بينما تنفي الحكومة المصرية مزاعم المنظمات الحقوقية وموظفيها، أصرّ عبدالفتاح السيسي على نفيها بنفسه أثناء زيارته فرنسا أواخر العام الماضي؛ بعدما قال في مؤتمر صحفي: نحن لا نمارس التعذيب. كما نفت الحكومة المصرية، التقرير المفصّل الذي قدّمته منظمة العفو الدولية في أبريل 2018 عن إساءة معاملة السجناء واستخدام الحبس الانفرادي والإخفاء القسري والتعذيب.
وأطلقت مصر مطلع العام العملية العسكرية الشاملة.. سيناء 2018، في محاولة منها لاستعادة شمال سيناء ومناطق من دلتا النيل والصحراء الغربية من الجماعات المتطرفة، ويزعم الجيش باستمرار أنه يقتل عشرات الإرهابيين يوميًا ويفكّك مئات العبوات الناسفة ويدمّر أوكارًا إرهابية.
لكنّ الناشط في منظمة العفو الدولية بمصر «حسين بيومي» قال إنّ الحملة يمكن وصفها بـ«أكثر من قاسية أو ظالمة»، أو تسمّى «الحرب القذرة»؛ فالنظام استخدمها مبررًا للقبض على الصحفيين وأعضاء المعارضة والكوميديين ومرشحي الرئاسة والمثليين، بجانب الاستمرار في الحدّ من الحريات وإغلاق المجال العام، ومطاردة منظمات حقوق الإنسان واعتقال موظفيها ومنهم من السفر.
حرب وعنف وتطرف
وتقول «أماندا كاديك»، محللة السياسات الأمنية في مؤسسة راند البحثية بواشنطن، إنّ انتهاك حقوق الإنسان سائد عبر الاعتقالات التعسفية والاحتجاز وسوء معاملة المعارضة السياسية، سواء كانت علمانية أو غيرها؛ وجميعها تؤدي حتما إلى التطرف.
وأضافت: هذا لا يعني أنه بسبب وجود شخص في السجن يقضي وقتًا عصيبًا أنّه سينضم إلى تنظيم الدولة أو أي جماعة جهادية أخرى؛ لكنّ الفوضى والظورف العصيبة والمعاملة القاسية والتعذيب يمكن القول إنّها مجرد نقطة انطلاق تستغلها الجماعات الإرهابية لاجتذاب أفراد وتدريبهم، ويستهدفون هؤلاء الأشخاص تحديدًا بعد خروجهم من السجن؛ فمن المؤكد أنهم يريدون الانتقام، وهذه الجماعات توفّر لهم المَنْفَذ.
وفي أوائل مايو، أحال النائب العام المصري «المستشار نبيل صادق» 555 شخصًا إلى المحاكمة العسكرية بتهمة الانضمام إلى تنظيم الدولة. وقال «حسين بيومي» إنّ مثل هذه المحاكم ظالمة بطبيعتها؛ لأنّ المسؤولين الذين يترأسونها أعضاء في الجيش، ويرفعون تقاريرهم إلى وزير الدفاع، ولا يحصلون على التدريب اللازم لكيفية تطبيق القانون أو قواعده أو حتى مواده والاطلاع عليه؛ وكل ما يعرفونه الحرب والعنف، ثم تصدر المحاكم العسكرية أحكامًا منتظمة وفي وقت قصير للغاية، وتعتمد فقط على الاعترافات التي تؤخذ تحت التعذيب؛ ويدركون ذلك جيدًا.
هذا ما رصدته صحيفة «فويس أوف أميركا» في تقرير لها ترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ مصر تمتلئ اليوم بجماعات إرهابية ومتطرفة؛ لكنّ المكان الأكثر دموية الآن «شمال سيناء»، حيث يوجد تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي أعلن بيعته لأبي بكر البغدادي، وأصبح اسمه «ولاية سيناء»، وهو المسؤول عن إسقاط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015 فوق سيناء، وقتل جميع ركاب الطائرة الـ224، وهذا أخطر هجوم إرهابي وقع في مصر.
وفي 24 نوفمبر الماضي، قاد أفراد من تنظيم ولاية سيناء هجومًا على مسجد بلال في قرية الروضة ببئر العبد (شمال سيناء) وأقتلوا 300 مصلٍّ، وهو الهجوم الأعنف في تاريخ مصر الحديث، ومثّل نقطة تحوّل في استراتيجيات الجماعات الإرهابية، التي تحوّلت إلى استهداف المسلمين بعد أن اقتصرت على استهداف الجيش والشرطة والأقلية المسيحية.
وقالت «أماندا» إنّ هناك أدلة ملموسة وواضحة على أنّ الجماعات الإرهابية تشكّل تهديدات كبرى للشعب والدولة المصرية، ومع استمرار الهجمات المميتة ضد الشرطة والأهداف العسكرية والمدنية في شبه جزيرة سيناء يهدّد الإرهاب بتمزيق مصر ونسيجها المجتمعي، تزامنًا مع الزيادة الكبرى في استهداف المسيحيين، وتكاد تكون الاعتداءات والهجمات الإرهابية شبه يومية في سيناء.
التحديات التي يواجهها السيسي
وعلى الرغم من أنّ استخدام الاختيار العسكري في مكافحة الإرهاب قد يساعد في الحدّ من الهجمات، فأحد أهم العوامل الأخرى التي سيحتاج السيسي إلى معالجتها بشكل مناسب «الاقتصاد». وتقول «أماندا» إنّ الجماعات الإرهابية تستطيع استخدام المظالم الاقتصادية ببراعة في تجنيد أفراد جدد؛ خاصة وأنهم ليس لديهم ما يخسرونه.
وأضافت أنّ مصر نفّذت برنامج إصلاحات اقتصادية صارمة، لكنه أثّر على المواطنين المصريين العاديين، الذين يكافحون حاليا من أجل توفير احتياجاتهم اليومية الأساسية بعد الانخفاض الكبير في سعر العملة. وقال حسين بيومي إنّ مصر تحتاج لأن تقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية وسيادة القانون؛ لا سيما مع بداية السيسي ولايته الرئاسية الثانية الشهر المقبل، عقب حصوله على 97% من نسبة الأصوات أمام منافسه الصوري موسى مصطفى موسى.