أصعب.