تعدّ دولة إسرائيل حديثة بقدر ما يعتبر التراث اليهودي قديما. بل يمكن أن يقال إن إسرائيل ما تزال تسعى لبناء دولة. كان ذلك هو الحلم الصهيوني، إلا أن النتيجة كانت نظاما تمييزا عنصريا (أبارتيد). فإسرائيل التي أنشئت عبر احتلال فلسطين ما زالت تشتهر بقوانينها العنصرية.
بعد سبعين عاما من تأسيسها، ما تزال إسرائيل غير معترف بها من قبل ما يزيد عن ثلاثين دولة، وها هي اليوم قد دخلت مرحلة جديدة بفضل الشيك على بياض الذي حصلت عليه من إدارة ترامب. ومن خلال استغلال الزلزال الذي صاحب الثورات العربية، وضعت إسرائيل قدميها على درب جديد مدعومة أثناء ذلك سياسيا من قبل الولايات المتحدة ولوجستيا من قبل دول الخليج ومصر.
والمدهش أن الحاضر الغائب في خارطة الطريق هذه هم الفلسطينيون.
الدوس على حقوق الإنسان
لا وجود لإستراتيجية معقدة خلف هذا التبدل في السياسة. فقانون “الدولة القومية اليهودية” الذي مرر الشهر الماضي بهدف إلغاء الوجود الفلسطيني تماما، لم يكتف بشرعنة نظام التمييز العنصري (الأبارتيد)، وإنما أتى كذلك على كل فرص إقامة علاقة متكافئة مع الفلسطينيين.
تستهدف إسرائيل من خلال خريطة الطريق الجديدة هذه محو حقوق ومطالب الفلسطينيين أو تحويلها إلى شيء لا معنى له على الإطلاق. والهدف هو تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية محلية. ولكننا نخطئ إذا افترضنا أنه لا يوجد شيء في هذه الإستراتيجية عدا جنون إسرائيل.
ورغم ما يتسم به العقل اليهودي السياسي والديني من قدم إلا أن المصلحة القومية لإسرائيل تعاني من المبالغة في الطموح ومن قلة التجربة. ولو أن إسرائيل أخذت بالاعتبار التعددية الدينية والثقافية للشرق الأوسط لربما تجنبت الوقوع في هذه الخطيئة الكبرى.
كان ينبغي على إسرائيل أن تلاحظ بأنه لا يوجد دولة واحدة في الشرق الأوسط تمكنت من البقاء على قيد الحياة أو من البقاء قوية بعد ضياع أو تآكل التعددية الثقافية وفرض الهوية الأحادية. لا يوجد دولة واحدة في الشرق الأوسط يتكون شعبها من طائفة واحدة أو من هوية عرقية ودينية واحدة.
هناك الملايين من الترك ومن السنة في إيران، كما أن المملكة العربية السعودية فيها تجمع سكاني شيعي كبير، بينما تتكون البنية الديمغرافية من شعب متعدد الأعراق والأديان والهويات الطائفية، من العرب إلى الكرد، ومن البلقان إلى القوقاز. ويعتبر العراق نموذجا للتعددية في الشرق الأوسط من حيث الأعراق والأديان والطوائف.
باختصار، التعددية عبارة عن ميثاق توافق عليه الإقليم، والكيفية التي تدير بها الدول الناضجة ديمقراطيا ذلك هي التي تحدد وضعها التعايشي الإجمالي.
مصير فلسطين
والسؤال الحقيقي هو لماذا احتاجت إسرائيل إلى شرعنة منظومة التمييز العنصري التابعة لها رغم أنها موجودة في الواقع وتمارس منذ أمد طويل. لم يخلق قانون الدولة القومية، الذي ناله الكثير من النقد حول العالم، وضعا جديدا بالنسبة للفلسطينيين.
في هذه الحالة يعتبر رد الفعل العالمي على ما فعلته إسرائيل ذا معني ولكنه لا يسمن ولا يغني من جوع. كل ما فعلته إسرائيل من خلال هذا القانون هو أنها دونت على الورق تلك الانتهاكات التي ما فتئت تمارسها على مدى عقود ضد الفلسطينيين الرازحين تحت نير الاحتلال. ينبغي على المجتمع الدولي أن ينظر إلى ذلك على أنه مؤشر على خطط إسرائيل المستقبلية فيما يتعلق بمصير فلسطين.
لقد تسربت جزئيا تلك الخطط التي أعدتها إدارة ترامب بالتعاون مع حلفائها في الخليج لفلسطين من غير فلسطينيين، وتعتقد إسرائيل بأن الأحوال السياسية الإقليمية والعالمية باتت لصالحها.
هناك ثلاث ضمانات الرئيسية لهذه المرحلة الجديدة من الإستراتيجية الإسرائيلية، والتي تبلورت من خلال نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وهذه الضمانات هي: عجز ترامب، والانقسامات الداخلية الفلسطينية، واستمرار حالة الفوضى في المنطقة.
لا التشبيه بنظام التمييز العنصري (الأبارتيد) ولا السخط العالمي بإمكانهما وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو عند هذه النقطة. تعتقد إسرائيل بأن التكلفة السياسية لتصرفاتها الراديكالية قد انخفضت – وطالما مارس ترامب ودول الخليج دور الممكنين، فلسوف تستمر هذه السياسات العدائية.
لا يوجد ما يمكن خسارته
إلا أن انتهازية إسرائيل يمكن أن تأتي مصحوبة بتكاليف غير متوقعة. أولا، فيما لو استمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعملية لي الأذرع في كل أرجاء العالم، فقد تدخل الولايات المتحدة مرحلة من العلاقات الدولية بما يحفز على رد فعل “أمريكي أخير” نتيجة لإستراتيجيته التي تعرف باسم “أمريكا أولا”. في مثل هذا السيناريو، يحسن بنتنياهو أن يتحلى بالحكمة وأن يفكر بعمق حول ما ستؤول إليه أوضاع إسرائيل بسبب ذلك.
ثانيا، قد تظن إسرائيل أن أفعالها قد تركت الفلسطينيين في وضع لا يكسبون معه شيئا في أي مناظرة تجري مستقبلا حول وضعهم النهائي. ولكن علينا ألا ننسى أن من لا يوجد أمامه ما يكسبه فإنه لا يوجد لديه ما يخسره. وإسرائيل هي التي تمهد الطريق لانطلاق موجة من العنف.
وأخيرا، هناك الكثير من الأمثلة للتكاليف الباهظة التي ستتكبدها دولة تعلن رسميا عن تبنيها لمنظومة الأبارتيد. كل ما فعله تشريع الدولة القومية في إسرائيل هو تقنين ما يعانيه الفلسطينيون من ممارسات في أرض الواقع كل يوم من أيام حياتهم.
يحق للحكومات الشمولية تهنئة إسرائيل على انضمامها لناديهم الحصري والخاص بهم، ليس فقط من خلال ممارساتها الروتينية، ولكن أيضا من خلال سنها لمثل هذا القانون.
تعدّ دولة إسرائيل حديثة بقدر ما يعتبر التراث اليهودي قديما. بل يمكن أن يقال إن إسرائيل ما تزال تسعى لبناء دولة. كان ذلك هو الحلم الصهيوني، إلا أن النتيجة كانت نظاما تمييزا عنصريا (أبارتيد). فإسرائيل التي أنشئت عبر احتلال فلسطين ما زالت تشتهر بقوانينها العنصرية.
بعد سبعين عاما من تأسيسها، ما تزال إسرائيل غير معترف بها من قبل ما يزيد عن ثلاثين دولة، وها هي اليوم قد دخلت مرحلة جديدة بفضل الشيك على بياض الذي حصلت عليه من إدارة ترامب. ومن خلال استغلال الزلزال الذي صاحب الثورات العربية، وضعت إسرائيل قدميها على درب جديد مدعومة أثناء ذلك سياسيا من قبل الولايات المتحدة ولوجستيا من قبل دول الخليج ومصر.
والمدهش أن الحاضر الغائب في خارطة الطريق هذه هم الفلسطينيون.
الدوس على حقوق الإنسان
لا وجود لإستراتيجية معقدة خلف هذا التبدل في السياسة. فقانون “الدولة القومية اليهودية” الذي مرر الشهر الماضي بهدف إلغاء الوجود الفلسطيني تماما، لم يكتف بشرعنة نظام التمييز العنصري (الأبارتيد)، وإنما أتى كذلك على كل فرص إقامة علاقة متكافئة مع الفلسطينيين.
تستهدف إسرائيل من خلال خريطة الطريق الجديدة هذه محو حقوق ومطالب الفلسطينيين أو تحويلها إلى شيء لا معنى له على الإطلاق. والهدف هو تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية محلية. ولكننا نخطئ إذا افترضنا أنه لا يوجد شيء في هذه الإستراتيجية عدا جنون إسرائيل.
ورغم ما يتسم به العقل اليهودي السياسي والديني من قدم إلا أن المصلحة القومية لإسرائيل تعاني من المبالغة في الطموح ومن قلة التجربة. ولو أن إسرائيل أخذت بالاعتبار التعددية الدينية والثقافية للشرق الأوسط لربما تجنبت الوقوع في هذه الخطيئة الكبرى.
كان ينبغي على إسرائيل أن تلاحظ بأنه لا يوجد دولة واحدة في الشرق الأوسط تمكنت من البقاء على قيد الحياة أو من البقاء قوية بعد ضياع أو تآكل التعددية الثقافية وفرض الهوية الأحادية. لا يوجد دولة واحدة في الشرق الأوسط يتكون شعبها من طائفة واحدة أو من هوية عرقية ودينية واحدة.
هناك الملايين من الترك ومن السنة في إيران، كما أن المملكة العربية السعودية فيها تجمع سكاني شيعي كبير، بينما تتكون البنية الديمغرافية من شعب متعدد الأعراق والأديان والهويات الطائفية، من العرب إلى الكرد، ومن البلقان إلى القوقاز. ويعتبر العراق نموذجا للتعددية في الشرق الأوسط من حيث الأعراق والأديان والطوائف.
باختصار، التعددية عبارة عن ميثاق توافق عليه الإقليم، والكيفية التي تدير بها الدول الناضجة ديمقراطيا ذلك هي التي تحدد وضعها التعايشي الإجمالي.
مصير فلسطين
والسؤال الحقيقي هو لماذا احتاجت إسرائيل إلى شرعنة منظومة التمييز العنصري التابعة لها رغم أنها موجودة في الواقع وتمارس منذ أمد طويل. لم يخلق قانون الدولة القومية، الذي ناله الكثير من النقد حول العالم، وضعا جديدا بالنسبة للفلسطينيين.
في هذه الحالة يعتبر رد الفعل العالمي على ما فعلته إسرائيل ذا معني ولكنه لا يسمن ولا يغني من جوع. كل ما فعلته إسرائيل من خلال هذا القانون هو أنها دونت على الورق تلك الانتهاكات التي ما فتئت تمارسها على مدى عقود ضد الفلسطينيين الرازحين تحت نير الاحتلال. ينبغي على المجتمع الدولي أن ينظر إلى ذلك على أنه مؤشر على خطط إسرائيل المستقبلية فيما يتعلق بمصير فلسطين.
لقد تسربت جزئيا تلك الخطط التي أعدتها إدارة ترامب بالتعاون مع حلفائها في الخليج لفلسطين من غير فلسطينيين، وتعتقد إسرائيل بأن الأحوال السياسية الإقليمية والعالمية باتت لصالحها.
هناك ثلاث ضمانات الرئيسية لهذه المرحلة الجديدة من الإستراتيجية الإسرائيلية، والتي تبلورت من خلال نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وهذه الضمانات هي: عجز ترامب، والانقسامات الداخلية الفلسطينية، واستمرار حالة الفوضى في المنطقة.
لا التشبيه بنظام التمييز العنصري (الأبارتيد) ولا السخط العالمي بإمكانهما وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو عند هذه النقطة. تعتقد إسرائيل بأن التكلفة السياسية لتصرفاتها الراديكالية قد انخفضت – وطالما مارس ترامب ودول الخليج دور الممكنين، فلسوف تستمر هذه السياسات العدائية.
لا يوجد ما يمكن خسارته
إلا أن انتهازية إسرائيل يمكن أن تأتي مصحوبة بتكاليف غير متوقعة. أولا، فيما لو استمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعملية لي الأذرع في كل أرجاء العالم، فقد تدخل الولايات المتحدة مرحلة من العلاقات الدولية بما يحفز على رد فعل “أمريكي أخير” نتيجة لإستراتيجيته التي تعرف باسم “أمريكا أولا”. في مثل هذا السيناريو، يحسن بنتنياهو أن يتحلى بالحكمة وأن يفكر بعمق حول ما ستؤول إليه أوضاع إسرائيل بسبب ذلك.
ثانيا، قد تظن إسرائيل أن أفعالها قد تركت الفلسطينيين في وضع لا يكسبون معه شيئا في أي مناظرة تجري مستقبلا حول وضعهم النهائي. ولكن علينا ألا ننسى أن من لا يوجد أمامه ما يكسبه فإنه لا يوجد لديه ما يخسره. وإسرائيل هي التي تمهد الطريق لانطلاق موجة من العنف.
وأخيرا، هناك الكثير من الأمثلة للتكاليف الباهظة التي ستتكبدها دولة تعلن رسميا عن تبنيها لمنظومة الأبارتيد. كل ما فعله تشريع الدولة القومية في إسرائيل هو تقنين ما يعانيه الفلسطينيون من ممارسات في أرض الواقع كل يوم من أيام حياتهم.
يحق للحكومات الشمولية تهنئة إسرائيل على انضمامها لناديهم الحصري والخاص بهم، ليس فقط من خلال ممارساتها الروتينية، ولكن أيضا من خلال سنها لمثل هذا القانون.
طه أوزهان – عربي21