3 أخطاء قاتلة قبرت مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لاحتواء احتجاجات «السترات الصفراء» التي تهز بلاده منذ أسابيع.
السياسة الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة على نهج «نيوليبرالي» لا يتماشى مع طبيعة البلاد، تجاهل الغضب الفرنسي في بداياته، حين كانت مطالب المحتجين تقتصر فقط على إلغاء زيادة أسعار الوقود، ثم العنف المفرط المستخدم ضد المتظاهرين.
ثلاثية أسقطت ماكرون في أول اختبارات الحكم التي تواجهه منذ وصوله الإليزيه قبل أقل من عامين، وجعلت من خطابه الأخير المشحون بالأخطاء الاتصالية، وبارتباك نضحت به ملامح الرئيس وحركاته، مقبرة لشعبيته ومصداقيته.
سقوط مدوّ عرى فشل السياسات المعتمدة على جميع الأصعدة، وكشف خيبة أمل الفرنسيين في رئيس لم يصغ إلى مطالبهم إلا تحت ضغط الشارع، في حركة متأخرة فاقمت من «الغضب الأصفر»، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام أزمة اجتماعية خانقة.
في بلد تعودّ على نظام الرعاية الاجتماعية مثل فرنسا، تبدو فكرة تطبيق وصفة «نيوليبرالية» قائمة على تأييد الرأسمالية المطلقة، غير متجانسة بالمرة مع الواقع والأعراف الاجتماعية والاقتصادية المحلية.
مراقبون رأوا أن ماكرون ارتكب سلسلة من الأخطاء منذ يومه الأول بالرئاسة، حيث اتضح أن عرضه بتخفيض الضرائب المفروضة على أثرياء البلاد، وإصراره على إلغاء الضرائب المفروضة على الثروات، ليست سوى أخطاء استراتيجية.
قرارات أسفرت عن أزمتين: الأولى اجتماعية، حيث أجج الحقد الطبقي، لأن ابن الطبقات الفقيرة والمتوسطة لن يمكنه استيعاب الهدف من إلغاء الضريبة التصاعدية على الأغنياء، فيما يتم فرض ضرائب على آخرين دون التفكير حتى في رفع الحد الأدنى للأجور.
الأزمة الثانية تمثلت في حصول فجوة في ميزانية فرنسا لعام 2018، بمقدار 10.5 مليار دولار، ما يشكل نحو 39 % من إجمالي الضرائب التي تم تحصيلها عام 2017.
كما جرى إقرار إضافات بسيطة لا تستحق الذكر، على رواتب الطبقة ذات الدخل المنخفض، لترتفع بمعدل 6 % فقط، فيما زادت ثروات ذوي الدخل المرتفع، بالسنوات الـ15 الأخيرة، بمعدل 134 %.
سياسات خاطئة كان لابد وأن تقود نحو انفجار اجتماعي، وهذا ما جعل ماكرون يخسر حربه في سبيل كسب الرأي العام.
** تجاهل الاحتجاجات
هو الخطأ الفادح الثاني الذي ارتكبه ماكرون، حيث استخف، في بداية الاحتجاجات، بحركة «السترات الصفراء»، وأعلن وزير البيئة، فرانسوا دو روجي، حاسما بأن الحكومة لن تتراجع عن الزيادة المقررة في أسعار الوقود.
** العنف المفرط
الخطأ الجسيم الثالث الذي ارتكبته حكومة ماكرون، هو اللجوء إلى استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في بداية الاحتجاجات، حيث كان المسؤولون الفرنسيون يسعون لإظهار المحتجين على أنهم عصابات تثير الفوضى بالمدن.
سعت قوات الأمن، من خلال استخدام العربات المدرعة وأساليب العنف المفرط، لإخافة المتظاهرين وخلق جو من الرعب النفسي، إلا أن هذه المحاولات فشلت وخلّفت أثرا عكسيا في الشارع.
فمشاهد الطلاب الفرنسيين وهم جاثون على ركبهم، وأياديهم خلف رقابهم تحت أنظار قوات الأمن المدججة بالعتاد الحربي، وانتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلفت غضبا واستياء واسعين.
ودفعت هذه المشاهد بالكثير من السياسيين الفرنسيين إلى انتقاد أساليب العنف المفرط تجاه المتظاهرين.
ومن جانب آخر، وجد أصحاب القرار في فرنسا أنفسهم أمام موجة انتقادات حادة على المستوى الدولي في مجال حقوق الإنسان، بعدما كانوا سابقا يستغلون كل فرصة حول العالم لإعطاء الدول دروسا في حقوق الإنسان.
** «رجل الحوار والحوافز»؟
الاثنين الماضي، اتخذ ماكرون قرار مخاطبة شعبه عبر التلفاز، في محاولة منه لتصوير نفسه على أنه «رجل الحوار»، لكنه في النهاية سيُجبر على الجلوس على طاولة المفاوضات، والتقدم بتنازلات كبيرة.
وفيما يخص الخطوط العريضة لخطابه، بدا بالكاشف أنه يسعى للحفاظ على الإصلاحات بعيدة الأمد، من خلال تقديم جملة من المقترحات الغامضة.
كما أن ماكرون لا يميل للتخلي عن تطبيق جملة من الإصلاحات الأخرى مثل إلغاء ضريبة الثروات، والإصلاحات في مجال التأمينات الصحية ورواتب المتقاعدين.
وأعلن ماكرون 4 تدابير رئيسية، أولها، رفع الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو، مع العلم أنه كان من المزمع إجراء هذه الخطوة عامي (2020-2021)، وعليه، فإن هذا الأمر ليس سوى تسريع لاتخاذ هذه الخطوة.
وثانيها، إعفاء ساعات العمل الإضافية من الضرائب، وهذا الإجراء كان نافذا في الفترة ما بين عامي 2007 و2012، وعلاوة عن ذلك، فإن العاملين في القطاع الخاص فقط يعملون أكثر من 40 ساعة، وهذا يعني أن هذه الخطوة ستساهم في تحسين القوة الشرائية لشريحة قليلة من المجتمع.
وثالثا، يمكن لأرباب العمل تقديم مكافآت نقدية بشكل استثنائي للعاملين لديهم، من دون أن تخضع للضرائب، لكن هذه الخطوة محدودة بالشركات التي ترغب بتقديم هذه المكافآت بشكل طوعي.
وأخيرا، الخطوة التي سيتم اتخاذها بشأن رواتب المتقاعدين، وهي إلغاء الضرائب الإضافية المفروضة على المتقاعدين الذين تتراوح رواتبهم بين 1200 و2000 يورو.
باختصار، يمكن القول بأن استراتيجية ماكرون، بناء على خطابه، تتضمن 3 طبقات، وهي: تقديم بعض الخطوات التحفيزية المحدودة بهدف تهدئة المتظاهرين، وتخليص الشركات الكبرى من الأعباء المالية، وإظهار نفسه على أنه «رجل الحوار»، من خلال عقده لقاءات مع كافة رؤساء البلديات في البلاد.