بعد مفاوضات دامت أكثر من خمسة أشهر لإقناع الرئيس الأميركي بضرورة التراجع عن الانسحاب من الاتفاق النووي؛ فشلت الدول الأوروبية في مسعاها، ونفّذ ترامب ما يدور في رأسه رغمًا عن الجميع، واصفًا الاتفاق المبرم في 2015 بـ«المعيب»، وأنّ أميركا ستعيد فرض العقوبات المرفوعة عن إيران. وأضاف يوم الأربعاء، أثناء إعلانه الانسحاب من الاتفاقية: لا يمكننا السماح باتفاق يؤذي العالم.
ومنذ يناير العام الماضي، كانت الإدارة الأميركية تستعد للانسحاب من الاتفاق النووي. وبالرغم من أنّها طالبت بتعديلات عليه للاستمرار فيه؛ قال مسؤولون أميركيون مطّلعون إنّ ترامب نوى الانسحاب منه حتى لو عُدّل.
واتخذ ترامب قراره بالانسحاب بعد أن تحدّث مرارًا مع 12 مسؤولًا في البيت الأبيض، ومسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الأميركية ودبلوماسيين أجانب ومستشارين خارجيين لإدارته؛ وجميعهم تحدّثوا إلى «واشنطن بوست» شريطة ألا تُكشف هوياتهم، وهذا في تقرير ترجمته «شبكة رصد».
فرصة أخيرة
وقالت المصادر إنّه «كان واضحًا للغاية أنّ الإدارة الأميركية ستنسحب بحلول 12 مايو، لكن الموعد قُدِّم، وقبل اتخاذ القرار والمناداة بضرورة تعديل الاتفاق، تأكّدت الإدارة أنّ الثلاث دول الرئيسة في الاتفاق (إيران وروسيا والصين) لن تستجيب للنداء ودراسة التغيّرات؛ لذلك ركّز ترامب على الأوروبيين: ألمانيا وبريطانيا وفرنسا؛ على أمل أن يستطيعوا إقناع باقي الأطراف بالاستجابة للمطالب الأميركية».
و«كانت هذه الفرصة الأخيرة أمام الاتفاق النووي» قبل قرار الانسحاب منه، الذي اتخذ في يناير كما ذكرنا، بحسب تعبير ترامب. وبعد ذلك، وعلى الفور، بدأ فريق من البيت الأبيض بقيادة «بريان هوك»، رئيس قسم السياسة في وزارة الخارجية، إجراء مفاوضات مكثّفة مع الأوروبيين بشأن القضايا التي أصرّ ترامب على ضرورة حلها.
وشملت مطالب أميركا «فرض إجراءات تفتيش جديدة على البرنامج الصاروخي للقذائف التسيارية، وتوسيع نطاق وصول المفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة، وإطالة أمد المعاهدة، بجانب القيود الإضافية على تخصيب اليورانيوم».
محاولات للتوافق
وأبدت الدول الأوروبية استعدادها للتفاوض بشأن أوّل مطلبين؛ واختلفوا بشأن الثالث كثيرًا. فوفقًا لبند في الاتفاق، أيّ تمديد دون موافقة إيران الصريحة سيضع الأوروبيين أنفسهم في خرق للاتفاق.
وبعدها صيغت اتفاقية تكميلية، بالتوازي مع استمرار المفاوضات؛ عُدّلت مرتين بعد ذلك بشأن الآلية التي يمكن استخدامها لإبقاء القيود على الإيرانيين لأجل غير مسمى.
وعلى مستوى الأمم المتحدة، قادت المبعوثة الأميركية «نيكي هالي» جهدًا موازيًا للضغط على فرنسا وبريطانيا لإقناع إيران بضرورة تغيير سلوكها، والتوقف عن دعم مقاتل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ووقف أنشطتها العدائية في سوربا.
لكنّ الموظفين في البيت الأبيض شكّوا في أنّ أيّ شيء يمكنه أن يرضي ترامب، في ظل عزمه على الانحساب من الاتفاقية؛ لذلك شرع الجميع، ومعهم مجلس الأمن القومي، في وضع الأساس للانسحاب الأميركي من خطة العمل المشتركة، حتى أثناء استمرار المفاوضات مع الأوروبيين.
ومع اقتراب الموعد النهائي في شهر مايو، ازداد قلق الأوروبيين من عزم ترامب على إلغاء الاتفاق؛ لذلك بدؤوا في تنظيم زيارات شخصية للبيت الأبيض، لكنها لم تأتِ بنتائج مرجوة، وكانت الزيارة الأبرز للرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، الذي لم يكتفِ بالتحدث إلى ترامب؛ بل حاول أيضًا الضغط على الكونجرس الأميركي.
وبعد ماكرون، نظّمت المستشار الألمانية أنجيلا ميركل زيارة إلى أميركا للهدف نفسه؛ ووعدت ترامب بأنّ الاتحاد الأوروبي سيبذل مزيدًا من الجهود لإقناع إيران بتعديل سلوكها. وكانت الزيارة الختامية لوزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون»، الذي حثّ ترامب على قناة «فوكس آند فريندز» بألا ينسحب من الاتفاقية.
ووصل القادة الأوربيون إلى أميركا حاملين اقتراحات وحلولًا ذكية وبديلة للانسحاب من الاتفاقية؛ لكنهم لم يتمكّنوا من تحقيق أهدافهم في النهاية. وبحلول الوقت الذي وصل فيه جونسون، أصبح من الواضح أنّ المفاوضات، بالرغم من استمرارها، بلا جدوى. وفي يوم الاثنين، أكّد ترامب عبر تويتر أنه سيعلن قراره يوم الثلاثاء بعد الظهر.