في خضمّ العنف والدمار، يستخدم الأطفال السوريون وسائل التواصل الاجتماعي لنقل قصصهم وتجاربهم وسط الحر إلى العالم أجمع، وهي نافذة حياة وسط الموت؛ فيقول محمد نجم، البالغ من العمر 15 عامًا، إنّه يستخدم هاتفه المحمول دائمًا لالتقاط صور وفيديوهات من داخل الغوطة الشرقية (مسقط رأسه)، وأضاف لـ«فويس أوف أميركا» أنّ أمله الأكبر السفر ومواصلة دراسته، وأن يعمل في مجال الصحافة.
وشهدت الغوطة الشرقية (معقل المتمردين) هجمات لا تعد ولا تحصى على مدار الأعوام السبعة الماضية. لكن، في فبراير الماضي، اتخذت الهجمات منعطفًا جديدًا؛ بعد استهدافها بأقوى حملة قصف لبشار الأسد منذ سنوات، وقرّر «محمد نجم» أنّ العالم في حاجة إلى رؤية ما يحدث بعينيه.
وقالت هبة، شقيقة محمد، إنّ أخاها قادر على التحدث باللغة الإنجليزية؛ ما يمكّنه من الوصول إلى أكبر قدر من الناس في العالم، لكنه توقف عن الذهاب إلى المدرسة بعدما دُمّرت بالكامل في غارة جوية.
فقدان الأب
فقد محمد والده أثناء حملة القصف الأخيرة على الغوطة الشرقية، وأيضًا أفضل صديق له، الذي قتل بدوره في غارة جوية أيضًا؛ فأجبرت الخسائر التي أصابت «محمد نجم» على التصرف كالكبار، واضطلع بمسؤوليات ليست مناسبة للأطفال في مثل عمره؛ وبدأ في السعي على توفير سبل معيشية أفضل لأسرته.
كما استخدم محمد مهاراته في التواصل الاجتماعي للتغريد عن حياته اليومية داخل الغوطة، وقال في فيديو على تويتر من قبل إنّه «من الصعب وصف الموقف الإنساني أو الطبي للغوطة في كلمات؛ فما يحدث الآن إبادة جماعية».
وقبل أيام قليلة من الهجوم الكيميائي الذي تسبب في مقتل عشرات المدنيين وإصابة غيرهم؛ كان محمد من بين آلاف المدنيين الذين نقلوا إلى مخيمات للاجئين في الشمال، ووثقوا رحلته.
وقدّر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الهجوم بأنّ 460 ألف مدني ومقاتل أُجلوا من الغوطة الشرقية؛ ولا يزال محمد نجم ينشر تغريداته إلى العالم، وقال في إحداها: «رسالتي إلى العالم أنّ حقنا كأطفال أن نعيش في سلام، وأن نسطيع الذهاب لمدارسنا واللعب مثل باقي أطفال العالم».
نور وعلاء
نور (12 عامًا) وعلاء (8 أعوام)، طفلان سوريان آخران بدآ النشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن حياتهما اليومية في سوريا ووسط الحرب. وتقول والدتهما «شمس» إنّ أطفال الغوطة الشرقية حرموا من كل شيء، الطعام والماء والدراسة والمنزل، والعالم بأكمله يتجاهلهم؛ ولذا قرّرت إنشاء حسابات لابنيها على مواقع التواصل الاجتماعي لإظهار ما يحدث أمام العالم؛ مناشدة المجتمع الدولي مساعدتهما.
وأضافت أنهم كانوا يعيشون في مخابئ تحت الأرض لمدة شهرين؛ حماية من الغارات الجوية المستمرة، التي قتل فيها مدنيون وأصيب آخرون. ورأت أنّ اجتماع مجلس الأمن الدولي بخصوص سوريا لم يسفر عن أيّ نتيجة؛ ما يعني أنه لن توجد هدنة لوقف إطلاق النار، ولا يوجد حتى أمل؛ فلا تزال الطائرات تحلّق فوق رؤسهم.
وقال نور وعلاء إنّ الطائرات الحربية تواصل التحليق في السماء؛ وتوقفا عن الذهاب إلى المدرسة بسبب قصفها في غارة جوية.
وأكّدت فتيات أخريات من الغوطة، تحدثت معهم الصحيفة، أنّ المدارس بأسرها دُمّرت، والمستشفيات والمساجد والمباني الأخرى دمرت.
ولدوا في الحرب
والآن، دخلت الحرب السورية عامها الثامن، ولا يتذكر أطفال سوريا أنهم شهدوا أوقات سلم في حياتهم؛ فهم ولدوا أثناء الحرب أو كانوا صغارًا عندما بدأت، ويأملون العودة إلى بيوتهم يومًا ما في سلام.
ومثل محمد نجم، أُجلي الشقيقان نور وعلاء من الغوطة الشرقية إلى شمال سوريا، ولا يزال محمد في سوريا، بينما عبر نور وعلاء إلى تركيا المجاورة ويعيشان هناك لاجئين؛ لكنهما لم ينسيا سوريا.