من آن إلى آخر، تعلن دار مزادات عن بيع آثار مصرية مسروقة أو مهربة، كان أحدثها تمثالا نادرا لرأس الملك الفرعوني الشهير، «توت عنخ آمون»، لم تفلح جهود القاهرة في منع بيعه.
وقالت دار «كريستيز» للمزادات في لندن، مطلع الشهر الجاري، إنه تم بيع التمثال بنحو ستة ملايين دولار، من دون الكشف عن المشتري.
حدث ذلك رغم اعتراض مصر الرسمي على أكثر من مستوى، ومطالبتها بوقف المزاد على التمثال، الذي لم توضح القاهرة كيفية خروجه من مصر.
وأثار بيع التمثال ردود أفعال غاضبة بين مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، مع مطالبات للحكومة بالتصعيد ضد لندن، وحرمان البعثات البريطانية من التنقيب عن الآثار داخل مصر.
** يوم أسود
ووصف زاهي حواس، عالم الآثار المصري البارز ووزير شؤون الآثار الأسبق، بيع رأس الفرعون الذهبي (من 1334 إلى 1325 ق.م) بأنه «يوم أسود في تاريخ الآثار المصرية».
وأضاف حواس، في تصريحات تلفزيونية، أنه سيحضر اجتماعًا حكوميًا يشمل دراسة ثلاثة مقترحات تصعيدية، هي: المقاضاة، وقف البعثات البريطانية، وإلغاء معرض توت عنخ آمون المقرر افتتاحه بلندن، في نوفمبر المقبل.
بجانب المسار الحكومي، طرح خبير آثار مصري بارز مقترحًا بتشكيل لجنة شعبية، تضم شخصيات مصرية مشهورة في الخارج، لاسترداد الآثار المهربة خارج مصر.
وأعلنت وزارة الآثار المصرية، في صيف 2017، فقدان 32 ألفًا و638 قطعة أثرية، على مدار أكثر من خمسين عامًا.
يعرض آثارا مصرية مسروقة.. افتتاح متحف اللوفر أبوظبي بحضور ماكرون وترحيب مصري!
Publiée par شبكة رصد sur Jeudi 9 novembre 2017
وتعلن القاهرة من حين إلى آخر استرداد قطع أثرية مسروقة ومهربة إلى خارج مصر.
** سرقة منذ الفراعنة
مجدي شاكر، الخبير الأثري المصري، قال إن ظاهرة سرقة الآثار المصرية تعود إلى أيام الفراعنة أنفسهم، حيث كان عمال المقابر يسرقون المقتنيات الغالية من ذهب، وحينها تم إجراء تحقيق شهير معروف باسم «بردية سرقات المقابر».
وأوضح أنه قبل سن قانون عام 1983، كان يوجد قانون يسمى «القسمة»، يسمح للبعثات الأثرية بالحصول على 50% من المكتشفات، ثم تم تقليلها إلى 10%.
وأضاف: «كان من حق أي مصري التنقيب عن الآثار بحرية كاملة، وتوجد عائلات معروفة في مصر لديها حيازات كبيرة من الآثار منذ قبل هذا القانون.. تملك حتى الآن حق اقتنائها، لكن من دون بيعها، وتشرف عليها وزارة الآثار».
وأشار شاكر أن المتحف المصري بالقاهرة احتوى قاعة لبيع الآثار المكررة، التي كان يسمح بسفرها إلى الخارج بكل سهولة.
وأوضح أنه في 1983 صدر قانون جديد أكد على ملكية مصر للآثار، وحظر بيعها أو سفرها إلى الخارج، وحاليًا تواجه الدولة أزمة مع صالات المزادات تتركز حول: هل الأثر المعروض خرج من مصر قبل قانون 1983 أم لا ؟
وتابع أنه توجد آثار مصرية في كل دول العالم، وحين اندلع حريق في المتحف الوطني بالبرازيل، في سبتمبر 2018، عرف كثير من المصريين أنه توجد به قاعة كاملة تضم آثارًا مصرية.
** أفكار غير تقليدية
مع فشل الجهود الرسمية في وقف بيع تمثال رأس توت عنخ آمون، وصف منتقدون المساعي الرسمية في هذا الملف عامة بـ«الباهتة والمتعثرة»، في ظل الأعداد الكبيرة من القطع الأثرية المفقودة.
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، مصطفى وزيري، في تصريحات صحفية الخميس، إن لندن «خذلت» القاهرة، رغم جهودها العديدة، في إشارة إلى تشكيل لجان، وإرسال وفود قضائية، فضلًا عن مخاطبات دبلوماسية.
أما شاكر فقال إن «القاهرة تملك مقومات عديدة للضغط، بينها عمل البعثات الأجنبية العاملة في مصر».
ودعا إلى استخدام سلاح آخر، وهو «لجنة شعبية لإرجاع التراث»، معتبرًا أن سلاح القوى الناعمة يكون في أحيان كثيرة أجدى نفعًا.
واقترح تشكيل لجنة من شخصيات مصرية بارزة، مثل كل من محمد صلاح، لاعب كرة القدم المصري البارز في صفوف نادي ليفربول الإنجليزي، وعالم الآثار صاحب الشهرة الواسعة دوليًا، زاهي حواس، وغيرهما.
ورأى أنه في حال عدم القدرة على استرجاع الآثار، يتم التفاوض على حق الملكية الفكرية، والعمل للحصول على فوائد من الآثار، مثل نسبة من عوائد زيارة الأثر، والتي تقدر بملايين الدولارات.
وتابع: «في حال رفضوا ذلك يمكن التفاوض على الحصول منهم على منح ترميم، وتوفير منح دراسية للحصول على درجة الدكتوراه، وتدريب كوادر بشرية مصرية».
أما بشأن داخل مصر، فدعا شاكر السلطات إلى تقديم مغريات تسمح بتسليم الآثار، خاصة وأن عمليات التهريب داخليًا لن تتوقف، في ظل عدم الوعي والإدراك بأهمية الآثار، لاسيما مع ما نسمعه عن مليارات يتربحها المنقبون.
** متابعة وملاحقة وتفاوض
شعبان عبد الجواد، مدير إدارة الآثار المستردة في وزارة الآثار المصرية، قال إن الوزارة تتابع كافة المزادات العالمية، والمواقع الإلكترونية الخاصة ببيع وتجارة الآثار، والمطارات والموانئ التي يتم فيها ضبط آثار مهربة بحوزة مهربين.
وأضاف عبد الجواد، في تصريحات صحفية سابقة، أن الوزارة تتصل بالصالة التي تعرض الآثار أو الموقع الذي يبيعها، وتطالبه بشهادة ملكية للأثر المعروض، أو إثبات أنه هدية، بموجب شهادة رسمية تسمى شهادة تصدير.
رأس توت عنخ آمون في مزاد عالمي مقابل 5 ملايين دولار.. ما القصة؟ 👇🏼
Publiée par شبكة رصد sur Vendredi 7 juin 2019
وأردف: «إذا لم يتم تقديمها، فإننا نعتبر الأثر مسروقًا أو مهربًا، وبعدها نبدأ في إجراءات استعادته بإخطار وزارتي الخارجية والعدل، إضافة إلى الإنتربول الدولي، وتعد وزارة الآثار ملفًا كاملًا بكافة الوثائق حوله (الأثر) والتفاوض أيضًا».
** أبرز الآثار المستردة
أفاد مجلس الوزراء المصري، في يناير الماضي، بأن القاهرة استردت 222 قطعة أثرية مهربة، و21 ألفًا و660 عملة معدنية من عدة دول، خلال عام 2018.
كما استردت قرابة 660 قطعة أثرية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، من فرنسا، بلجيكا، الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
ومن أبرز تلك القطع المستردة: ثلاث قطع أثرية من الولايات المتحدة (يناير 2018)، وتابوت من الكويت (أكتوبر 2018)، ومجموعة كبيرة كان قد تم تهريبها عبر حاويات إلى إيطاليا (مايو 2018).
وكذلك 91 قطعة أثرية مستردة من الاحتلال الإسرائيلي (يوينو 2018).
إضافة إلى استعادة ثلاث قطع من ألمانيا، بعد خمسة أعوام من تهريبها، وتشمل مسلة صغيرة تعود إلى عصر الدولة القديمة كانت قد سرقت من منطقة سقارة، (مايو 2014).
كما تم استعادة قطعة أثرية مسروقة من معبد الكرنك في الأقصر قبل ثلاثة عقود، وتعود إلى أكثر من 3500 عام، وظهرت قبل عامين في قاعة مزادات بلندن (يناير 2019).
الأناضول