قال ضياء الأسدي مسؤول المكتب السياسي لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إن الأخير وكتلا سياسية أخرى اشترطت على حيدر العبادي الاستقالة من عضوية حزب الدعوة، لترشيحه لشغل منصب رئاسة الوزراء لولاية ثانية.
ويحاول التيار الصدري لعب دور رئيسي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بعد أن تصدر الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 أيار / مايو الماضي، إثر فوزه بـ 54 مقعدا من أصل 329.
ولا تخول هذه الأفضلية التيار الصدري لتشكيل الحكومة بصورة منفردة، بل الدخول في تحالفات مع كتل أخرى على اعتبار أن الحكومة يجب أن تحظى بثقة أغلبية أعضاء البرلمان (165 نائبا).
كما يسعى الصدر لكسر التحالفات التقليدية في البلد، وتشكيل تحالف قادر على المضي بإصلاح أوضاع البلاد بعد حرب طاحنة مع تنظيم “داعش” الإرهابي على مدى ثلاث سنوات (2014 ـ 2017).
إلا أن هذه المهمة لن تكون يسيرة في الغالب وفق ما تكشفه المعطيات.
يقول ضياء الأسدي مدير المكتب السياسي للصدر في مقابلة مع الأناضول، “في العراق التحالفات ليست مبنية على رؤى وبرامج سياسية أو تفاهمات تاريخية كما يحدث في بعض البلدان، بل تكاد تكون تحالفات مصالح، وقد بُنيت العملية السياسية على هذا الأساس”.
ويضيف “نحاول إيجاد نمط جديد من التحالفات ينسجم مع مشروع الإصلاح”، متوقعا أن تتبلور الكتلة الأكبر داخل البرلمان، التي ستكلف بتشكيل الحكومة، قبيل التصديق على نتائج الانتخابات بأيام.
ومنذ الأسبوع الماضي، يشهد العراق إعادة فرز يدوي لأصوات الناخبين في جميع محافظات البلاد (18)، تشمل الصناديق التي بها مزاعم تزوير فقط، ومن المفترض بعدها أن تعلن النتائج وترسل إلى المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية) للتصديق عليها.
ويكشف الأسدي “أن هناك تفاهما بين خمس كتل، هي: سائرون (المدعومة من التيار الصدري)، والنصر (بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي 42 مقعدا)، والفتح (الذي يضم الحشد الشعبي بزعامة هادي العامري 47 مقعدا)، والحكمة (بزعامة عمار الحكيم 19 مقعدا)، والوطنية (بزعامة إياد علاوي 21 مقعدا)”.
وأشار إلى أن “الأيام المقبلة قد تشهد اجتماعا بين الأطراف المذكورة، وقد يفضي إلى تشكيل نواة الكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة”.
ولم يسبق لإياد علاوي، وهو سياسي شيعي ليبرالي ويقود في الغالب قوى سياسية سنية، أن تحالف مع كتل شيعية في الدورات البرلمانية السابقة.
وجرت العادة أن يتحالف الشيعة في كتلة واحدة، وكذلك غالبية السنة والأكراد، قبل أن يجري تقاسم السلطة بينهم وفق النظام المتعارف عليه بـ “المحاصصة”، إذ يتولى الشيعة رئاسة الحكومة، والأكراد رئاسة الجمهورية، والسنة رئاسة البرلمان.
ويقول الصدر إن هذا النظام قاد البلد إلى أعمال العنف واستشراء الفساد.
لكن حتى وإن حسمت الكتل الخمس موقفها بشأن التحالف، فما تزال هناك مسألة مصيرية تتعلق باختيار المرشح لرئاسة الحكومة.
وتشي أغلب المعطيات بأن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يتمتع بحظوظ جيدة لشغل المنصب لدورة جديدة، بشرط إعلان استقلاليته عن حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه نوري المالكي أيضا.
وينقل الأسدي موقف التيار الصدري في هذا الشأن قائلا، “هو (استقالة العبادي من حزب الدعوة) مطلب من مطالب أغلب الكتل السياسية، وكذلك سماحة السيد مقتدى الصدر، بأن يكون من يتسلم هذا المنصب هو رئيس لكل العراق وانتماؤه لكل العراق، ولدينا تجربة تفيد بأن معظم المسؤولين عندما يتولون مسؤولية معينة، فإن ارتباطهم بحزبهم يؤثر على عملهم، ويظهر تأثير الحزب جليا في بعض المفاصل”.
ويشدد الأسدي “في هذه المرحلة الحساسة يحتاج العراق إلى معالجة الكثير من المشاكل، ونحتاج إلى شخصية تتمتع بالاستقلالية والقوة، وتمارس الإدارة بنكران ذات عالٍ، وهذا لن يحصل إلا إذا تمتع المسؤول باستقلالية عن حزبه ومكونه”.
ويبقى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006 ـ 2014) هو الوحيد الذي يقبع بعيدا عن خطط الصدر لتحالفاته المستقبلية لتشكيل الحكومة المقبلة.
ويتهم الصدر المالكي بالمسؤولية عن اجتياح “داعش” لثلث مساحة العراق، واستشراء الفساد والمحسوبية في أرجاء البلاد.
وبشأن إمكانية عودة المياه إلى مجاريها بين التيار الصدري والمالكي، يقول الأسدي “رأي السيد مقتدى الصدر واضح في هذه المسألة، وهو أن يكون المالكي على استعداد لتبرئة ذمته مما حصل خلال سنوات حكمه، أو أن يقدم المقصرين للعدالة، وبخلاف ذلك لن يكون هناك إعادة للموقف معه”.
ولا يخفي الأسدي وجود “تدخلات خارجية” في تشكيل الحكومة العراقية، لكنه يوضح بأنها “الأضعف هذه المرة”، مبينا أنه “في هذه المرحلة لا تستطيع إيران وأمريكا وغيرهما من الدول أن تتدخل بشكل قوي أو جاد في مسار العملية السياسية”.
ويضيف، “قد تكون هناك تحالفات مع أطراف مدعومة من هذه الجهة أو تلك، لكن طالما أنها ستلتزم بالبرنامج الوطني الذي وضعناه للعراق المقبل، وعدم خضوعها لإرادة خارجية فلن نختلف معها”.
ويعرف الصدر بمعاداته للولايات المتحدة الأمريكية، وخاض على رأس فصيل من مقاتلين شيعة معارك ضارية ضد القوات الأمريكية إبان احتلالها للعراق (2003 ـ 2011).
كما يعد الصدر من بين قلة من الزعماء الشيعة غير المقربين لإيران. وسبق أن هتف أنصاره عقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة وسط العاصمة “بغداد حرة حرة.. إيران برا برا”، في إشارة إلى امتعاضهم من نفوذ طهران الواسع في بلد ينخر فيه الفساد منذ سنوات طويلة.
ومنذ إسقاط النظام العراقي السابق عام 2003 على يد القوات الأمريكية وحليفتها البريطانية، تلعب كل من واشنطن وطهران دورا مهما في مفاوضات الكتل السياسية لتشكيل الحكومات العراقية.
ويبدو أن التيار الصدري لم يكتف بتوجيه الانتقادات إلى من يحملون السلاح خارج إطار الدولة من الفصائل الشيعية التي ترتبط أغلبها بإيران، بل بادر إلى المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة منطلقا من فصيله المسلح المعروف باسم “سرايا السلام”، عبر هيكلتها وتجميد معظم نشاطها العسكري.
ويعزو الأسدي ذلك إلى أن “مشروع الصدر يهدف لتحويل السلاح بيد الدولة بشكل تدريجي، واحتفظ (التيار الصدري) بوجود سرايا السلام في كربلاء (جنوب)، وسامراء (شمال)، لأنهما متاخمتان لأماكن قد تشكل خطرا على العراق، وتتواجد فيهما عتبات مقدسة قد تتعرض لهجوم يثير العنف الطائفي من جديد”.
وسامراء هي مدينة ذات أغلبية سنية، لكنها تضم واحدا من أهم العتبات الشيعية المقدسة لدى الشيعة، وهو ضريح الإمامين علي الهادي وحسن العسكري، الذي دمرت قبته ومئذنتاه في تفجيرين عام 2006، وهو ما تلاه موجة من العنف الطائفي في البلاد.
وأضاف أن “السلاح الشخصي سيتم حيازته وفق القوانين، ولن يتم حيازة أي سلاح خارج إطار الدولة”.
إلا أن الأسدي يرى صعوبة في نزع سلاح فصائل “الحشد الشعبي” التي قاتلت إلى جانب القوات العراقية في الحرب ضد تنظيم “داعش” في الوقت الراهن.
ويقول إن “البعض يتذرع بأن القوات العسكرية العراقية بنيت على أساس محاصصي والولاء لشخصيات، لذا نحتاج إلى معالجة هذه الشكوك وتطوير قدرة المؤسسة العسكرية، وبعد ذلك لن يكون هناك أي مبرر لوجود سلاح آخر غير السلاح الرسمي”.
وختم الأسدي حديثه للأناضول بالقول، “يبدو أن القوات الرسمية العسكرية ليست جاهزة بعد وغير قادرة على بسط قوتها في كل مناطق العراق، وإلا كان رئيس الوزراء طلب من كل الفصائل أن تسلم السلاح وتنخرط في المؤسسات العسكرية والمدنية”.
و”الحشد الشعبي” مكون في الغالب من متطوعين وفصائل شيعية مقربة من إيران، قاتلت إلى جانب القوات العراقية خلال الحرب ضد “داعش”.
وبات “الحشد” نظريا جزءا من القوات المسلحة العراقية، بعد أن أقر البرلمان قانونا بذلك في 2017، إلا أن قواته لا تخضع للحكومة على أرض الواقع.