قال الكاتب البريطاني «ديفيد هيرست»، في مقال نشرته صحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية وترجمه موقع «عربي 21» إن توجه ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» للمصالحة مع قطر، ورفع الحصار عنها، وراءه دوافع سوداوية يحيكها الأمير الشاب.
وأضاف «هيرست» في مقاله: «إلى جانب الرغبة في إلقاء “عظمة” لرئيس الولايات المتحدة القادم، ربما تكون لدى محمد بن سلمان أسبابه الشريرة الخاصة به لإجراء المصالحة مع قطر. فهو يعلم أنه من خلال ذلك سوف يضمن، ولو إلى حين، قدرًا من الهدوء النسبي من قبل وسائل الإعلام التي تتحكم بها قطر، وعلى رأسها قناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية، والتي تتمتع بأكبر نسبة من المشاهدة في العالم العربي».
وفي ما يلي نص المقال كاملًا:
استغرق الأمر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ثلاثة أعوام ونصف حتى يصل إلى نفس الخلاصة التي وصل إليها بعضنا بعد أيام قليلة من فرض الحصار على قطر، ألا وهي أن الحصار سيبوء لا محالة بالفشل.
حُكم على مشروع إخماد صوت جار مستقل بالفشل منذ اللحظة التي علم فيها وزير الدفاع الأمريكي حينذاك جيمس ماتيس ووزير الخارجية حينذاك ريكس تيلرسون، رجل النفط السابق الذي تربطه بقطر علاقات قوية، بخطة غزو شبه الجزيرة وتدخلا لوقفها.
وبمرور الأيام لم تزدد قطر سوى قوة ومنعة، فقد وصلت إليها قوات تركية لتشكل حاجزاً ورادعاً، بينما فتحت إيران أمامها مجالها الجوي لتستخدمه، وبذلك ما كان الحصار لينجح بوجود الجسر الجوي الذي تمكنت قطر من خلاله من الالتفاف حول السعودية.
احتاجت قطر إلى شهور قليلة فقط لكي تتمكن من تدشين عملية ضغط سياسي كبيرة في واشنطن لإبطال ومواجهة النفوذ الذي كان يمارسه سفير الإمارات يوسف العتيبة نيابة عن السعوديين، وبذلك أوجدت لنفسها دعماً قوياً لموقفها. وكان قد بلغ الأمر بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لم يعر اهتماماً لحقيقة أن قطر كانت تستضيف أهم قاعدة جوية للبنتاغون في المنطقة، في العديد، عندما غرد من حسابه على تويتر معلناً موافقته على فرض الحصار في 2017.
في نهاية الأمر، بالغ الأمير السعودي في تضخيم ما كان يتمتع به ترامب من نفوذ وفي التهوين من شأن القوة المتبقية للمؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة. صحيح أن تيلرسون وماتيس غادرا المسرح السياسي منذ وقت طويل إلا أن الضغط باتجاه التراجع عن ذلك العمل الجنوني والأرعن لم يتراجع، بل ظل ينمو مع مرور الوقت.
ولما بات وشيكاً وصول رئيس أمريكي معاد، متمثل في شخص جو بايدن، أدرك ابن سلمان أنه حان الوقت لوضع حد لطيشه وحماقته. واليوم، لم تستجب قطر لأي من المطالب الثلاثة عشر التي كانت قد اشترطتها عليها دول الحصار، ولم يطرأ أي تغيير لا على استضافتها لبعض كبار الشخصيات في جماعة الإخوان المسلمين ولا على سياستها الخارجية. ولم يتم إغلاق قناة الجزيرة. وأما تحالف قطر مع كل من إيران وتركيا فلم يزدد إلا متانة.
وأما محلياً، فقد خرج أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من الأزمة أقوى شكيمة وأعز مكانة مما كان عليه قبلها لدفاعه عن البلاد في أجواء شهدت فيها الدولة تنامي الإحساس بالانتماء القومي. وغدت قطر أكثر اكتفاء بذاتها وأكثر ثقة بنفسها مما كانت عليه قبل الحصار.
“وفازت قطر”
فعلاً، لم تزد هذه الصدمة المزعجة قطر إلا قوة ومنعة، ونفس الأمر ينطبق على السياسة الخارجية لكل من تركيا وإيران.
في تصريح لصحيفة ذي فاينانشال تايمز، قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في دبي الذي كان واحداً من أشد المدافعين عن فرض الحصار قبل ثلاث سنين: “بإمكانك القول إن قطر فازت. كانت تكلفة الحرب مرتفعة جداً – ثمة إدراك الآن أن تلك هي النعجة السوداء في العائلة وأنه لا مفر من أن نتحملها. كانت تلك أسوأ ثلاث سنوات ونصف في تاريخ مجلس التعاون الخليج”.
إلا أن هذه الاستنتاجات لا تزال حتى هذه اللحظة محصورة في ابن سلمان، ولعله من المثير للاهتمام ملاحظة من الذي كان غائباً عن مسرح استعراض المودة الأخوية في قمة مجلس التعاون الخليجي يوم الثلاثاء.
لقد كان مشهوداً غياب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إضافة إلى غياب كل من عاهل البحرين الملك حمد ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي. إذ ما تزال البحرين تخوض نزاعاً حدودياً مريراً مع قطر بينما لم تزل مصر مرتابة في جدوى كل هذا المشروع، بدليل ما نقله موقع مدى مصر عن مصادر في الحكومة المصرية قولهم إن القاهرة لا ترى أساساً قوياً بما فيه الكفاية لفتح صفحة جديدة مع الدوحة، زاعمين بأن قطر ما تزال تشن حملة ممنهجة ضد النظام المصري.
ولاحظت المصادر أنه لم يتم تنفيذ أي من المطالب التي اشترطت على قطر – بما في ذلك إغلاق قناة الجزيرة وإغلاق القاعدة العسكرية التركية وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين وتخفيض مستوى العلاقات مع إيران. من المبكر القول ما إذا كان ذلك مؤشراً على تصدع جبهة القوى المضادة للثورة، والتي ما زالت متماسكة منذ أن مول أعضاؤها الانقلاب العسكري في 2013 الذي نجم عنه المجيء بالسيسي ثم تنصيبه رئيساً على مصر.
توترات حول اليمن وإسرائيل
هناك بالتأكيد ما يشكل أرضية لنشوب شجار بين المعلم ابن زايد وتلميذه ابن سلمان. هناك بادئ ذي بدء قضية الحرب في اليمن. فمن هو في واقع الأمر ذا الذي يدير التدخل التي تقوده السعودية وأمر به محمد بن سلمان في شهر مارس / آذار من عام 2015 – السعوديون أم الإماراتيون؟ وذلك أن ميليشيات ممولة من قبل الإمارات العربية المتحدة وموالية لها أحكمت قبضتها على الجنوب وتركت السعوديين ليواجهوا وحدهم الحرب التي لم تضع أوزارها مع الحوثيين في الشمال.
وأما مصدر التوتر الثاني فهو إسرائيل، إذ نصب الإماراتيون من خلال تصدرهم لعملية التطبيع مع إسرائيل أنفسهم في موقع الشريك الرئيسي لتل أبيب في منطقة الخليج. وكان تفاخر العتيبة بأن الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لديهما معاً أفضل وأقدر قوات مسلحة في المنطقة قد أثار موجة من الاستغراب في كل من الرياض والقاهرة.
في أول مقال يُنشر لدبلوماسي عربي في صحيفة إسرائيلية، تفاخر العتيبة قبل أن تبدأ عملية التطبيع في العام الماضي قائلاً: “بفضل ما لديهما من جيشين هما الأكثر كفاءة في المنطقة، واشتراكهما في حمل الهم حيال الإرهاب والعدوان، واحتفاظهما بعلاقات راسخة وطويلة مع الولايات المتحدة، فإن الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بإمكانهما نسج تعاون أمني أوثق وأكثر فعالية. ولكونهما الاقتصادين الأكثر تقدماً وتنوعاً في المنطقة، فإن توسيع الروابط التجارية والمالية بينهما من شأنه تسريع النمو والاستقرار في كافة أرجاء الشرق الأوسط”.
إلا أن ادعاء الإمارات بأنها الشريك الأساسي لإسرائيل قد يسبب مشاكل للملك القادم في المملكة العربية السعودية. ولعل مما كان مثيراً للانتباه في قمة مجلس التعاون الخليجي غياب عاهل المملكة الحالي، الملك سلمان، عنها.
إلى جانب الرغبة في إلقاء عظمة لرئيس الولايات المتحدة القادم، ربما تكون لدى محمد بن سلمان أسبابه الشريرة الخاصة به لإجراء المصالحة مع قطر. فهو يعلم أنه من خلال ذلك سوف يضمن، ولو إلى حين، قدراً من الهدوء النسبي من قبل وسائل الإعلام التي تتحكم بها قطر، وعلى رأسها قناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية، والتي تتمتع بأكبر نسبة من المشاهدة في العالم العربي.
انقسام المملكة
من الملاحظ أن تغطية الجزيرة للأحداث الجسام التي هزت العالم العربي تراجعت وخفت حدتها، فحتى قبل بدء الحصار، لم تخصص الجزيرة، على سبيل المثال، نفس القدر من الاهتمام للقصف المدمر الذي كانت تقوم به الطائرات المقاتلة السعودية في اليمن كذلك الذي أولته لأحداث الثورة في مصر عام 2011.
ومع أن المنتجين والمراسلين العاملين في قناة الجزيرة يتمتعون بهامش حرية أوسع بكثير من ذلك الذي توفره وسائل الإعلام المملوكة للسعودية والإمارات ومصر، إلا أن دولة قطر هي التي تضع يدها على جهاز التحكم بالصوت داخل القناة. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، ومنها قرار التخفف في تغطية أنباء محاكمة لجين الهذلول، الناشطة السعودية المعروفة التي حُكم عليها مؤخراً بالسجن لخمسة أعوام وثمانية شهور.
باستطاعة محمد بن سلمان أن يستخدم هذه المصالحة مع قطر لتحقيق غايتين: الإعلان عن اعترافه بإسرائيل وإقناع والده بأن يتنازل له عن العرش.
ما من شك في أن ابن سلمان يعتقد بأنه حان الوقت لأن يقوم بالأمرين معاً. فمنذ اللحظة التي بدأ فيها حملته للوصول إلى العرش، لم تزل إقامة علاقات سرية وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشكل حجر الزاوية في علاقة ابن سلمان مع جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي ترامب وزوج ابنته.
في هذه الأثناء تشهد المملكة انقساماً حاداً يمتد من أعلى قمة الهرم إلى قاعدته حول مسألة التطبيع مع إسرائيل. ما زالت الشخصيات الوازنة داخل العائلة في مجال السياسة الخارجية تعرب عن معارضتها الصريحة لذلك، ومن أبرزها رئيس المخابرات تركي الفيصل. بل إن الملك نفسه، والذي ما زال الأمير تركي مقرباً منه، يعارض ذلك، ولا مفر من أن يكون لهذه القضية أثر قوي على عموم المواطنين في المملكة.
الاضطراب القادم
من الخطوات الأولى في سبيل حل هذا الإشكال ضمان خفض حدة النقد الذي قد توجهه وسائل الإعلام العربية التي عرف عنها معارضتها لابن سلمان. وهذه ترتبط أساساً بقطر، وهو ما يفسر وجود كوشنر نفسه في قمة مجلس التعاون الخليجي.
ولكن رغم كل الألم إلا أن الجائزة كبيرة – ولسوف يرحب بذلك بايدن، الصهيوني الملتزم. حيث أن إلقاء المملكة العربية السعودية في أحضان إسرائيل يمثل جائزة حقيقية للتحالف الذي يجري بناؤه لتجاوز الفلسطينيين، وذلك أن المملكة العربية السعودية تبقى، بفضل حجمها وثروتها، بلداً عربياً “حقيقياً”.
مع وجوب الترحيب بحل الأزمة مع قطر، إلا أن الدوافع من وراء ذلك قد تفضي إلى مزيد من الفوضى في العالم العربي.