نشرت صحيفة «الجارديان» تقريرا لمراسليها مايكل صافي وأوليفر هولمز، تقول فيه إنه بعد 25 عاما على اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، فإن العلاقات بين البلدين تواجه امتحانا كبيرا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن المعاهدة لم تكن أبدا شعبية بين المواطنين، لكنها استمرت، لافتا إلى أنها تواجه اليوم امتحانا جديدا على شكل خطة دونالد ترامب للسلام.
ويلفت الكاتبان إلى أن إسرائيل قامت هذا الشهر بتسليم أرض لجارتها العربية دون إطلاق أي طلقة، ورفع العلم الأردني فوق الباقورة والغمر، الواقعتين على الحدود مع إسرائيل، وتعدان أرضا أردنية استأجرتهما الدولة اليهودية في ظل معاهدة السلام التي وقعت عام 1994.
وتعلق الصحيفة قائلة إن تسليم الأراضي الأردنية، ورفض عمان تجديد عقد الاستئجار، هو ذكرى مناسبة لمرور 25 عاما على معاهدة السلام التي لم تكن شعبية لكنها استمرت، مشيرة إلى أن المعاهدة نجت من المذابح ومحاولات تسميم وتحولات إسرائيل نحو اليمين المتطرف، وقد تواجه اليوم أهم امتحان لها، وهي جهود الرئيس دونالد ترامب السلمية في الشرق الأوسط.
وينقل التقرير عن دريد محاسنة الذي ساعد على التفاوض مع إسرائيل بشأن المياه والكهرباء، قوله: «هل نحن في وضع أفضل منذ توقيع الاتفاقية قبل 25 عاما؟ لا أعتقد، لا اقتصاديا ولا سياسيا»، فيما قال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق جواد العناني: «يمكنني القول إنها ما تزال ناجحة.. لم يظهر أي من الطرفين رغبة أو ميلا للتخلي عنها رغم الامتحانات المرة التي مرا خلالها».
وينوه الكاتبان إلى أن المعاهدة تعد ثاني معاهدة تعقدها إسرائيل مع دولة عربية بعد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979، مشيرين إلى قول المحلل السياسي المقيم في عمان أسامة الشريف: «إنها تعبير عن اصطفاف أشخاص استعدوا بصدق لتوقيع اتفاقية سلام».
وتذكر الصحيفة أنه في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان الأردن يعيش في ظل ضغوط اقتصادية كبيرة، وتخلى عنه حلفاؤه التقليديون في الخليج؛ لموقفه المهادن من صدام حسين واحتلاله الكويت، مشيرة إلى أنه تم توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل والسلطة الوطنية قبل أشهر، ما زاد آمال قرب حل النزاع المستعصي في المنطقة.
ويفيد التقرير بأن العلاقة القريبة بين الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إسحق رابين ساعدت في الأمر، مشيرا إلى قول الشريف: «كان هذا الانجذاب الذي شعر به الملك حسين تجاه رابين والعكس صحيح.. كانت هناك كيمياء شخصية بين الرجلين ورؤية لشرق أوسط جديد، وريفييرا على طول البحر الأحمر، وتمتد من شرم الشيخ إلى العقبة عبر إيلات».
ويقول الكاتبان إنه كانت هناك آمال كبيرة عند توقيع المعاهدة في 26 أكتوبر 1994، التي قضى عليها صوت الرصاص، لافتين إلى قول الشريف: «في الوقت الذي كانت فيه الصفقة تتمدد اغتيل رابين وهو ما عرقل العملية.. صعد شخص قام بتخريب كل شيء واسمه بنيامين نتنياهو».
وتشير الصحيفة إلى أن المعاهدة تعرضت للامتحان منذ ولادتها، ففي عام 1997 قام جندي أردني يرابط على جزء من الباقورة، التي عرفت بـ«جزيرة السلام»، بفتح النار على مجموعة من طالبات مدرسة، ما أسفر عن قتل سبع منهن، واقتضى الأمر زيارة شخصية للملك حسين الذي ركع أمام عائلات الضحايا من أجل الحفاظ على الاتفاقية.
رفع العلم وأغلق البوابات في وجه الاحتلال..الأردن يستعيد منطقتي الباقورة والغمر بعد 25 عاما.. ما قصتهما؟
Posted by شبكة رصد on Monday, November 11, 2019
ويلفت التقرير إلى أنه في العام ذاته قام فريق من عملاء الموساد دخلوا إلى الأردن بجوازات سفر مزيفة بمحاولة لتسميم زعيم حركة حماس، خالد مشعل، واستطاع العملاء رش مادة سامة في أذن مشعل الذي انهار ودخل في غيبوبة، لكن تم القبض عليهم بعد ملاحقتهم، وعندما علم الملك حسين بالعملية، حذر من أن وفاة مشعل ستنهي المعاهدة.
ويذكر الكاتبان أنه بضغط من الولايات المتحدة قامت إسرائيل مترددة بإرسال مدير المخابرات، ومعه الدواء من المادة التي استخدمها العملاء، وهو ما أنقذ حياة مشعل.
وتورد الصحيفة نقلا عن الخبراء، قولهم إن العلاقة توترت في الفترة الماضية بسبب التحول نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، الذي استخدمت حكومته الخوف المشترك من إيران، وحسنت سرا علاقاتها مع السعودية ودول الخليج، التي لم تعد تهتم بالقضية الفلسطينية.
ويستدرك التقرير بأن نسبة سكان الأردن من أصول فلسطينية تصل إلى 70%، ويقوم الموقف الأردني الرسمي على عودة اللاجئين إلى دولتهم، لافتا إلى أن المسؤولين في الأردن تعاملوا مع تصريحات بنيامين نتنياهو ضم مناطق واسعة من وادي الأردن، بالإضافة إلى النشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية على أنها تهديد وجودي.
وينقل الكاتبان عن رئيس الموساد السابق أفرايم هاليفي، قوله في كلمة له أمام معهد بحثي إسرائيلي: «أرى مخاطر عظيمة على معاهدة السلام»، وأضاف: «عدم اهتمام إسرائيل وغياب التحليل الحقيقي هما نظرا للتعامل مع الأردن باعتباره أمرا واقعا، وأنه بلد لا خيار له سوى الاعتماد على إسرائيل، وهي عوامل تعرض وجود المعاهدة للخطر».
وتورد الصحيفة نقلا عن مؤسس مركز ميتيم للعمل على تحسين العلاقات العربية الإسرائيلية، نمرود غورين، قوله إن أي توتر في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية يؤثر على العلاقات مع الأردن، و«هو أمر لا تريد الحكومة الإسرائيلية الاعتراف به. ويحاولون القول إن المسار الإسرائيلي الفلسطيني ليس مهما، وهذا هو موقف نتنياهو».
ويفيد التقرير بأنه بحسب استطلاع، فإن هناك نسبة 70% من الأردنيين مع تحديد العلاقات مع إسرائيل، فيما هناك نسبة 71% من الإسرائيليين مع الحفاظ عليها، مشيرا إلى أن من الاتفاقيات التجارية التي تثير الاحتجاج هو اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي للأردن.
ويقول الكاتبان إن مركز الدراسات الإسرائيلية لا يستطيع الترويج لمناسباته إلا من خلال الدعوات أو نشر الأخبار عبر الإعلام، ويقول مؤسس المركز عبد الله صوالحة «إنه جو معاد.. نحاول أن نبتعد عن الأضواء لأن معظم الناس لا يفهمون المهمة».
وتؤكد الصحيفة أن الاتفاقية مستمرة بسبب التعاون الأمني بين البلدين لمنع التهريب وملاحقة المتشددين، مشيرا إلى قول العناني: «كلا الطرفين يريدان الحفاظ عليها، من ناحية حفاظ الإسرائيليين على أمنهم، والأردنيين من ناحية الحفاظ على أمنهم وقدرتهم على التفاوض مع الإسرائيليين».
وتختم «الجارديان» تقريرها بالقول إن «الاتفاقية ساعدت على تسهيل المساعدة الأميركية للأردن التي تصل إلى 1.5 مليار دولار سنويا، وحتى تنجو الاتفاقية وتعبر الذكرى الثلاثين فهي بحاجة لأن تفلت من تلاعبات (صفقة القرن)، فيما يخشى الأردنيون من أن تحرمهم اتفاقية ترامب من موقعهم الخاص في القدس».