الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هو الأب الروحي للقضية الفلسطينية ومؤسس حركة فتح، عرف حياة مليئة بالنضال وباتفاقات السلام التي تعرض بسببها لانتقادات لاذعة.
في 1 إبريل عام 1989، تم تعيينه من قبل منظمة التحرير الفلسطينية كرئيس لدولة فلسطين المنتظرة، الدولة التي كان أساس سلطتها على الضفة الغربية وقطاع غزة.
البداية في القاهرة:
ولد ياسر عرفات في القاهرة عام 1929 لأسرة فلسطينية، أبوه عبد الرؤوف عرفات من غزة، وجدته مصرية، وكان والده يعمل في تجارة الأقمشة ويسكن حي السكاكيني .
وهو الابن السادس لأسرة فلسطينية ولد هو وأخوه الصغير فتحي في القاهرة. وقضى عرفات مراحل طفولته ومرحلة شبابه الأولى هناك، وقد توفيت والدته زهرة أبو السعود عندما كان في الرابعة من عمره بسبب فشل كلوي.
كان دائم التردد على مصر وأنهى تعليمه الأساسي والمتوسط فيها، حيث اكتسب في تلك الفترة لهجته المصرية التي لم تفارقه طوال حياته.
وفي صباه وشبابه، تردد على بعض النشطاء من فلسطين بالقاهرة، وبرز خلاف مع والده بسبب ذهابه إلى أحياء اليهود، وفي حي السكاكيني تعرف على موشي دايان.
في سن السابعة عشرة، قرر الدراسة في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة حاليا)، فدرس الهندسة المدنية، وتخرج في عام 1950.
شارك عام 1948 مع كتائب جماعة الإخوان المسلمين المصرية في مواجهة العصابات اليهودية في فلسطين وقاتل معهم حتى انسحبت القوات من العديد من المناطق في فلسطين بسبب فشل الجيوش العربية في مواجهة الاحتلال.
عاد للقاهرة وأكمل دراسته حتى تخرج فتم انتخابه رئيسا لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في القاهرة من عام 1952 لعام 1956.
وتخرج في تلك الفترة من كلية الهندسة المدنية، واستُدعي إلى الجيش المصري في أثناء العدوان الثلاثي على مصر في الوحدة الفلسطينية العاملة ضمن القوات المسلحة المصرية برتبة رقيب، وبعد تسريحه هاجر إلى الكويت حيث عمل هناك كمهندس، وبدأ في مزاولة بعض الأعمال التجارية
في الكويت بدأت حركة فتح:
في عام 1957، قدم على طلب للحصول على تأشيرة من الكويت، وحصل عليها وسافر إلى هناك وعمل مهندسا معماريا.
وقابل في الكويت اثنين من النشطاء الكبار وعضوين فلسطينيين من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهما صلاح خلف واسمه الحركي أبو إياد، وخليل الوزير واسمه الحركي أبو جهاد.
بدأ عرفات بتشكيل مجموعات من الذين لجؤوا إلى الكويت قادمين من غزة، وتطورت تلك المجموعات حتى كوَّنت حركة عرفت باسم حركة فتح.
وأول المؤسسين للحركة هم خليل الوزير، وصلاح خلف، وخالد الحسن، وفاروق القدومي وتم تأسيسها ووضع هيكلها التنظيمي في الفترة ما بين عامي 1958-1960، استنادا إلى بعض المعلومات التي جمعت من مجلة نداء الحياة فلسطيننا فقط .
منظمة التحرير الفلسطينية:
بدأ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري في عام 1964 وفي تلك الفترة، أرسى عرفات مع قيادات حركة فتح سياسة تعتمد على البدء بمقاومة مسلحة ضد إسرائيل، وكان لهذا القرار دور كبير في توحيد الشعب في الشتات.
وفي 3 فبراير عام 1969، تولى ياسر عرفات رئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية،وذلك باجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة، وذلك خلفًا ليحيى حمودة الرئيس السابق للمنظمة.
وأصبح بذلك القائد الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية،التي كانت تضم عدة تنظيمات فلسطينية، واستمر بتولي هذا المنصب حتى وفاته.
وفي هذا الوقت، قامت حركة فتح بسلسلة من الأعمال المسلحة ضد أهداف إسرائيلية تهدف إلى إنهاء دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية علمانية يعيش فيها جميع أهل فلسطين بمختلف دياناتهم وطوائفهم متساوين في الحقوق والواجبات، وفي هذه الأثناء.
اجتياح لبنان لطرد عرفات ورجاله:
في 6 يونيو 1982، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومها بقصف مركز على المناطق الساحلية في الجنوب، وبدأت قواتها في الهجوم عبر المنطقة التي كانت تنتشر فيها قوات الأمم المتحدة.
وتصدى الفلسطينيون للقوات الإسرائيلية بما يحملونه من عتاد وأسلحة خفيفة بأسلوب حرب العصابات، وقد لاقت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة في قلعة شقيف، لكن التقدم الإسرائيلي استمر،.
وفي 9 يونيو، وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت وقامت بتطويق بيروت الغربية بما في ذلك القيادة الفلسطينية برئيسها ياسر عرفات، لكنها لم تجرؤ على التقدم أكثر.
وأجبرت القيادة الفلسطينية على التفاوض للخروج نهائيا من لبنان، حيث أبرم اتفاق تخرج بموجبه المقاومة الفلسطينية تحت الحماية الدولية من لبنان، مع ضمان أمن العائلات الفلسطينية.
وقد غادر عرفات بيروت بسفينة فرنسية مع كثير من جنوده، كما غادر على سفن أخرى آلاف المقاتلين الذين تم توزيعهم في شتى البلدان العربية. وقد اتجه عرفات إلى تونس التي كانت قد أعلنت موافقتها على استضافة القيادة الفلسطينية، وأسس فيها مقر القيادة الفلسطينية.
اتفاق أوسلو وبداية التفاوض مع الاحتلال:
بعد سلسلة من الأحداث الدموية ومع تزايد الضغوط الدولية على عرفات أعلن سنة 1988 وألقى خطابا في 13 ديسمبر أمام الجمعية العامة في جنيف.
وأطلق عرفات مبادرة فلسطينية للسلام في الشرق الأوسط، تعتمد إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت 1967 تعيش جنبا إلى جنب، مع دولة الاحتلال.
واختارته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1989 رئيسا لفلسطين ومتحدثا باسمها في المحافل الدولية
ورحبت الولايات المتحدة بعدها بعرفات بعدما كانت تصنفه إرهابيا ،وانخرطت إسرائيل ومنظمة التحرير في مفاوضات سرية بعد أن كانت تعتبر المنظمة إرهابيين لا تفاوض معهم، أسفرت عام 1993 عن الإعلان عن اتفاقيات أوسلو حيث قام ياسر عرفات، بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالاعتراف رسميا بإسرائيل،
عودة الخلاف مع الاحتلال:
بعد أعوام من العلاقة الهادئة مع الاحتلال والتعاون، وقع تدهور في العلاقات بين عرفات وإسرائيل بسبب تعنت المحتل ومماطلته في تنفيذ الاتفاقات الثنائية.
وفي عام 2000، اندلعت انتفاضة فلسطينية ثانية ولم يقف عرفات بوجهها ولم يسلط عناصره الأمنية ضدها، الأمر الذي دفع الاحتلال لاتهامه بالتحريض على أعمال العنف .
وتزامن هذا مع تدهور شعبيته بسب تهم وجهت لأقطاب السلطة بالفساد وسوء الإدارة الأمنية والمالية والمدنية والمؤسساتية في إدارة شؤون الفلسطينيين داخل أراضي السلطة .
الحصار والوفاة:
وعام 2002، مع تصاعد الاضطرابات حاصرت قوات الاحتلال عرفات داخل مقره بدعم أميركي مباشر للضغط عليه مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية.
وتعرض عرفات من قبل الإدارة الأميركية وإسرائيل لحملة قصد إقصائه عن السلطة أو إبعاده عن مركز القرار فيها بدعوى تحميله مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية من تدهور، ففي يوم 24 مايو 2002 طلب الرئيس الأميركي جورج بوش تشكيل قيادة فلسطينية جديدة.
وفي يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004، ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، قامت على إثر ذلك طائرة مروحية بنقله إلى الأردن ومن ثم أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004.
وتم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر 2004.
ودفن عرفات في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبته قبل وفاته.