قرأت مجلة «فورين بولسي» التحولات التي ستطال العالم بعد وباء كورونا، واستقرأت آراء عدد من الخبراء حول العالم، وخرجت بعدد من الاحتمالات، أبرزها أن العالم سيكون أقل انفتاحا، أقلّ حرية وأكثر فقرا.
وتابعت بأن فشل الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في قيادة العالم وتحول الدفة إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا، فيما ستتغير موازين القوى في النظام العالمي بشكل واضح جدا.
ولفتت إلى فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها الذي كان متوقّعا في التحذير والتنسيق للحد من الأزمة، وتوقعت تفكك الاتحاد الأوروبي بعد الفشل على مستوى الأعضاء في مواجهة الأزمة.
الدبلوماسي الأميركي السابق، ريتشارد هاس، رأى أن معظم الحكومات ستتراجع إلى الداخل، وتبحث عن اكتفائها الذاتي، وستكون الحكومات معادية للهجرة، وستقلل اهتمامها بالتغير المناخي، فيما ستصبح الدول الفاشلة أكثر فشلا وضعفا.
وعن العلاقات الأمريكية الصينية، قال هاس إن الأزمة ستضيف مزيدا من الأزمات، وستؤثر على التكامل الأوروبي.
وعلى الجانب الإيجابي، قال إن العالم سيلحظ تقوية متواضعة لحوكمة الصحة العامة في العالم.
الدبلوماسي الأميركي، نيكولاس بيرنز، قال إن التداعيات الاقتصادية للأزمة «قد تفوق الأزمة المالية لعام 2008 – 2009، ويمكن أن تغير بشكل دائم النظام العالمي وتوازن القوى كما نعرفه. وحتى الآن، التعاون الدولي غير كاف».
وتابع: «إذا لم تترك الصين والولايات المتحدة تبادل الاتهامات حول من السبب وراء الأزمة وتتعاملا معها فإن مصداقيتهما ستتأثر. وإذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي حماية مواطنيه، فإن الحكومات الوطنية ستسترد المزيد من الصلاحيات من بروكسل».
الأكاديمي ووزير الخارجية السنغافوري السابق، كيشور محبوباني، قال إن الفيروس سيحول العولمة المتمحورة حول أميركا، إلى عولمة تتمحور حول الصين، قائلا: “الشعب الأميركي فقد إيمانه في العولمة والتجارة الدولية مع أو بدون الرئيس ترامب، بينما الشعب الصيني لم يفعل. اندماج الصين مع العالم في أواخر القرن الماضي أدى الى إعطاء الثقة للصينيين أنه يمكنهم المنافسة في أي مكان، وبالتالي أرى أن الصين انتصرت”.
مدير معهد بروكنغر، الجنرال الأميركي، جون ألين، رأى أن الأزمة ستعيد تشكيل «هيكل القوة العالمي بطرق يصعب تخيلها. سيستمر الفيروس في الضغط على النشاطات الاقتصادية وزيادة التوتر بين الدول، وعلى المدى الطويل سيخفّض الوباء القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي».
وتابع بأن «خطر العزلة سيكون عظيما خاصة على الدول النامية والتي لديها جزء كبير من العمالة غير المحصّنة اقتصاديا. وسيتعرض النظام العالمي لضغط كبير ينجم عنه عدم الاستقرار وخلافات بين الدول وداخلها».
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون، جون ايكينبري، أنه على المدى القصير «ستعطي الأزمة دفعة للقوميين ومناهضي العولمة وأعداء الصين في العالم الغربي. الانهيار الاجتماعي، وكذلك الأكلاف الاقتصادية التي تتضح يوما بعد يوم ربما تشابه تلك التي وقعت ما بعد الأزمة المالية في ثلاثينيات القرن الماضي».
ولفت إلى أن العالم «قد يتجه إلى بناء نظام جديد يحمل ضمانات لحماية الدولة ويدير الاعتماد المتبادل بشكل أكثر حماية لمصالحها. أو بمعنى آخر ستخرج الديمقراطيات الغربية من قوقعتها وتحاول البحث عن نماذج أكثر أمانا للتعاون المشترك».
الدبلوماسي، والمستشار السابق في مجلس الأمن القومي الهندي، شيفشانكار مينون، رأى أن السياسات ستتغير بعد كورونا «سواء داخل الدولة أو بين الدول، فنجاح الحكومات في التعامل مع الأزمة سيقلل من القلاقل الأمنية والاستقطاب الذي برز أخيرا في المجتمعات. فالتجارب أثبتت حتى الآن أن الشعبويين والديكتاتوريين لم يظهروا مهارات واضحة في التعامل مع الأزمة. وجاءت كوريا الجنوبية وتايوان في المقدمة، وهما دولتان ديمقراطيتان».
وتابع بأن الأزمة لا تعني نهاية الاعتماد المتبادل على المستوى الدولي، لكن هنالك اتجاها إلى الانغلاق، ما يعني «عالما أكثر فقرا وأنانية وضيقا».
ولفت إلى وجود إيجابيات أيضا حول محاولة الدول البحث عن رد مشترك لمواجهة التهديد، مثلما بادرت الهند ودعت إلى مؤتمر لقادة جنوب آسيا لمواجهة الأزمة.
من جهته، قال الأكاديمي والسياسي الأميريكي ستيفان والت إن الفيروس المستجد، سيقوي دور الدولة، ويعزز القومية وقبضة الحكومات التي فرضت إجراءات استثنائية للسيطرة على الفيروس، مؤكدا أنه سيكون من الصعب أن تتخلى عن سلطاتها الجديدة بعد انتهاء الأزمة.
وتابع بأن الفيروس سينقل القوة والتأثير عالميا من الغرب إلى ناحية الشرق، بعد نجاحات سجلتها كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايوان، واستدراك الصين لأخطائها، في ظل تخبط أوروبا وأميركا.