مقال عزام التميمي..
فلسطين ليست قضية المشارقة دون المغاربة وإنما هي قضية الأمة، ومن يتخلى عن القدس يتخلى عن مكة والمدينة. فكونها جغرافيا في المشرق لا يعني أنها مسؤولية المشارقة وحدهم، بل هي مسؤولية المسلمين في كل الأرض.
يأخذ علينا بعض من يعترضون على انتقادنا لتوقيع العثماني، رئيس وزراء المغرب، على اتفاق التطبيع بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني إننا معشر المشارقة لا نفهم تعقيدات الوضع في المغرب وما يخضع له السياسيون فيه من حسابات وإكراهات لا مفر معها من أن يسمعوا للملك ويطيعوه في كل ما يأمر وينهى، وأن المغرب له خصوصية بسبب من فيه، ومن هاجر منه إلى فلسطين المحتلة، من يهود مغاربة يعتبرون من مواطنيه وما تزال في أعناقهم بيعة لملكهم.
ومن ذلك ما خرج به علينا كاتب مدافع عن التطبيع المغربي بالقول إن: «الإخوة في المشرق العربي لم يبذلوا يوما الجهد المطلوب لفهم الحالة المغربية التي جعلت رئيس الأمن القومي الصهيوني مئير بن شبات، الأمازيغي المغربي، يقدم الولاء لملك المغرب وهو في زيارة رسمية ممثلا للكيان. نفس الحالة جعلت الإسلامي سعد الدين العثماني، الأمازيغي المغربي، يتحمل مسؤوليته السياسية في توقيع الاتفاق مع الكيان الصهيوني، وهو أعلم من غيره بمرجعيته الإسلامية ومما اقترفت يداه في مقالات الماضي واتفاقات الحاضر. وهي نفس الحالة التي جعلت اليهودي سيون أسيدون، الأمازيغي المغربي، يتزعم كل المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني والمنددة بالإجرام الصهيوني».
انتقد تطبيع الإمارات ووقع بنفسه اتفاق تطبيع المغرب
انتقادات لاذعة لرئيس الحكومة المغربية بعد وصول قطار التطبيع للرباط pic.twitter.com/9srrfodoMk— شبكة رصد (@RassdNewsN) December 24, 2020
لا أقبل أنا العربي المسلم بأن أصنف مشرقيا مقابل إخوة لنا في الدين يصنفون على أنهم مغاربة. فأنا أعرف أن إخواننا في المغرب وفي الجزائر وفي موريتانيا وفي تونس وفي ليبيا كما إخواننا في كل المشرق العربي بل والعالم الإسلامي لا يقلون تمسكا عنا بفلسطين وكراهية للصهاينة ورجاء في أن يكون لهم سهم في تحرير مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الغزو الصهيوني الغربي المقيت. ومن كان لديه شك في ذلك فليتأمل في ردود ومواقف إخواننا من بلاد المغرب وفي تعليقاتهم على هذا الحدث في مواقع التواصل الاجتماعي، وليتأمل في جهود من أبوا رغم القمع المخزني الشديد إلا الخروج إلى الشوارع تنديدا بالهرولة نحو الحضن الصهيوني.
أعلم يقينا أن من يدافعون عن التطبيع ويسموننا مشارقة ويصموننا بالجهل بأحوالهم لا يمثلون أهل المغرب فيما يقولون، بل كل من يبررون الخذلان بمختلف الذرائع، هم الذين ينبغي أن يوصموا بالجهل، جهل مدقع بتاريخ فلسطين وحاضرها. لا يعلم هؤلاء فيما يبدو أن المغاربة لهم تاريخ في فلسطين يمتد قرونا على الأقل حتى القرن الثاني عشر الميلادي، إذ جاء جلهم فاتحين مع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله واستقروا بعد التحرير في القدس فسمي حيهم، الذي لايزال موجودا رغم محاولات الصهاينة تدميره وطمس معالمه، باسم حارة المغاربة.
تتحدّث التقديرات عن أن المغاربة شكلوا ما بين 20-25% من الجيش الذي قاده صلاح الدين الأيوبي وانتصر به في معركة «حطين» التي استرجع فيها القدس من يد الصليبيين في يوليو سنة 1187. وبعد نهاية الحرب وانتصار المسلمين في معركة القدس، تمسّك صلاح الدين الأيوبي بالمغاربة وطلب منهم الاستقرار بشكل دائم في المدينة، وأقطعهم الأرض التي ستصبح فيما بعد «حارة المغاربة».
بل إن بعض أشهر وأعرق عائلات فلسطين اليوم هم من ذرية أولئك المغاربة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عائلات العلمي والمصلوحي والريفي وحبوش.
وأما فيما يتعلق باليهود المغاربة، فلا شك أن منهم من لا يوافق الصهاينة، بل وحتى يعاديهم، وهؤلاء لهم كل الاحترام والتقدير، وذمة الله ورسوله. أم اليهود الصهاينة منهم، والذين يقال لنا اليوم إن في أعناقهم بيعة لملك المغرب، فإنما جاءوا إلى فلسطين غزاة ضمن حملة استعمارية غربية حاقدة على الأمة بأسرها، فاحتلوا ديارنا وشردوا أباءنا وأمهاتنا، وها هم اليوم يشاركون في حرماننا وأبنائنا من حق العودة إلى ديارنا بينما من حقهم، وحق أي يهودي في أي مكان في المعمورة، أن يستقل الواحد منهم طائرة وينزل في مطار بن غوريون وبمجرد أن تطأ قدماه أرض فلسطين يصبح مواطنا له كامل الحقوق، بل ويطلق له العنان حتى يعيث في بلاد المسلمين فسادا.
ومن جهل من يعتزون بمواطنيهم «الصهاينة» من أصحاب الجنسية المزدوجة أنهم لم يطلعوا على أفعالهم وسلوكياتهم، فصهاينة المغرب من أعتى الصهاينة ومن أكثرهم لؤما وأشدهم سطوة وأفظعهم إجراما بحق الفلسطينيين، وجلهم في المنظومة السياسية الصهيونية ينتسبون إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة، ثم يأتي هؤلاء ليحتفوا بهم في المغرب على أنهم مواطنون مغاربة في أعناقهم بيعة لملك المغرب.
ويتهمنا بعض هؤلاء بأننا لا نقدر حساسية موضوع الصحراء بالنسبة للمغرب والمغاربة، وهذه تهمة باطلة، فأنا شخصيا، وكثيرون مثلي من عرب المشرق، يتطلعون إلى اليوم الذي تتوحد فيه أمتنا وتزال فيه الحدود المصطنعة التي أقامها المستعمر بين أمصارها وأقوامها، فنحن ورغم أننا مازلنا نعاني من ويلات وتداعيات سايكس بيكو، مازال يشدنا الحنين إلى أمة واحدة من المحيط إلى الخليج بل وما بعد الخليج.
ولكن لا يقبل عاقل بأن يكون ثمن الاعتراف الأميركي «أو حتى الدولي – لو تحقق» للمغرب بالسيادة على الصحراء هو مساندة الاحتلال الصهيوني في بلادنا، والإقرار له بكل بالحق فيما يرتكبه من جرائم ضدنا، وإضفاء الشرعية على وضع جائر يعتبر في نظر القانون الدولي منتهكا للشرعية ناهيك عما فيه من اعتداء صارخ على أبسط حقوق الإنسان ليس الفلسطيني فحسب بل والعربي والمسلم. ثم ماذا يعني اعتراف ترامب بالسيادة على الصحراء إذا كانت المملكة المغربية فعليا تسيطر على جل الصحراء منذ أكثر من أربعين عاما. إن الاحتفاء بإعلان ترامب هو تضليل وتدليس، بل هو فجور وإفلاس إذ يتم الاحتفال بالمكرمة الترامبية رقصا داخل حلبة الاحتلال الصهيوني في أحضان من أياديهم تقطر من دم أهلنا في فلسطين. إنها لعمرك من المهازل التي لا يقبل به إنسان صاحب مبدأ ولا يقول به عاقل، إلا أن تكون قضية الاعتراف بسيادة الصحراء مجرد ذريعة لتقديم خدمة مجانية للصهاينة.
لقد أثبتت لنا ثورات الربيع العربي بما لا مجال للريب معه أن أغلبية الشعوب في العالم العربي ليست على دين ملوكها، ولا أدل على ذلك من أن هذه الشعوب إما خرجت ثائرة ساخطة مطالبة بإسقاط أنظمة الاستبداد والفساد من المحيط إلى الخليج أو تعاطفت مع أولئك الذين خرجوا في شوارع وأزقة مدن وقرى تونس ثم مصر فسوريا والبحرين واليمن وليبيا والمغرب والعراق. ولولا ما تتعرض له الشعوب العربية والمسلمة من بطش وتنكيل، ولولا أن قياداتها الفكرية والعلمية الحرة تقبع خلف القضبان في سجون الطغيان، أو هجرت إلى المنافي، لرأي الناس مظاهرات مجلجلة في كل الأنحاء ضد الذين سخروا من ضمير الأمة، وتحدوا إجماعها، وخانوا الله ورسوله والمؤمنين، وأعطوا الدنية لأعداء الدين.
وفيما يتعلق بمشاركة حزب العدالة والتنمية في الحكم، فمازالت الذاكرة حية بظروف ذلك. ربما نسيها أو تناساه بعض من يسعون لتبرير موقف العثماني وبنكيران ومن على شاكلتهما، ولكننا نذكر جيدا أنه لولا خروج المغاربة إلى الشوارع مطالبين النظام بالإصلاح أو الرحيل، لما تسنى أصلا لبنكيران ثم للعثماني أن يصبحا رئيسي حكومة، بل كانت مشاركة حزبهما في السلطة ثمرة من ثمار غضبة الشارع المغربي على النظام الملكي، فألقى إليهم الملك بجزرة السلطة بعد أن أفلست عصا الاستبداد، وأدخلهم في مشروع شراكة في الحكم واعدا بنقل بعض من صلاحياته إلى الحكومة المنتخبة برلمانيا، فاستجابوا هم رغبة في أن تكون تلك سبيل الإصلاح السلمي تجنيبا للمغرب لما آلت إليه أوضاع بعض البلدان الأخرى وخاصة سوريا وليبيا واليمن. وليته صدق في توجهه. بل بمجرد أن انطفأت جذوة الربيع العربي، ونجح الانقلاب على الديمقراطية في مصر، لم يعد يشعر بأنه مضطر للتنازل للشعب عن شيء من سلطاته، بل سحب البساط من تحت أرجل الحكومة المنبثقة عن البرلمان وحولها بالتدريج إلى مجرد أداة من أدوات سلطانه الجائر.
ليس من المنطقي ولا الطبيعي أن يُعتبر فرد واحد، سواء اسمه الملك أو الرئيس أو الأمير، مرجعا نهائيا وحصريا فيما يعتبر المصلحة العليا للبلاد والعباد، حتى وصفه أحدهم في مقال له بالقول إنه «جلالة الملك بما له من صفات ومسؤوليات وصلاحيات رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها». لن تجد عاقلا حرا كريما يقبل بمثل هذا التقديس وإضفاء مثل هذه العصمة على حاكم. فمهما افترضنا في هذا الفرد – الملك – من علم وحكمة وخبرة وحتى إخلاص، فإنه يظل عرضة للخطأ والنسيان، ناهيك عن الوقوع في الهوى والخضوع للنزوات أو التحول إلى مطية لبطانة فاسدة. بل أحرى به أن يضل ويستبد وينحرف ويفسد إذا لم يجد من يرشده أو يقومه أو يردعه، وذلك هو العمود الفقري والشريان التاجي للديمقراطية.