بين مقاطع ومتراجع ومتذبذب ومطبع، تتباين السياسات الرسمية للدول العربية تجاه نظام بشار الأسد، بعد نحو ثماني سنوات من اندلاع الثورة السورية.
بحسب المواقف الراهنة، تقف قطر في خانة المقاطعة التامة، فيما تراجع السودان جذريًا، بزيارة رئيسه عمر البشير، لدمشق مؤخرا، ولقاء الأسد.
وتمتلك كل من الجزائر والعراق وفلسطين علاقات رسمية طبيعية مع نظام الأسد، ولم يتأثر الوضع باندلاع الثورة في مارس 2011.
في المنتصف تقف أغلب الدول العربية، وأبرزها: مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، لبنان، سلطنة عمان، وتونس والمغرب.
مواقف هذه الدول الأخيرة، متذبذبة، إذ لم تستمر في مواقفها السابقة المعلنة بتجميد العلاقات، أو إدانة نظام الأسد، أو رفض استمراره.
كما لم تمض تلك الدول في خطوات التطبيع، لأسباب مرتبطة بانقسام داخلي أو تنسيق أمني محلي أو إقليمي أو دبلوماسي، أو تحركات برلمانية أو حزبية مناصرة لتوجه الأسد.
على مستوى المنظمات العربية يبقى الموقف ثابتًا، إذ جمدت جامعة الدول العربية، في نوفمبر 2011، مقعد سوريا، رفضًا للجوء الأسد إلى المقاربة العسكرية لإخماد الاحتجاجات الشعبية المناهضة له.
كما قرر مجلس التعاون الخليجي، في مارس من العام التالي، سحب السفراء، وقررت منظمة التعاون الإسلامي، في العام ذاته، تجميد مقعد سوريا.
في 11 ديسمبر 2018، وقبل نحو ثلاثة أشهر من انعقاد القمة العربية المقبلة، دعا البرلمان العربي الجامعة إلى إعادة سوريا إلى مقعدها الشاغر.
وقال الأمين العام المساعد للجامعة، السفير حسام زكي، في تصريحات صحفية، يوم 24 من الشهر ذاته، إنه «لا تغيير في موقفنا من عضوية سوريا وتجميد مقعدها حتى الآن، ولم ننسق مع السودان زيارة الرئيس البشير لدمشق».
إجمالًا، ثمة أربع أوجه لمواقف الدول العربية من نظام الأسد، وهي، كالتالي:
أولًا: مقاطع
1- قطر
التزمت الدوحة بالمقاطعة، ودعم مسارات الثورة السورية، وهي الدولة الوحيدة التي تستضيف سفيرًا للائتلاف السوري المعارض.
ثانيًا: متراجع
1- السودان
خلال ديسمبر 2018، التقى البشير مع الأسد، كأول رئيس عربي يزور سوريا منذ 2011.
هذه الزيارة مثلت تراجعًا جذريًا عن موقف الخرطوم، إذ صرح البشير، في 2016، لصحيفة «عكاظ» السعودية بأن «بشار الأسد لن يرحل، وإنما سيُقتل».
ثالثًا: متذبذب
1- المغرب
يتراوح موقف الرباط بين الحياد تارة، والتنديد بنظام الأسد تارة أخرى، وهي تركز بشكل كبير على الجانب الإنساني والمتابعة الأمنية.
2- مصر
قطعت العلاقات الدبلوماسية، في يونيو 2013 أيام محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، وبعد شهر تم الاتفاق على فتح منفذ قنصلي لخدمة رعايا الدولتين.
ومن آن إلى آخر، لا سيما في عامي 2017 و2018، تثار دعوات برلمانية وحزبية إلى إعادة العلاقات مع نظام الأسد.
ومنذ وصول، عبد الفتاح السيسي، للحكم صيف 2014، تتحدث القاهرة عن أهمية إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وعدم المساس بالجيش الوطني.
وأنجزت القاهرة اتفاقات تهدئة في الداخل السوري بالتنسيق مع روسيا (الداعمة للأسد)، عام 2017، وسط تطلع للمشاركة في إعادة إعمار سوريا.
في 23 ديسمبر 2018، كشفت القاهرة عن لقاء جمع رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، واللواء علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني بالنظام السوري، حيث بحثا قضايا أمنية وسياسية وسبل مكافحة الإرهاب.
3- السعودية
في 2012 قررت الرياض، ضمن قرار عربي وخليجي، إغلاق سفارتها في دمشق وطرد السفير السوري.
دعمت المملكة الجيش السوري الحر، وأعلنت مرارًا رفضها بقاء الأسد في السلطة، قبل أن تصمت عن هذا المطلب في العامين الأخيرين، وتتحدث عن ضرورة إنجاز تسوية سياسية.
4- البحرين
سحبت المنامة سفيرها من سوريا، في 2012.
التقى وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد، في أواخر سبتمبر 2018، نظيره التابع للنظام السوري، وليد المعلم، في لقاء هو الأول من نوعه منذ انطلاق الثورة السورية.
5- الإمارات
تلتزم أبوظبي بقرار 2012، وتقف علنًا على مسافة قريبة من مواقف السعودية في الشأن السوري.
لكن ترددت أنباء، في نوفمبر 2018، عن توجه الإمارات إلى إعادة فتح سفارتها في سوريا، وهو ما لم تعلق عليه أبو ظبي حتى الآن.
6- سلطنة عمان
علنًا تلتزم مسقط بقرار المقاطعة.
لكن طيلة السنوات الماضية كانت ثمة علاقات مع نظام الأسد، من أبرز مظاهرها زيارة وليد المعلم لسلطنة عمان، مارس 2018، حيث شارك في افتتاح المبنى الجديد للسفارة السورية، وأشاد بموقف مسقط.
7- الكويت
تلتزم علنًا بقرار 2012، ونفت، في نوفمبر 2018، صحة أنباء ترددت عن إعادة فتح السفارة الكويتية في دمشق.
زار رئيس تحرير صحيفة «الشاهد» (خاصة)، الشيخ صباح المحمد الصباح، أحد أفراد الأسرة الحاكمة، دمشق، والتقى الأسد، ونشر ما دار بينهما في صحيفته.
استضافت الكويت المؤتمرين الثاني والثالث للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوریا، عامي 2014 و2015، وشاركت في رئاسة المؤتمر الرابع في لندن، عام 2016.
8- تونس
في فبراير 2012، قررت تونس طرد السفير السوري، وعدم الاعتراف بنظام الأسد.
ومن آن إلى آخر يتم تقديم تشريعات برلمانية أو تزور شخصيات سياسية تونسية دمشق، في ظل مطالبات بإعادة العلاقات بين البلدين.
9- لبنان
في 8 أبريل 2018، دعا الرئيس اللبناني، ميشال عون، إلى التعامل مع الأسد.
ويؤيد «حزب الله» وحركة «أمل» (الشيعيان) موقف عون، بينما يتحفظ عليه كل من رئيس الحكومة المكلف، زعيم تيار «المستقبل» (سني)، سعد الحريري، المقرب من النظام السعودي، وحزب «القوات اللبنانية»، و«الحزب التقدمي الاشتراكي».
10 – الأردن
طرد الأردن سفير سوريا، في مايو 2014.
وفي منتصف أكتوبر 2018، تم فتح المعبر الحدودي الحيوي جابر- نصيب بين البلدين، وسط أحاديث رسمية أردنية تتطلع إلى تطوير العلاقات.
11- موريتانيا
ما تزال نواكشوط ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع النظام السوري وإن كانت محدودة.
12- اليمن
في 2011، استقال سفير اليمن في سوريا، عبد الوهاب طواف، من منصبه، ولم يتم تعيين بديل له.
بينما عينت إدارة جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، غير المعترف بها والمدعومة من إيران، عام 2015، ممثلًا لهم للتعامل مع نظام الأسد.
لا يكاد يخرج الموقف الرسمي اليمني، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، عن موقف الجارة السعودية، التي تقود، منذ عام 2015، تحالفًا عسكريًا عربيًا يدعم القوات الحكومية اليمنية في مواجهة الحوثيين.
رابعًا: مطبع
1- الجزائر
رفضت الجزائر قرار تجميد مقعد سوريا، ويتبادل مسؤولون من البلدين الزيارات الرسمية.
2- فلسطين
لم تقطع العلاقات، وأرسلت موفدين إلى نظام الأسد، طيلة السنوات الماضية، لبحث العلاقات الثنائية، وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين.
ويقول نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني، للأناضول، إن الموقف الفلسطيني قائم على الاحتفاظ بعلاقات إيجابية مع النظام ومع كل الأطراف السورية المدنية.
3- العراق
ترتبط بغداد مع نظام الأسد بعلاقات وتحالفات أمنية وعسكرية ولم تتوقف الزيارات المتبادلة، منذ انطلاق ثورة 2011.
دعت بغداد أكثر من مرة إلى إنهاء تجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية، وتنسق مع دمشق في هجمات ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
خامساً: غير واضح
إضافة إلى الدول السابقة تبقى دول ليبيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر مواقفها من نظام الأسد غير واضحة، ويعود ذلك إلى أنها إما تعاني من الانقسام السياسي أو الفوضى أو عدم إيلاء اهمية كبيرة لإقامة علاقات ديبلوماسية وسياسية وطيدة مع باقي الدول.
** لا استراتيجية موحدة
يرجح محللون سياسيون من دول عربية، إلى استمرار العواصم العربية على مواقفها من نظام الأسد، مع احتمال حدوث انقلاب في تلك المواقف متى دعت الحاجة أو أوضاع المنطقة قربًا أو بعدًا عن ذلك النظام.
ويقول المحلل المصري، مختار غباشي، إنه لا يرى في الأفق موقفًا عربيًا موحدًا من نظام الأسد، ويتوقع إمكانية حضور هذا النظام القمة العربية المقبلة، في ظل المواقف الملتبسة عربيًا، وعدم وجود استراتيجية موحدة.
فيما يذهب الكاتب الكويتي، فخري رجب، إلى أن الكويت ستعيد علاقاتها مع دمشق، بينما سيواصل المغرب التزام الحياد، بحسب الأكاديمي المغربي، خالد يايموت، وتستمر الجزائر في موقفها الراهن، وفقًا للمحلل الجزائري، عبد السلام سكية.
بينما ستزداد العلاقة الوثيقة بين بغداد ودمشق، بحسب المحلل العراقي، واثق الهاشمي، في مقابل صعوبة في التكهن بمستقبل العلاقات بين الخرطوم ودمشق، وارتباطها بالرياح السياسة في المنطقة، وفقًا للمحلل السوداني، أنور سليمان.
بينما يرى المحلل اللبناني، فيصل عبد الساتر، القريب من «حزب الله»، أن «التطبيع مع سوريا استحقاق لا بد أنه قادم».
ويذهب المحلل الفلسطيني، هاني المصري، إلى أن فلسطين ستطور علاقاتها مع النظام السوري من أجل اللاجئين الفلسطينيين والحصول على الدعم السوري.
ويشدد المحلل السياسي الأردني، عامر السبايلة، على ضرورة أن يضع الأردن خارطة طريق لإعادة ترتيب العلاقات مع سوريا، بهدف تحقيق استفادة فعلية من عملية إعادة الأعمار، ومن الواقع الذي يتشكل في المنطقة.
وفي 11 ديسمبر 2018، وقبل نحو 3 أشهر من انعقاد القمة العربية، دعا البرلمان العربي الجامعة بإعادة سوريا لمقعدها الشاغر، بخلاف زيارة البشير لسوريا، التي كانت أول زيارة لرئيس عربي إلى سوريا منذ اندلاع الثورة في 2011.
لكن السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، صرح أنه لا يوجد توافق حول عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، والمجمد منذ 2011.
وقال زكي، في مؤتمر صحفي عقده بالقاهرة لاستعراض أنشطة الجامعة العربية خلال 2018، إن المعطيات التي لدينا لا توحي بوجود تغيير في موضوع سوريا من حيث تجميد أنشطتها في الجامعة العربية، وإعادة عضويتها يحتاج لتوافق كافة الأعضاء.