نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا مشتركا لكل من ديكلان وولش وديفيد كيرباتريك، تحت عنوان «مات محمد مرسي أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية»، يتحدثان فيه عن ظروف وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي انهار بعد إلقاء كلمة له أمام المحكمة، بعد ستة أعوام من إطاحة الجيش به في ظروف صاخبة دفعت مصر مرة ثانية للحكم الاستبدادي.
ويشير التقرير، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن السلطات المصرية لم تقدم سببا لوفاته، لكن نقادها ألقوا باللوم عليها نتيجة للظروف السيئة التي عاشها في السجن، حيث قضى مرسي السنوات الست الماضية، وقالوا إن السلطات حرمته من الأدوية الضرورية لمرض السكري وضغط الدم ومرض الكبد، واحتجزته في زنزانة انفرادية لمدة طويلة، وتجاهلت التحذيرات من خطورة غياب العناية الطبية، الأمر الذي قد يكون قاتلا.
وينقل الكاتبان عن المديرة التنفيذية لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» سارة لي ويتسون، قولها: «أعتقد أن هناك حالة قوية يجب طرحها، تتمثل بإهمال إجرامي، وتقصير متعمد في توفير الحقوق الأساسية لمرسي.. تم استهدافه بسوء المعاملة».
وتجد الصحيفة أن وفاته تعد علامة كئيبة في المرحلة الانتقالية سيئة الحظ في مصر بعد الربيع العربي عام 2011، مشيرة إلى أن مرسي كان في سن الـ67 عاما عند وفاته، وهو أول رئيس ينتخب في انتخابات حرة في عام 2012، بصفته زعيما بارزا في جماعة الإخوان المسلمين، لكنه عزل بعد عام من منصبه في انقلاب عسكري.
ويلفت التقرير إلى أن مرسي واجه منذ ذلك الحين سلسلة من الاتهامات، منها الإرهاب والتجسس، وقضية اقتحام السجون، في محاكمات ترى منظمات حقوق الإنسان أنها معيبة للغاية، ودون إجراءات قانونية سليمة، مشيرا إلى انه كان في المحكمة في قضية تعرف بالتخابر مع حركة حماس عندما سقط مغشيا عليه ومات، كما قال النائب العام المصري في بيان له يوم الاثنين.
ويفيد الكاتبان بأن مرسي تحدث لمدة خمس دقائق من صندوق زجاجي، حيث يتم وضع السجناء فيه قبل أن تعلق الجلسة، وبعد ذلك سقط مرسي ونقل إلى المستشفى حيث أعلنت وفاته في حال وصوله، مشيرين إلى أن مرسي أكد في آخر كلماته أنه الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد، بحسب ما قال محاموه لوكالة أنباء «أسوشيتد برس».
وتقول الصحيفة إن مرسي هو أول رئيس منتخب في التاريخ العربي وأول إسلامي يحتل المنصب، الذي انتخب في 17 يونيو 2012، أي قبل سبعة أعوام من يوم وفاته، وكان انتخابه ذروة الربيع العربي وإنجازا كبيرا لجماعة الإخوان المسلمين، التي أنشئت قبل 91 عاما في مصر، والتي توسع تأثيرها في أنحاء العالم العربي كله.
ويفيد التقرير بأنه بالنسبة للكثير من المصريين، فإن مرسي كان أملهم العظيم لإخراج البلاد من تاريخها الديكتاتوري الطويل، وبعد سنوات من الحكم القاسي والفاسد لحسني مبارك، الذي أطيح به في عام 2011، لافتا إلى أن بعض المصريين كانوا قلقين من تطبيقه للشريعة، فيما حذر النقاد في واشنطن والمنطقة من محاولته إقامة حكم ديني.
ويذكر الكاتبان أن مرسي فاجأ الجميع عندما حاول بناء علاقات ودية مع الولايات المتحدة، وحافظ على العلاقات مع إسرائيل، وأقام علاقة عمل دافئة مع باراك أوباما، وعمل الرجلان معا على وقف القتال بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في خريف عام 2012.
وتستدرك الصحيفة بأن حكم مرسي في الداخل عانى من مشكلات منذ البداية، مشيرة إلى أنه حكم بطريقة غير مرتبة، وأصدر ذات مرة أمرا رئاسيا قال النقاد إنه وضعه فوق سيادة القانون، فيما قال أنصاره إن الأمر كان محاولة لمواجهة المؤسسة الأمنية التي عملت على تقويض سلطاته.
وينوه التقرير إلى أن المحتجين تجمعوا في بداية صيف عام 2013 في ساحة التحرير، التي كانت بوتقة التظاهرات في عام 2011، ما منح الجيش المبرر لتنحيته، وسيطر وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي على السلطة في يوليو 2013، وبعد ستة أسابيع فتحت قوات الأمن النار على المعتصمين في ميدان رابعة، وقتلت 817 محتجا من أنصاره، فيما وصف بأنه أكبر مذبحة جماعية في التاريخ الحديث.
وتقول الصحيفة إن السيسي انتخب رئيسا في عام 2014، ولا يزال يحكم البلد بيد حديدية، وقضى على آمال الديمقراطية في مصر، ونظم استفتاء في أبريل يسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2030، وتم تمريره بأغلبية في عملية لم تسمح لأي صوت من المعارضة.
من الميدان إلى الرئاسة ثم عزله وأخيرا وفاته..نهاية درامية تليق بمسيرة نضالية لرئيس مصر الراحل #محمد_مرسي
Publiée par شبكة رصد sur Lundi 17 juin 2019
ويشير التقرير إلى أن التلفاز المصري، الذي تسيطر عليه الدولة بشكل كبير، أعلن عن وفاة مرسي بطريقة مبهمة، فيما لم تقطع بعض القنوات برامجها المعتادة للإبلاغ عن وفاة الرئيس السابق، لافتا إلى أن قنوات أخرى لم تكتف بالإعلان، بل بثت لقطات تصور حركة الإخوان المسلمين بالمنظمة الإرهابية، فقالت محطة «بي سي سي إكسترا»: «الأكاذيب هي جزء لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين»، وذلك بعد بث لقطات أظهرت مقاتلي تنظيم الدولة وهم يهددون بضرب مصر.
ويذكر الكاتبان قلة من المصريين كانوا راغبين في الحديث بشكل متعاطف عن الرئيس الراحل، وتجنبوا السياسة، وركزوا على ظروف السجن التي عاشها، فقال المحامي والناشط في مجال في حقوق الإنسان كمال عيد، في اتصال هاتفي من القاهرة: «كان ضحية ظروف السجن القاسية».
وتلفت الصحيفة إلى أنه حكم على مرسي بعدة أحكام في جرائم عدة في محاكمات سياسية تمت في النظام القضائي المصري البطيء، مشيرة إلى أن ابنه عبد الله قد أخبر «نيويورك تايمز» عام 2016 أن العائلة تخشى من تعرض الرئيس السابق لحالة غيبوبة بسبب مرض السكري.
ويكشف التقرير عن أن مرسي، على خلاف السجناء في السجون المصرية، حرم من تلقي طعام أو دواء من عائلته، كما قالت ويتسون من «هيومان رايتس ووتش»، وبالإضافة إلى اعتقاله الانفرادي فإنه قد منع من مشاهدة الأخبار وتلقي الرسائل، ومن أي وسيلة تواصل مع العالم الخارجي، ولم يسمح لزوجته وأبنائه بزيارته سوى ثلاث مرات منذ اعتقاله قبل ستة أعوام.
وينوه الكاتبان إلى أن لجنة من السياسيين والمحامين البريطانيين قامت في مارس بمراجعة ظروف اعتقاله، وتوصلت إلى نتيجة تفيد بأن مرسي «لا يتلقى العناية الطبية، أو مراقبة جيدة لمرض السكري والكبد الذي يعاني منهما»، وحذرت اللجنة من أن الفشل في التعامل مع وضعه قد يعرض حياته للخطر، وقال عضو البرلمان البريطاني كريسبن بلانت، وهو عضو اللجنة التي قادت المراجعة في بيان له: «للأسف، ثبتت صحة ما قلناه».
وتورد الصحيفة نقلا عن النائب المصري العام نبيل صادق، قوله إنه طلب تحقيقا فوريا في الوفاة، وأضاف في بيانه أنه طلب ملف مرسي الطبي ولجنة لتحضير تقرير عن أسباب وفاته، مشيرة إلى أن التحقيق سيقوم بمراجعة لقطات من كاميرات المراقبة في المحكمة، وشهادات من الأشخاص الذين كانوا معه عندما مات، بحسب ما جاء في البيان.
ويفيد التقرير بأن السيسي حاول بعد الإطاحة بمرسي سحق جماعة الإخوان، وصنفها بالإرهابية، ولم يوفر أي جهد لتشويه سمعتها بين المصريين، وسجن معظم قادة الجماعة، فيما يعيش آخرون في المنفى، وهناك آلاف من عناصرها قابعون في سجون مصر المزدحمة، وفي أبريل تم دفع الرئيس دونالد ترامب لتنصيف الحركة جماعة إرهابية، وذلك بضغط من السيسي وحلفائه، واعترضت وزارتا الدفاع والخارجية، قائلتين إن الحركة لا ينطبق عليها تعريف الكيان الإرهابي.
ويشير الكاتبان إلى أن مرسي ولد في عائلة ذات إمكانيات متواضعة في محافظة الشرقية على دلتا النيل، وحصل على الدكتوراة من جامعة ساوثرن كاليفورنيا، ودرس لاحقا في جامعة الزقازيق قرب الشرقية، ولم يكن معروفا للمصريين ولا للإسلاميين عندما رشح للرئاسة في عام 2012، واختار الإخوان في المرة الأولى شخصية دينامية لكن مرسي جاء بعد عدم تأهل الخيار الأول.
وتقول الصحيفة إن بعض الإخوان الذي تحدثوا بشكل خاص لاموا مرسي على إخفاقه في بناء تحالف واسع في أثناء حكمه لمواجهة مناورات الأجهزة الأمنية، لافتة إلى أن مرسي لم يقد الإخوان المسلمين أبدا، فقد احتل محمد بديع منصب المرشد منذ عام 2010 المعتقل منذ عام 2013 وحكم عليه بسبعة مؤبدات والإعدام.
ويجد التقرير أن وفاة محمد مرسي لن تترك أثرا كبيرا على مسار الحركة الحالي، التي أجبرت للعمل بشكل سري بسبب القمع الذي مورس عليها منذ الإطاحة به.
وتختم «نيويورك تايمز» تقريرها بالإشارة إلى قول المحاضر في جامعة جورج ميسون، بيتر ماندافيل، الذي عمل مستشارا سابقا للخارجية في شؤون الإسلام السياسي، إن وفاة مرسي يتردد صداها أبعد من الإخوان إلى المصريين الذين صوتوا له، و«لديهم مظاهر قلق بشأن سجل الحكومة الحالي في حقوق الإنسان».