“لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا”.. بهذه العبارات الخالدة رمز الزعيم أحمد عرابي اسمه في التاريخ أثناء مواجهة بينه وبين الخديوي توفيق للمطالبة بحقوق المصريين التي نهبها منهم الأجانب.
ولد أحمد عرابي في 31 مارس 1841م في قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية، وكان عرابي ثاني الأبناء في عائلته، وحفظ القرآن الكريم منذ صغره وفي سن الثامنة طلب من أبيه أن يلحقه بالجامع الأزهر فأجاب طلبه وأرسله إلى القاهرة فدخل الأزهر في نوفمبر 1849م ومكث فيه أربع سنوات أتم خلالها حفظ القرآن الكريم وأجزاء من الفقه والتفسير.
وقد توفي والده في 23 يوليو 1848م إثر إصابته بوباء الكوليرا عن سن 63 عاما، وتولى أخوه محمد الإنفاق عليه وكان مصدر عيش الأسرة ريع 74 فدانا تركها والده.
التحق عرابي بالجيش المصري وكان أغلبه من الأجانب في 6 ديسمبر 1854، وبدأ كجندي بسيط، ولحسن حظه عين ضابط صف بدرجة أمين بلوك “مساعد حاليا”، واستفاد من نظام الترقي بالامتحانات فوصل إلى رتبة ملازم ثاني بعد أربع سنوات فقط في الخدمة.
ثم ارتقى عرابي سلم الرتب العسكرية بسرعة في عهد الخديوي سعيد باشا والي مصر حيث حصل خلال عام 1859م على ترقيتين هما يوزباشي “نقيب حاليا” وصاغ “رائد حاليا”.
وخلال عام 1860م، رقي إلى بكباشي “مقدم حاليا” ثم إلى قائمقام “عقيد حاليا” وهو لم يكمل العشرين عاما.
كان سعيد باشا يثق بعرابي إلى درجة أنه كان يشركه معه في ترتيب المناورات الحربية، وكان لا يفرق بين المصريين والأجانب داخل الجيش مما ساهم في الترقي السريع لعرابي
بعد وفاة سعيد باشا وتولي خلفه الخديوي إسماعيل الحكم، تدهورت أوضاع المصريين في الجيش حيث عادت التفرقة بين المصريين و الأجانب.
وتصاعد الخلاف حدة عندما هاجم عرابي أحد اللواءات الشراكسة ويدعى اللواء خسرو باشا الذي سعى لإقالته بدعوى شراسة الخلق وعدم إطاعة الأوامر وقدم بسببها للمحاكمة العسكرية وحكم عليه المجلس بالسجن واحد وعشرين يوما.
وبسبب عرابي وقع خلاف بين وزير الحربية وقتئذ الخديوي إسماعيل باشا وبين رئيس المجلس العسكري الأعلى؛ لأن الوزير كان يرغب في تأييد الحكم الابتدائي، وذهب وزير الحربية إلى الخديوي إسماعيل ليفصل عرابي.
وحاول رفع شكوى للخديوي إسماعيل ولكن لم يتم النظر فيها، وحاول رفع الكثير من المظالم إليه مدة ثلاثة أعوام.
وفي النهاية تم استصدار أمر من الخديوي إسماعيل بالعفو عنه وإعادته إلى الجيش برتبته العسكرية التى خرج عليها، وحرم من مرتبته خلال مدة فصله فزادت كراهيته ضد أوضاع الجيش ونفوذ الضباط الشراكسة وتعنتهم مع الضباط المصريين، بعد ذلك عين مأمورا للحملة العسكرية المصرية في إثيوبيا.
انتهت هذه الحملة بهزيمة الجيش المصري، وكان للهزيمة أثر كبير في نفسه لما رآه من استهتار للقيادة الشركسية.
وكان أول صدام حقيقي بين عرابي وسلطة الخديوي عندما اجتمع الضباط المصريون على تقديم مذكرة لرياض باشا رئيس النظار وقعها عرابي وبعض زملائه طالب بوقف انحياز قيادات الدولة للشراكسة، والمطالبة بتعديل قوانين الجيش للمساواة بين جميع الأجناس في المؤسسة العسكرية، وتعيين ناظر للحربية من الوطنيين.
كما تمت المطالبة بقيام مجلس نواب وطني كما وعد الخديوي إبان توليه، وزياده عدد الجيش المصري إلى 18 ألفا.
لم يتقبل الخديوي هذه المطالب وقرر اعتقال عرابي وزملائه ومحاكمتهم عسكريا وبالفعل استدعي عرابي وزملاؤه إلى ديوان الجهادية حيث تم اعتقالهم لبرهة قبل أن يقوم الضباط المصريون بتحريرهم بالقوة ثم انضمت إليهم المزيد من وحدات الجيش المصري مما دفع الخديوي للتراجع عن القرار والتفاوض مع عرابي.
تصاعدت الأحداث بين الطرفين وفي صباح يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881، خرج عرابي بكامل القوات المقيمة بالقاهرة إلى سراي عابدين في عصر نفس اليوم لعرض طلباتهم على الخديوي، ثم خاطبوا القناصل الأجانب لطمأنتهم على سلامة رعاياهم. وقد استجاب الخديوي لمطالبهم مرة ثانية فأسقط الوزارة و أنشأ مجلسا للنواب وزاد عدد الجيش.
وكانت هنا خطبته الشهيرة عندما قال له الخديوي توفيق: “كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا”.
فرد عرابي:” لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم”.
وافق توفيق على مطالب الجيش حين رأى التفاف الشعب حول عرابي، وعزل رياض باشا من رئاسة النظار، وعهد إلى محمد شريف باشا بتشكيل الوزارة وتشكلت بذلك أول نظارة وطنية في تاريخ مصر الحديث.
وتم تعيين محمود سامي البارودي ناظرا للجهادية وهو أول مصري يتولى هذا المنصب.
وسعى لوضع دستور للبلاد، ونجح في الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا وفرنسا في شؤون البلاد بعد أن ازدادت ضغوط الدول الأوربيه الدائنة على مصر والتي أفشلت الثورة العرابية.