كتب-أسامة جاويش:
قبل عشر سنوات، أطاحوا بالديكتاتور حسني مبارك، لكنهم يعيشون الآن في المنفى في بريطانيا، وهم مهددون بالسجن في ظل النظام العسكري. بالنسبة لثوار مصر، كانت رحلة طويلة مليئة بالآمال الكبيرة والأحلام الضائعة.
يقول سيد (39 سنة): “كنت جزءا من تلك اللحظة التاريخية”. كان يعمل في الخليج في كانون الأول/ديسمبر 2010 عندما أضرم محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول في تونس، النار في نفسه احتجاجا على المعاملة السيئة من الشرطة. أثارت الحادثة التي حظيت بتغطية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، احتجاجات في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في مصر، حيث توافدت حشود كبيرة على ميدان التحرير في القاهرة للمطالبة بإسقاط مبارك. يقول سيد: “لقد ألهمتنا تونس. كنت أحلم بأن نتمكن من تغيير مصر”. عاد إلى وطنه في خضم تلك الأحداث وقام بدور قيادي في الثورة، وقال إنه “كان أفضل قرار اتخذته على الإطلاق”.
في 25 يناير 2011، وبعد 18 يومًا من الاحتجاجات، تنحى مبارك. يقول علي خفاجي (37 سنة)، القيادي الشاب في جماعة الإخوان المسلمين المعارضة للنظام السابق: “لقد كان يوما مشهودا. لقد زعزعنا عرش مبارك وأنهينا 30 سنة من الفساد والظلم والخوف”.
أما هاني محمود (41 سنة)، والذي عمل كمسؤول في حملة المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، فقد كان في شوارع القاهرة عندما سقط النظام. يقول محمود: “كان اليوم الخامس والعشرون مليئا بالأمل بالنسبة لنا جميعا. أخيرا سنحصل على العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتغيير نحو الأفضل”.
لم تدم تلك الأحلام طويلا. في الثالث من يوليو 2013، انقلب الجيش على حكومة الثورة. أزاح قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر المنتخب محمد مرسي، ووصف الثورة بأنها مؤامرة على الجيش، وعلّق العمل بالدستور الجديد.
شن السيسي موجة واسعة من الاعتقالات ضد خصومه السياسيين وارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. في الواقع، يوجد في مصر الآن 60 ألف سجين سياسي، معظمهم نشطاء شباب وسياسيون وصحفيون وأطباء عارضوا النظام. يقول سيد: “كنا سذّجا، لقد هزمتنا الثورة المضادة. دمر النظام حياتي في مصر، لقد سجنوني وعذبوني وهددوني. لم يتركوا لي أي خيار إلا الفرار من بلدي”. وصل سيد إلى لندن في سنة 2018 وطلب اللجوء هربا من بطش النظام المصري.
يعيش علي خفاجي حاليا في مدينة مانشستر، وقد استهدفه نظام السيسي لأول مرة سنة 2013، قبل أن يهرب إلى المملكة المتحدة في 2019. يقول خفاجي في هذا السياق: “أصدر نظام السيسي ضدي حكما غيابيا بالسجن 50 سنة، وجمّد كل الأصول التي أملكها، وأُدرج اسمي على قائمة المطلوبين للعدالة”.
صورة لمحمود، أحد الفارين من نظام السيسي، في منزله باسكتلندا الشهر الماضي.
من جانبه، طالب محمود باللجوء في المملكة المتحدة وهو يعيش الآن في اسكتلندا مع أسرته. يعتبر محمود نفسه محظوظًا لأنه نجح في الهرب في الوقت المناسب، ويوضح قائلا: “أنا محظوظ لأنني لاجئ في المملكة المتحدة. على حد علمي، استهدف نظام السيسي كل من آمنوا بالثورة أو شاركوا فيها. لديّ الكثير من الأصدقاء الذين قُتلوا أو سُجنوا أو تم نفيهم”.
بعد مرور عقد على الإطاحة بمبارك، يشعر الثوار بالإحباط والسخط لأنهم لم ينجحوا في إرساء نظام ديمقراطي في مصر، وهم يبذلون كل ما بوسعهم حاليا لإخراج المعتقلين من السجون. يقول سيد إنه ترك العمل بالسياسة، ويضيف أن “الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله الآن هو تنظيم حملات من أجل الإفراج عن أصدقائنا الذين يقبعون في السجون”.
يعمل محمود بدوره على ملفّ المعتقلين، ويقول في هذا الصدد: “من غير الأخلاقي تجاهل معاناة أصدقائنا في السجون، أو نسيان أولئك الذين قُتلوا في سبيل الثورة”.
تختلط مشاعر الثوار تجاه المملكة المتحدة، فمن جهة، يشعرون بالامتنان لحصولهم على اللجوء، لكن الكثيرين غاضبون من علاقات بريطانيا مع النظام العسكري في مصر. في هذا الشأن، يقول محمود: “طالما استمرت الدول القوية مثل أمريكا وبريطانيا في ربط علاقات مع نظام السيسي وتجاهل جرائمه، سوف يستمر وجود الأنظمة الديكتاتورية. إنه أمر مخز أن تمنحني المملكة المتحدة الحماية ضد السيسي، وتواصل التعامل معه”.
مع ذلك يبقى الأمل قائما، ومن المتوقع أن تُلهم الثورة الجيل القادم من النشطاء المصريين. يقول علي خفاجي: “لن أستسلم أبدًا. سنواصل ما بدأناه في 2011، فالعوامل التي أدت إلى اندلاع الثورة قبل 10 سنوات مازالت قائمة حتى يومنا هذا. عاجلا أم آجلا سوف يخرج المصريون إلى الشوارع مرة أخرى للمطالبة بمستقبل أفضل”.
ويقول سيد بدوره: “لقد فعلناها مرة ويمكننا أن نفعلها مرة أخرى. رغم فشل الثورة، ترك جيلنا دروسًا رائعة للأجيال القادمة “. في الواقع، يعد هذا الطموح آخر ما بقي من الثورات التي هزت الشرق الأوسط وأطاحت بأقوى الديكتاتوريات في المنطقة. في هذا الإطار، يشير محمود: “الإرث الوحيد الذي تركته الثورة رغم كل الخيبات، هو الأمل”.