نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا عن تحويل حكومة الهند المسلمين إلى كبش فداء في ظل تفشي جائحة كورونا حول العالم.
وبحسب التقرير الذي عملت عليه مراسلتاها جوانا سليتر ونيها مسيح، فإنه في صباح يوم مشرق في وقت سابق من هذا الشهر كان ضابط سابق بالجيش على دراجته النارية على شارع ريفي جنوب العاصمة الهندية عندما وصل إلى حاجز على الطريق، ولم يكن لديه فكرة أن القرويين كانوا يبحثون عن كبش فداء، بحسب ما ترجمته «عربي21».
وتابع التقرير: «خفف من سرعته، وعرف القرويون على الحاجز أنه مسلم من الولاية المجاورة. وصرخ أحد القرويين: «هؤلاء الذين ينشرون فيروس كورونا.. أمسكوا به»، بحسب ما قالت عائلة الرجل.
وأحس سهيم الدين (49 عاما) بحبل مشدود على عنقه حتى فقد الوعي، وتم إسعافه إلى المستشفى حيث كان يسعل دما، وقام الأطباء بإجراء عملية طارئة لإصلاح أوتاره الصوتية التي تقطعت وللقصبة الهوائية التي تضررت.
وفي الهند تركز البحث عن كبش فداء خلال جائحة كورونا على الأقلية المسلمة التي يبلغ عددها 200 مليون والتي كانت مهددة حتى قبل ظهور كوفيد-19.
وسارعت بعض القنوات الإخبارية والمسؤولين في الحكومة إلى لوم المسلمين على ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورنا، وفي الأسابيع الأخيرة تم الاعتداء على المسلمين وحرموا من العلاج وتمت مقاطعتهم، وكل ذلك بحجة الخوف من الفيروس.
وفي أمريكا وأوروبا كانت هناك تقارير حول تمييز وهجمات ضد آسيويين. وفي الصين يتم طرد الأفارقة من البيوت المستأجرة ويرفض دخولهم للمطاعم، وفي باكستان يقول الناشطون إن أقلية الهازارا تتهم ظلما بكونها مصدرا للفيروس.
وقال تشارلي كامبل، مؤلف كتاب تاريخ استخدام أكباش الفداء، إن هذا النوع من الأزمات يظهر أشكالا جديدة للكراهية، وقال إنه بالنسبة للحكومات فإن توجيه غضب العامة إلى أعداء داخليين أو خارجيين هو أسلوب للفت الأنظار عن فشل تلك الحكومات.
والبحث عن كبش فداء خلال الجوائح له تاريخ طويل. فتم اتهام اليهود خلال انتشار وباء الطاعون في أوروبا في القرون الوسطى، واتهم المهاجرون الإيرلنديون بنشر الكوليرا في القرن التاسع عشر في أمريكا، كما وصم الهايتيون خلال انتشار مرض الإيدز سابقا.
ومع ذلك يقول المؤرخون بأن ردود الفعل هذه أمر لا مفر منه. وقالت نوخيت فارليك، أستاذة التاريخ في جامعة ساوث كارولاينا والتي تدرس الأمراض: «إن ردود الفعل للجوائح تتضمن البحث عن كبش فداء، وعنصرية، ورهاب أجانب، ولكنها تتضمن أيضا التعاطف والإيثار والرعاية ومساعدة الآخرين».
وفي الهند ذات الأكثرية الهندوسية، التي يصل عدد سكانها إلى 1.3 مليار نسمة، فإن الحقد الموجه للمسلمين خلال الجائحة فاقم من الوضع السيئ أصلا.
واتبعت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أجندة تقوم على استعلاء الهندوس ونقلت الهند بعيدا عن العلمانية التي قامت عليها وزادت الخشية من أن المسلمين سيعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.
وفي شباط/ فبراير شهدت العاصمة الهندية أشد أحداث عنف بين الهندوس والمسلمين خلال عقود. وقتل فيها أكثر من 50 شخصا، معظمهم من المسلمين.
واتهم مقدمو البرامج التلفزيونية جماعة «التبليغ» المسلمة، بالتآمر المتعمد لنشر الفيروس، دون تقديم أدلة. فقال الصحافي أرناب غوسوامي على تلفزيون رببلك: «لقد تعرفنا على مجرمي كورونا».
وفي نفس الوقت انتشرت التهم للمسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي. وتمت مشاركة فيديوهات على فيسبوك وتويتر تتهم المسلمين زورا بأنهم ينشرون الفيروس بالبصق والعطس على المواد الغذائية.
وتم تداول وسم «هاشتاج» «جهاد الكورونا» على نطاق واسع. واستخدم هذه العبارة أحد أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم، بهاراتيا جانتا، بينما وصف مسؤول آخر في الحزب أعضاء جماعة التبليغ بأنهم “قنابل بشرية”.
وأصدر مودي مناشدة على تويتر قائلا: «كوفيد-19 لا يفرق بين العرق والدين واللون والطبقة والعقيدة واللغة والحدود».
وقال ظفر الإسلام خان، رئيس لجنة الأقليات في دلهي، بأن قيادة جماعة التبليغ فشلت في توقع الخطر الداهم، ولكنه أشار إلى أن الكثير من المجموعات الدينية والسياسية استمرت في أنشطتها في نفس تلك الفترة.
وقال خان إن ما أعقب ذلك من تشويه للمسلمين – بمساعدة من التغطية الإعلامية التي لم توقفها الحكومة في الأغلب – قد يحمل تداعيات بليغة. وأعرب عن خشيته من أن الأمر “سيأخذ وقتا طويلا” حتى تتراجع التصرفات العنصرية.
وفي مدينة جمشيدبور في شرق الهند قالت امرأة مسلمة حامل إنها عندما ذهبت إلى المستشفى لتحصل على الرعاية فإنها لم تحصل عليها بسبب اتهامها بنشر الفيروس، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم وضعت مولودا ميتا، وقالت الشرطة إنها تحقق في الحادثة.
وقالت روخسار بارفين، وهي طالبة مسلمة (15 عاما) من بهاتبارا في ولاية غرب بنغال، إن عائلتها كانت تحصل على ماء للشرب من صنبور عام، لكن جيرانهم الهندوس منعوهم خوفا من العدوى. ولذلك فإن العائلات المسلمة تشرب من صنبور آخر مياهه غير صالحة.
وقالت بارفين: «لدينا شعور سيئ.. لماذا يتعاملون معنا هكذا؟».
وانتشرت أخبار كاذبة بين المسلمين بما في ذلك من خلال رسائل على واتساب تدعي بأن السلطات تأخذ المسلمين وتحقنهم بفيروس كورونا. وتلك الأخبار الكاذبة تسببت بالاعتداء على عمال الصحة في مدينة آندور عندما زاروا منطقة يقطنها مسلمون، بحسب سوراج فيرما، وهو مسؤول شرطة كبير في المدينة.
وفي بعض الحالات تسببت الاتهامات بأعمال عنف، إذ كانت زارين تاج، الناشطة المسلمة (39 عاما)، تقوم بتوزيع المواد الغذائية على الفقراء في مدينة بنغالور، فاتهمها مجموعة من الرجال بأن فريقها يبصق في الطعام وينشر فيروس كورونا، واعتدي عليهم بالعصي.
وقال بيرماشانكر غولد، نائب قائد الشرطة، إن ثلاثة أشخاص اعتقلوا ولكنهم ينكرون أن فعلهم كان على أساس ديني.
وقالت تاج التي تألمت بسبب وقوع هذا الحادث: «نستطيع حماية بلدنا من هذا المرض إن اتحدنا.. إن هذا هو وقت التضامن وليس وقت الفرقة والكراهية».
وبالنسبة إلى سهيم الدين، ضابط الجيش المتقاعد الذي هوجم في هاريانا، فإنه خرج من المستشفى وهو يتعافى في بيته. ولكنه فقد مقدرته على الكلام، وتحقق الشرطة في الاعتداء.
وقال ابنه أكيب الذي يعمل مهندس برمجيات: «تقضي 26 عاما تخدم البلد.. ثم تعامل هكذا لمجرد كونك مسلما».