نشرت مجلة «إيكونوميست» تقريرا تحت عنوان «السيسي وابنه»، تتحدث فيه عن حملة الأمن المصري ضد موقع «مدى مصر»، والسبب الحقيقي خلف هذه الحملة التي جاءت بعد نشر الموقع تقريرا عن إبعاد «محمود السيسي» إلى روسيا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن القمع يظهر خوف السلطات، وأن إرسال محمود إلى روسيا هو «تنازل نادر من نظام يكره الاعتراف بالفشل».
وتقول المجلة: «طالما تساءل العاملون في موقع «مدى مصر»، وإن كان ذلك على سبيل المزاح، لماذا لم تعتقلهم السلطات، فهذه أيام قاتمة للصحافة المصرية، فلا يوجد بلد تعتقل صحفيين مثلها، حيث سيطرت شركة سندات خاصة لها علاقة بأجهزة الأمن على الصحف وقنوات التلفزة التي كانت يوما مشهورة، وتسيطر الدولة وحلفاؤها اليوم على معظم وسائل الإعلام، ويملي النظام عناوين الأخبار على المحررين الخانعين».
ويلفت التقرير إلى أن «موقع (مدى مصر) ظهر في عام 2013، وكان استثناء نادرا، فظل المساحة الأخيرة الكبيرة المتوفرة للصحافة النقدية الحرة في مصر، ورغم حجب الموقع عن القراء والمشاهدين المصريين خلال العامين الماضيين، إلا أنهم يستطيعون الحصول على محتوياته من خلال الشبكة الافتراضية الخاصة «في بي أن» أو على «فيسبوك»، ولم تتحرك السلطات لإغلاقه، ربما بسبب شهرته في الخارج، ويعد الموقع الذي ينشر باللغتين العربية والإنجليزية مصدرا مهما للمحللين والدبلوماسيين».
وتنوه المجلة إلى مداهمة قوات الأمن في 23 نوفمبر قبل الفجر لشقة الصحفي في الموقع «شادي زلط» في القاهرة، التي لم يكن لديها أمر بالقبض عليه، وفي مساء اليوم التالي داهمت قوات الأمن مقر الموقع، وصادرت هواتف، واعتقلت ثلاثة من المحررين فيه، بينهم رئيسة التحرير «لينا عطا الله»، مشيرة إلى أن المداهمة كانت خفيفة مقارنة مع المداهمات التي يقوم بها الأمن، وتم الإفراج عن الثلاثة خلال ساعات، وترك زلط على جانب شارع سريع.
ويستدرك التقرير بأن «المداهمة كانت تحذيرا وتكشف الكثير عن مخاوف النظام، وزعم النائب المصري العام أن الموقع له صلات مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وكان هذا تصرفا متوقعا؛ لأن الجماعة تلام على كل شيء في مصر، وهو اتهام مثير للضحك في الوقت ذاته، فـ(مدى مصر) لديه ميول يسارية، وانتقد معظم صحفييه الإخوان المسلمين في أثناء سنتهم المتعثرة في الحكم».
وتؤكد المجلة أن «السبب الرئيسي للمداهمة كان مرتبطا على أكثر الاحتمالات بالتقرير الذي نشره الموقع عن محمود السيسي، الابن الأكبر للديكتاتور عبد الفتاح السيسي الذي يدعمه الجيش، فقد صعد محمود سريعا في جهاز المخابرات العامة التي ترسل تقاريرها مباشرة إلى الرئيس، وبحسب موقع (مدى مصر) فإن محمود سيحزم حقائبه قريبا ويسافر بهدوء للعمل في سفارة مصر في موسكو».
ويفيد التقرير بأن «أجهزة الأمن المتعددة في مصر تتنافس على التأثير، فقد استخدم الرئيس السابق جمال عبد الناصر المخابرات العامة للتجسس على منافسيه في الجيش، وحاول نجل السيسي ملء الجهاز بالموالين له، وتم اختيار عدد منهم من المخابرات العسكرية التي قضى سنوات يعمل فيها، وهو ما أثار قلق الضباط العاملين في الجهاز منذ وقت طويل، بالإضافة إلى الدور البارز الذي بات محمود يؤديه في الجهاز».
وتقول المجلة إن «أداء محمود لم يحظ بإعجاب الكثير من المعلقين والمراقبين، كما جاء في تقرير (مدى مصر)، فأحد أدواره هو مراقبة الإعلام وتنظيم عمله، ولم ينل الدور الذي قام به إعجاب حتى والده، وهو الذي انتقد الإعلام على عدم إظهاره الدعم الكافي له، وكانت القشة التي قصمت ظهر محمود هي الطريقة التي تعامل فيها مع التظاهرات المفاجئة في سبتمبر، وهي الاحتجاجات التي جاءت استجابة لدعوات رجل الأعمال والممثل محمد علي، الذي زعم أن لديه تفاصيل عن فساد في مشاريع أشرف عليها ضباط الجيش».
ويشير التقرير إلى أن «التظاهرات كانت صغيرة واختفت بعد أسبوع، ولم تمثل أي خطر على النظام الذي رد عليها بشراسة، واعتقل أكثر من 4 آلاف شخص، وهو رقم ربما فاق عدد المتظاهرين الحقيقي، وقامت الشرطة لأسابيع بإجبار المارة على فتح هواتفهم لفحص حساباتهم على مواقع التواصل، وإن كان فيها مواد تحريضية، وجلبت حملة الاعتقالات المزيد من الاهتمام للتظاهرات التي كانت متواضعة».
وتلفت المجلة إلى أن «النظام يحاول قمع أي شكل من أشكال المعارضة، ففي هذا الشهر اعتقلت السلطات الناشط القبطي رامي كامل، الذي وثق هجمات ضد الأقباط لم تتم معاقبة مرتكبيها، فيما يجد اقتصاديون أنفسهم في مراكز التحقيق نظرا لتشكيكهم في الرواية الرسمية عن النمو الاقتصادي في البلاد، ورتبت الحكومة في هذا الشهر زيارة إلى معتقل طرة الشهير بممارسات التعذيب، وتحدث المعتقلون عن الطعام الجيد الذي يقدم لهم».
ويستدرك التقرير بأن «محمود لم يذهب، فتعيينه في مهمة جديدة هو محاولة لتهدئة الأجواء وليست منفى دائما، فروسيا ليست حديقة خلفية، لكن نقله هو تنازل نادر من نظام يكره الاعتراف بالفشل».
وتختم «إيكونوميست» تقريرها بالإشارة إلى أن «عبد الفتاح السيسي يقول إن البلاد تحتاج إلى يد مستقرة بعد سنوات من الفوضى السياسية، لكنه متناقض مع الواقع، فهو يكرر أخطاء سابقيه من التركيز على الاقتصاد الذي تتحكم به الدولة إلى تفضيل أبنائه، ودفاعه المستمر أمام النقد الشرعي والنادر دائما ما يكون مبتذلا».