نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” مقالا للزميل في معهد العلاقات الخارجية الأمريكية ستيفن كوك، تحت عنوان “لم تعد مصر مهمة أبدا”، يقول فيه إن وفاة الرئيس السابق محمد مرسي هي أحدث علامة على طريق عدم أهمية مصر الدائمة.
ويقول كوك في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إن “الأخبار خرجت في هذا الأسبوع تتحدث عن وفاة محمد مرسي في قاعة المحكمة، وبالنسبة للبعض فهو بطل شهيد، وللبعض الآخر فقد كان تجسيدا للشر، لكنه لم يكن أيا منهما، فقد كان عضوا قاد كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان في الفترة الأخيرة من حكم حسني مبارك”.
ويضيف الكاتب أنه “لو لم يمنع نائب المرشد العام، خيرت الشاطر، من الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2012، لكان القليل من الناس سمعوا بمرسي، فليست له إنجازات، مع أنه من العدل القول إنه كان يواجه معارضين أقوى منه، ولم يكن حكيما، ولم يلتزم بالديمقراطية إلا بالشكل غير الليبرالي، وكان يتعامل معها على أنها حكم الأغلبية، ويمثل حكمه القصير ووفاته، على ما يبدو بنوبة قلبية، وضع مصر البائس والفقير على المسرح الدولي”.
ويقول كوك: “سواء كان جيدا أم سيئا فقد كان جمال عبد الناصر رمزا بطوليا، وهو الضابط الذي سيطر على مصر من البريطانيين، وفي عمل شجاع أمم قناة السويس لصالح المصريين، وكان عمله نتاج كفاح دام قرنا من الزمان لتحقيق الكرامة، أما خليفته أنور السادات فقد كان بطلا بطريقة أخرى، فهو الذي أشرف على عبور القناة الأسطوري في حرب أكتوبر 1973، لكنه لم يهزم القوات الإسرائيلية، وبعد أربعة أعوام وقف في الكنيست الإسرائيلي ينصح مضيفيه ويطلب السلام منهم”.
ويشير الكاتب إلى أن “مبارك لم يكن بطلا، إلا أنه كان قائدا محترما في سلاح الجو من جيل حرب عام 1973، أما مرسي فقد جاء للرئاسة بالصدفة، ولأن الإخوان المسلمين كانوا يريدون شخصا ليصبح رئيسا، وكون مرسي تخلى عن السلطة دون إرادته لعبد الفتاح السيسي، ليس فقط بسبب المواجهة التاريخية بين الإخوان والجيش، لكن أيضا لأن السيسي هو رئيس بشكل افتراضي”.
ويلفت كوك إلى أن “هناك شعورا منتشرا في مصر بأن الحياة كانت أفضل في ظل مبارك من حكمه، وأن السيسي لا يزال في الحكم لأن لا فرق بينه وبين الضابط العسكري المقبل الذي سيحكم البلاد، لكنه يقود انزلاق مصر على طريق عدم الأهمية”.
ويتساءل الكاتب: “هل مصر لا تزال مهمة؟ وهو سؤال يحضر بين الفترة والأخرى في واشنطن، والجواب يعتمد على ما تعنيه كلمة (مهمة)، فهناك النقاش المعاد، الذي يكرره صناع السياسة الأميركية والدبلوماسيون والمحللون والمقدم منذ عدة عقود، وهو أن مصر هي أكبر بلد عربي وذات أقوى جيش، وتقع على قناة السويس، وتقيم اتفاقية سلام مع إسرائيل”.
وينوه كوك إلى أن “هناك النقاش الميتافزيقي عن مصر، الذي يقدمه قادة الدول العربية ودول الخليج، وهو الدور الحضاري الذي لا يمكن إنكاره، الذي يعطي البلد تأثيره بعيدا عن قدراته، أو رغبة سكان الخليج في دور كبير في شؤونهم الداخلية، وبالإضافة إلى خوفهم من حكومة يقودها الإخوان في القاهرة، يبدو السعوديون، تحديدا بحاجة إلى مصر على مستوى عاطفي، ولهذا كان الملك السعودي الراحل عبدالله ثابتا في دعمه للإطاحة بمرسي عام 2013”.
ويفيد الكاتب بأن “مصر البالغ عدد سكانها 100 مليون نسمة يمكن أن تمنح 33 مليون سعودي العمق الاستراتيجي، فشعور المسؤولين السعوديين أن مصر في أيد أمينة يجعلهم ينامون براحة”.
ويجد كوك أنه “بعيدا عن المستوى المجرد والمستوى العملي، فإنه من الصعوبة الحديث عما إذا كانت مصر مهمة بطريقة ملموسة على المستوى الدولي، فالمصريون ليسوا عاملا حاسما في تحديد معالم النزاع في الشرق الأوسط، فقد قرروا الابتعاد، وبحكمة عن الحرب في اليمن، لكنهم ليسوا جزءا من النقاش الدبلوماسي، وبخلاف فتح قناة السويس للبوارج الأميركية ودون إنذار سابق، فقد بقيت مصر بعيدة عن النزاع مع إيران، وحتى أن بعض الدول العربية بدأت تعيد فتح سفاراتها في دمشق، إلا أن مصر خارج الإجماع العربي في الموضوع السوري، ودعمت الروس ونظام بشار الأسد”.
ويشير الكاتب إلى أنه “لا تزال للمصريين حصة في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، لكن عندما حان وقت أن تؤدي فيه مصر دورها الإقليمي، فإن إدارة دونالد ترامب اختارت أن تعقد ورشة العمل (السلام والازدهار) في المنامة، عاصمة البحرين، بدلا من شرم الشيخ في مصر، وتؤدي القاهرة دور الحكم في غزة، لكنه دور محدود يقتضيه القرب لا شيء آخر”.
ويقول كوك إنه “في ظل هذه الخلفية، فإن السؤال لا يتعلق بما إذا كانت مصر مهمة، لكن هل أهمية مصر هي الأقل على الإطلاق؟ إن قادة مصر يحاولون الظهور بمظهر من يمتلكون القوة الإقليمية والتأثير، ولديهم ميل للغضب من فكرة أن السعودية هي الزعيمة الإقليمية، ومن الناحية العملية فإن ما يشغل المواطن المصري العادي هو الاقتصاد، الذي حصلت الإصلاحات فيه على علامات جيدة من صندوق النقد الدولي، لكنها جعلت معظم المصريين فقراء، ولهذا فإن الدعوات للحرب التي تقوم بها بعض الدول في الخليج لا تهم الكثيرين في مصر”.
ويبين الكاتب أنه “بالنسبة للذين يقودون البلد فإن الاقتصاد هو الأهم، فسواء كان تحولا للقمع في عهد مبارك وتوقيعه المعروف (الاستقرار مقابل التنمية)، أو التقليد الباهت للنموذج الذي يتبعه الحزب الشيوعي الصيني، فإن السيسي وشركاءه حاولوا نزع السياسة والتسييس في المجتمع المصري، وتركيز انتباه المصريين على المشاريع الكبيرة، مثل (جسر تحيا مصر)، الذي سيكون أوسع جسر معلق في العالم، وتقاطعات الطرق السريعة، والشوارع المعبدة، وقاعات لامعة في المطار، وهي أهداف تستحق الثناء مع الحالة المتهالكة التي تعيشها مصر، إلا أن هناك فسادا وإكراها”.
ويختم كوك مقاله بالقول: “ربما كانت مصر بحاجة لأن تنظر للداخل قبل أن تبحث عن دورها القيادي في الشرق الأوسط، لكن السيسي مثل مرسي قبله، لا يملك صفات القيادة الحقيقية”.