من له حق الفتوى في مصر؛ سؤال متداول بين أروقة الأزهر الشريف، وردهات وزارة الأوقاف، وتحت قبة البرلمان؛ حيث تتصارع أكبر مؤسستين دينيتين بالبلاد على من له حق الفتوى بمسائل الشريعة الإسلامية، ومن المنتظر أن يحسم البرلمان الجدل.
وكانت اللجنة الدينية بالبرلمان قد أقرت قانون «تنظيم الفتوى العامة» بدور الانعقاد الماضي، محددا 4 جهات لها حق الفتوى، وهم هيئة كبار العلماء بالأزهر، أو دار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، أو الإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف؛ فيما رفض الأزهر إدراج الأخيرة بالقائمة.
مواجهة بالبرلمان
وفي اجتماع لأعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان حضره وزير الأوقاف مختار جمعة، نقل أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، محيي عفيفي، وجهة نظر الأزهر وقال إن الأوقاف، ليست جهة علمية وهي جهة تنفيذية ليس حقها الفتوى.
ورد رئيس القطاع الديني بالأوقاف الشيخ جابر طايع، على ممثل الأزهر بقوله إن «الأوقاف أقدم من مجمع البحوث الإسلامية، ولا يمكن أن ينكر أحد دور إدارة الفتوى بالوزارة إلا من في عينيه رمد»، مطالبا الأزهر بمنح الإدارة حق الفتوى.
وفي الوقت الذي اعترض فيه وزير الأوقاف على قول طايع، «إلا من في عينيه رمد” واعتبرها إساءة بحق الأزهر؛ إلا أنه هدد برد فعل مماثل تجاه الأزهر، وقال إن “الإقصاء يولد الإقصاء المضاد».
ومن المقرر أن تعقد لجنة الشؤون الدينية اجتماعا آخر ليتم حسم الجدل بين الوزارة والأزهر.
جذور الأزمة
والأزمة بين الأوقاف والأزهر ليست الأولى، ورغم أنه تم تعيين جمعة وزيرا للأوقاف في 17 يوليو 2013؛ بتوصية من شيخ الأزهر أحمد الطيب إلا أنه سريعا بدا الخلاف بينهما على قيادة المؤسسة الدينية وسعى كلاهما لتطوير الخطاب الديني الذي دعا إليه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
وفي كانون الثاني/يناير 2014، رفض الأزهر قرار الأوقاف بتوحيد الخطبة بالمساجد.
وببداية 2015، استبعد شيخ الأزهر وزير الأوقاف من عضوية مكتبه الفني، ورد الأخير بعزل وكيل الأزهر عباس شومان، من رئاسة مجلس إدارة مسجد الحسين، ومن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
وفي مايو 2015، لم يشارك شيخ الأزهر بمؤتمر الأوقاف العالمي، وأيضا المؤتمر الدولي الـ24 للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فبراير 2018.
وفي أغسطس 2016، ثار الخلاف مجددا بعد إصرار الأوقاف على توزيع «الخطبة المكتوبة» على أئمة الأوقاف والأزهر، بينما سحبت هيئة كبار العلماء بالأزهر في ديسمبر 2016، قياداتها من لجان المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابعة للأوقاف.
ونهاية 2017، ظهر الخلاف جليا عندما قدم الأزهر 50 اسما من علمائه لهم حق الظهور بالفضائيات، وقدمت الأوقاف قائمة بـ137 شخصية بينها أزهريون لم يدرجهم الطيب بقائمته.
خلف الأبواب المغلقة
وحول «أزمة الفتوى»، تحدث أحد علماء الأزهر الشريف لـصحيفة «عربي21»، مؤكدا أنها صراع خفي بين الأوقاف ومشيخة الأزهر، وعلى وجه الخصوص بين وزير الأوقاف المقرب جدا من النظام العسكري الحاكم، وبين شيخ الأزهر الذي لا يحظى بنفس الثقة لدى النظام، مضيفا شرط عدم ذكر اسمه للإعلام أنه لا أحد من الجانبين يظهر ذلك الصراع أو يتحدث عنه، ومن يتحدث فهو خلف الأبواب المغلقة خوفا من اتهامه بصناعة وتأجيج الصراع بين الدولة ومؤسساتها.
صراع مفتعل
من جانبه، أكد نفس الفكرة، الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور ياسر محمد، قائلا إن «ما يحدث بين وزارة الأوقاف والأزهر الشريف هو صراع مفتعل بين جمعة والطيب»، مشيرا لوجود جانب سياسي لهذه الأزمة.
الأستاذ المساعد بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية، بماليزيا، أن الأزمة ليس لها جذور سابقة وهي وارد جديد على الساحة الدينية في مصر، مشيرا إلى أن “كل العاملين بجميع أروقة وإدارات ومساجد وزارة الأوقاف هم في الأصل من خريجي الأزهر”.
وأضاف أنه لم يكن يتقدم أحد للفتوى سواء من العاملين بالأوقاف أو بالأزهر إلا من كان عنده ملكة الفتوى واستعداد لها وعلم بمفاتيحها وأصولها وثوابتها وأركانها.
وأوضح محمد: «لكن إيجاد هذه الحالة من الصراع بين أكبر مؤسستين دينيتين وبهذه الطريقة فإن وراءها مأرب أخرى، أو هي محاولة من إحدى الأطراف صانعة الأزمة لتمرير أشياء معينة؛ مثل منع الأوقاف لغير العاملين لديها من الأزهر من الخطابة بالمساجد إلا بإذن خاص».
هؤلاء أهل للفتوى
وحول من له حق الفتوى، قال عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، الدكتور مختار مرزوق، إن «كل من تخرج في جامعة الأزهر وكليات الشريعة والقانون وأصول الدين والشريعة والدراسات الإسلامية والعربية يصلح للفتوى وإبداء الرأي الديني»، مضيفا وإن «كان يقدم خريج الشريعة وأصول الدين».
الأكاديمي الأزهري، أن «هذا الرأي ليس عاما بلا قيد، والشرط أن يكون المتصدر للفتوى قارئا وفاهما للقضية التي يتكلم فيها، وبالدليل من كتب الفقهاء والفتاوى الحديثة؛ ومن أعظمها لدار الإفتاء المصرية التي صدرت منذ أعوام في 39 مجلدا، بجانب (أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام) للشيخ عطية صقر، وأيضا أئمة الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود، وعبد المجيد سليم، وحسنين مخلوف».
وأكد مرزوق، أن «من اضطلع على هؤلاء بالقضية الواحدة فهو أهل للفتوى سواء كان معينا بالأزهر أو أحد أساتذة جامعتها وكبار علمائها وعلماء وزارة الأوقاف على السواء، ومن افتقد هذا الأمر فلا يصلح للفتوى».
ووضع الأستاذ الأزهري، وصفة عامة للفتوى، قائلا: «أنصح المتصدر للفتوى بالفضائيات والإذاعة ومواقع التواصل؛ إذا كتب فتوى أن يذكر مصدرها ولأي مذهب ينتمي هذا الرأي وبذلك يكون منصف وأدى الأمانة».
وانتقد مرزوق، ما وصفهم بالجهلة الذين يلبسون الزي الأزهري ويتصدرون للفتوى دون علم ويطعنون بأئمة المسلمين كالبخاري، وطالب بضرورة وجود لجنة لمراقبة ما يكتب وينشر وإذا حاد أحد عن الحقيقة وسبب بلبلة فيجب محاسبته عن طريق لجنة حيادية منتقاة من علماء الأزهر المشهود لهم بالأمانة.
المصدر: عربي21