نشرت صحيفة «إندبندنت» تقريرا لمراسلتها «بيل ترو»، تتحدث فيه عن الدعم الغربي المستمر لـ«عبد الفتاح السيسي»، والذي ساعده على الإفلات من المحاسبة على قمعه لحرية الرأي.
ويشير التقرير، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن قوات أمن السيسي سجنت أكثر من 3 آلاف معارض للنظام، لكن الرئيس «دونالد ترامب» يصفه بالديكتاتور المفضل له، فيما تواصل بريطانيا الاستثمار في مصر، وهي أكبر مستثمر خارجي فيها.
وتقول ترو إن الكثير من العائلات المصرية بدأت في منع أبنائها من مغادرة البيت يوم الجمعة خوفا عليهم، فإن لم يريدوا المشاركة في الاحتجاجات فإنهم لن يسلموا من تحرش الأمن بهم، ومصادرة هواتفهم النقالة، وإجبارهم على حذف حساباتهم على منابر التواصل الاجتماعي، مستدركة بأن هذه الإجراءات الاحترازية لم تنقذ عددا من الذين تم اعتقالهم في أكبر عملية ملاحقة منذ وصول السيسي لرئاسة مصر في عام 2014.
وتورد الصحيفة نقلا عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، قولها إن السلطات المصرية اعتقلت 3 آلاف شخص، بينهم ناشطون بارزون، وذلك منذ اندلاع التظاهرات ضد القمع وفساد الحكومة والمشكلات الاقتصادية في 20 سبتمبر.
ويلفت التقرير إلى أنه بحسب منظمات حقوق الإنسان والأشخاص الذين قابلتهم الصحافية، فإن الاعتقالات العشوائية شملت أطفالا كانوا في طريقهم إلى المدارس، أو كانوا يشترون الزي المدرسي، بالإضافة إلى سياح كانوا يتجولون في المعالم السياحية المصرية، ومحامي حقوق الإنسان الذين ذهبوا إلى المحكمة لتمثيل موكليهم، وأشخاص كانوا يمرون من أمام التظاهرات، وشباب خرجوا للتمشي في المساء، وعددا من الطلاب الأجانب، وباعة متجولين، وكلهم وجدوا أنفسهم وسط النظام القضائي المصري الغامض.
وترى الكاتبة أن التظاهرات اندلعت في جزء منها ردا على ما كشفته أشرطة المقاول محمد علي عن فساد النخبة الحاكمة والقصور الرئاسية التي تبنى من أموال المصريين، لكنها اندلعت بشكل رئيسي نتيجة للمشكلات الاجتماعية والسياسية التي يعاني منها أكبر بلد عربي تعدادا للسكان، ويعيش ثلثه تحت خط الفقر.
وتفيد الصحيفة بأن قوات مكافحة الشغب تقوم منذ اندلاع التظاهرات بمراقبة المراكز الرئيسية في القاهرة والمدن الكبرى، مثل قوات العاصفة، فأغلقت ساحات المعارضة والشوارع المغطاة بالغرافيتي التي تقود إليهم كلها، فيما تقوم قوات الأمن بعمليات وقف للمارة وتفتيش هواتفهم النقالة، وتقوم باستخدام «واي فاي هوتسبوتس» لإجبار المارة على إعادة تحميل التطبيقات المحذوفة، مثل «فيسبوك» و«تويتر»، والنظر في الرسائل التي يتلقونها.
وينوه التقرير إلى أنه تم استهداف الصحافيين والناشطين والحقوقيين والأكاديميين ورموز المعارضة، من خلال هجمات إلكترونية تم تتبعها إلى خادم إلكتروني تابع للحكومة المصرية، بحسب تحقيق قامت به شركة «تشيك بوينت سوفتوير تكنولوجيز»، التي تعد من كبريات شركات الأمن الإلكتروني في العالم، مشيرا إلى أنه ظهر في الفترة الأخيرة أن جهة تقوم باستهداف حسابات «تويتر» التابعة للناشطين المصريين المعروفين ونقاد النظام.
وتذكر ترو أن آخر الضحايا كانت «أهداف سويف»، الروائية والكاتبة المصرية والمعلقة السياسية والثقافية، والعضو السابق في مجلس أمناء المتحف البريطاني، التي تم وقف حسابها بشكل مؤقت صباح يوم الأحد، وتم اعتقال ابن أختها الناشط المعروف «علاء عبد الفتاح» من جديد، وكان عبد الفتاح قد أنهى فترة حكم مدتها خمسة أعوام بناء على تهم مثل التظاهر دون رخصة.
وتنقل الصحيفة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، قولها إن ثلاثة أرباع المعتقلين، مثل عبد الفتاح، ظهروا أمام المحققين، ولم يفرج إلا عن 57 شخصا دون توجيه اتهامات، لافتة إلى أن هناك مئة شخص في عداد المفقودين، فيما بدأت شهادات عن التعذيب بالانتشار.
ويجد التقرير أنه رغم هذه الممارسات كلها فإنه لم تصدر ولا حتى كلمة واحدة من حلفاء مصر الغربيين، بل إن بريطانيا قامت بعمل العكس تماما، فبعد خمسة أيام من بداية القمع، التقى رئيس الوزراء «بوريس جونسون» بالسيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولم يذكر الاحتجاجات أو القمع، بل كال المديح «للزعيم المصري»، وقبل خمسة أيام من اندلاع التظاهرات وصل وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني إلى القاهرة؛ لمناقشة «الشراكة الاقتصادية المتزايدة».
وتشير الكاتبة إلى أن بريطانيا تعد أكبر مستثمر خارجي في مصر، لافتة إلى قول السفير البريطاني في مصر السير «جيفري أدامز»، إن بلاده هي «رائدة في الشراكة مع مصر ضمن عدد من القطاعات، بما فيها التجارة».
وتعلق الصحيفة قائلة إن لندن لديها سلطة للضغط على النظام ليغير سلوكه، لكن الحكومة البريطانية اختارت مرة تلو الأخرى ألا تعمل هذا.
وتقول ترو، التي أمر السلطات الأمنية بترحيلها عندما كانت مراسلة لصحيفة التايمز: «نفضل غض الطرف عن سلوك إدارة السيسي، لخشيتنا أنه دون مصر (المعتدلة) معنا، فإن واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم ستفكك».
وتتساءل الصحيفة عن معنى الاستقرار من خلال دعم قائد سابق للجيش قام عام 2013 بالوصول إلى الحكم، وأشرف كما تقول منظمات حقوق الإنسان على أكبر مجزرة للمحتجين في التاريخ الحديث، ومنع المتظاهرين، وحجب مئات المواقع الإخبارية والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني، وهو الرجل الذي سجن عشرات الآلاف في الماضي، وأمر بحملة القمع الحالية.
ويؤكد التقرير أن تصرفات النظام لن تتغير، والضغوط التي تمارس على 100 مليون مصري ستخرج فقاعاتها من بين الصدوع لتظهر بالطريقة التي شهدها العالم الآن.
وتنقل الكاتبة عن المخرج البريطاني المصري «عمر روبرت هاملتون»، ابن أهداف سويف وقريب علاء عبد الفتاح، قوله: «هناك مفهوم خاطئ، وهو أن السيسي شريك في الاستقرار، وهو ما يسمح للحكومات، خاصة في أوروبا، بغض الطرف عن سلوكه، طالما استمر في شراء الأسلحة والغواصات ومولدات الطاقة».
ويقول هاميلتون إن عبد الفتاح كان قبل اعتقاله يحاول العودة إلى حياته الطبيعية، وبناء علاقة مع ابنه الذي ولد أثناء سجنه في عام 2011، مشيرا إلى أن اعتقال محامي عبد الفتاح، «محمد باقر»، عندما حضر لتمثيل موكله يعد «سابقة»، ويضيف أنه بعد هذا كله فإن الدول الحليفة في الغرب لمصر لم تقم بشيء حتى «إيماءات الشجب الفارغة أصبحت شيئا من الماضي».
وتفيد الصحيفة بأن الرئيس ترامب بحث في بداية سبتمبر عن «ديكتاتوره المفضل»، وقال: «أريد أن يعرف الجميع، لو كان عندهم شك أننا نقف مع السيسي، ونتفق في الكثير من الأمور».
ويورد التقرير نقلا عن هاميلتون، قوله إن «التشارك مع الديكتاتوريات أثناء استخدام لغة الحقوق والقانون في الوطن، لن يؤدي إلا إلى زيادة رد الفعل والشك، التي تقوم بتدمير الديمقراطية الأوروبية الأمريكية من الداخل»، مشيرا إلى أن «حديث ترامب الواضح للسيسي والقول إنه ديكتاتوره المفضل هو الدليل الذي نحتاجه، قتل السيسي ألف شخص في يوم واحد، وهو حليف كل نظام قوي في العالم، ولم تعد مصر مشكلة قومية فقط، بل إقليمية أيضا».
وتختم «إندبندنت» تقريرها بالقول إنه في الوقت الحالي يبدو أن استراتيجية القمع قد نجحت، فيما قام السيسي بإعادة الدعم لمليوني مصري عانوا من المصاعب الاقتصادية، وكتب السيسي على «فيسبوك» قائلا إنه سيتابع هذه الإجراءات شخصيا، إلا أن النقاد وصفوا هذه الخطوات بالتجميلية في الوقت الذي يقبع فيه الآلاف في السجون.