أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الثلاثاء الماضي انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، الذي توصّل إليه باراك أوباما في 2015 وصيغ بعناية فائقة؛ ولذلك واجه قرار ترامب انتقادات كبرى من حلفائه العالميين، ومن المتوقّع أن تخرج منه أميركا وحدها بينما تلتزم بقية الأطراف؛ خاصة وأنّ هناك أدلة على التزام إيران ببنود الاتفاق كما هي.
ويأتي إعلان ترامب بعد أسبوعين من سماع المحكمة العليا بأميركا مبرّرات عمّا إذا كان حظر دخول المسلمين الإيرانيين وآخرين من دول أخرى إلى أميركا مجديًا أو عبثيًا، إنساني أو غير إنساني، مناسبًا مع قيمها ومبادئها أم يخالفها؟
كما يأتي الإعلان بعد أسبوعين من تصديق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين مايك بومبيو وزيرًا للخارجية، المعروف بعدائه الشديد ضد المسلمين بجميع أنحاء العالم، بجانب سياساته المتشدّدة والعداء الخاص تجاه الصفقة الإيرانية. كما عُيّن جون بلوتون قبله مستشارًا للأمن القومي الأميركي؛ وأعلن بمجرد توليه منصبه أنّ السياسة المعلنة لأميركا هي الإطاحة بالنظام الملالي في إيران، والحلّ تغيير النظام نفسه.
هذا ما رصدته المحللة الأميركية «هوما ياسين» في مقالها بصحيفة «ذا هيل» الأميركية وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّه لا شيء مما سبق يثير الدهشة بالنسبة إلى رئيس صرّح بلا خجل: «أعتقد أنّ الإسلام يكرهنا».
وما لا يعرفه كثيرون أنّ أميركا ارتبطت مع إيران تجاريا منذ عام 1953، عندما كانت تمتلك زعيمًا تقدميًا منتخبًا ديمقراطيًا «محمد مصدق»، الملقّب بـ«رجل العام» لسنة 1951، وكان بمثابة انعكاس لكل القيم التي يدعو إليها الغرب. لكنّ خطأه القاتل كان تأميم صناعة النفط الإيرانية واستعادتها من البريطانيين الذين استمتعوا باستغلال الموارد الطبيعية لإيران، مثلما استغلوا موارد شمال إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
وكما قال الصحفي «ستيفن كنزر» في كتابه «جميع رجال الشاه»: عندما ساعد ونستون تشرشل في الاستيلاء على صناعة النفط الإيرانية في عشرينيات القرن العشرين وصفها بأنها «جائزة من أرض الخيال تتعدى أحلامنا».
وبالرغم من أنّ هذه الجائزة لم تكن تستحق خوض معركة من أجلها؛ كان من المفيد تنظيم انقلاب عسكري، هو الأول من نوعه لوكالة الاستخبارات المركزية. ففي عام 1953، نفّذت المخابرات البريطانية السرية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعد أشهر من التخطيط هجوم «أياكس»، وحثّا متمردين على تنظيم احتجاجات ضد الحكومة.
وهو ما أدى في النهاية إلى تنصيب الشاه، الذي أثارت ديكتاتوريته الوحشية والقمعية «الثورة الإسلامية» في إيران عام 1979، وهو ما اعترفت به الاستخبارات الأميركية، واعترفت بدورها في تغيير نظام محمد مصدّق. وإيران ليست الدولة الوحيدة التي غيّرت أميركا فيها الأنظمة وثبّتت أنظمة استبدادية وقمعية.
وتفعل أميركا كل هذا سعيًا وراء مصالحها الخاصة.
وبعد ذلك، في العراق، قاد العميد عبدالكريم قاسم تمرّدًا ضد الملك المدعوم من بريطانيا؛ ما تسبّب في غضب الإمبرياليين الغربيين بعد أن أمّم إمدادات النفط في العراق، وشرع في إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية واسعة النطاق، وخلق بنية تقاسم السلطة لحساب التنوع الديني والعرقي للأمة.
وفي عام 1969، ذكر الصحفي «جيرمي سكاهيل» في تحقيق استقصائي كيف استخدمت الاستخبارات الأميركية حزب البعث لتسهيل تغيير النظام العراقي، ولم تجد سوى صدام حسين لتنفيذ هذه المهمة. وعندما قرر صدام غزو الكويت وادّعاء السيادة عليها من أجل الاستيلاء على النفط؛ بدأت أميركا قصف الحكومة ذاتها التي أقرّتها قبل عقود.
وحاليًا تواصل الحكومة الأميركية دعم الديكتاتوريين في الشرق الأوسط لتعزيز مصالحهم في المنطقة؛ فمصر تتلقى في المتوسط 1.6 مليار دولار سنويًا، بالرغم من تقرير «هيومن رايتس ووتش» الذي أكّد أنّ نظام عبدالفتاح السيسي أكبر منتهك لحقوق افنسان.
وبالمثل، الدعم الذي تقدمه أميركا لمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الذي يُعد إنجازه الأكبر السماح للنساء بقيادة السيارات، أمر مثير للقلق. وتتهم «هيومن رايتس ووتش» التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك استهداف المدنيين عن قصد في الغارات الجوية واستخدام الذخائر العنقودية المحظورة دوليًا واستهداف المرافق الصحية.
الخيط المشترك أنّ أميركا مستعدّة للمشاركة في تغيير النظام أو دعم الديكتاتوريين بالرغم من سجلاتهم البشعة في مجال حقوق الإنسان؛ وهذا يعني أنّها ستستمر في الحفاظ على الهيمنة بالوكالة في الشرق الأوسط الغني بالنفط.