شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هل تكون المعارضة المصرية في تركيا ضحية التقارب بين البلدين؟

رسائل غزل متتالية من أنقرة إلى القاهرة على مدى الأيام الماضية تفتح الباب للحديث عن تطبيع محتمل للعلاقات بين البلدين بعد 8 سنوات من القطيعة والعداء المتبادل، لكن عشرات الآلاف من المصريين الذي فروا إلى تركيا يشعرون بالقلق على مصيرهم في ضوء مطالبة نظام السيسي بغلق القنوات التلفزيونية المصرية التي تبث من إسطنبول والتضييق على معارضيه المنفيين هناك وهو ما ترجم سريعا إلى طلب تركي من مديري هذه القنوات بخفض سقف انتقاداتها لنظام السيسي وتغيير لغة خطابها مع التهديد بإمكانية غلقها في دلالة على الرغبة القوية لإعادة العلاقات بين البلدين.

جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي أعلن عودة الاتصالات الدبلوماسية مع مصر تبعه سيل تصريحات من مسؤولين أتراك كبار عن القيم التاريخية والثقافية المشتركة إلى جانب إشارة لافتة من عمر جليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم بأن شراكة بلاده مع مصر لا تعني تخليها عن “موقفها السياسي من إرساء الديمقراطية” في إشارة للموقف التركي الرافض لانقلاب السيسي في الثالث من يوليو عام 2013 وهو ما سبب تدهور العلاقات بين البلدين.

في المقابل رحبت مصر بالرسائل التركية وأكد سامح شكري وزير خارجيتها في جلسة أمام البرلمان وجود اتصالات ضمن القنوات الدبلوماسية لكنه اشترط تغيير السياسة التركية إذا ما أرادت أنقرة المضي في التطبيع الكامل للعلاقات قائلا إن “الأقوال وحدها لا تكفي”، وكانت وكالة رويترز قد نشرت أن اتصالات استخباراتية قد جرت مؤخرا بين البلدين وأن أنقرة طلبت عقد اجتماع في القاهرة لمناقشة القضايا العالقة وهو ما رحبت به الأخيرة.

التضحية بالمعارضة؟

عمرو خطاب الأمين العام السابق لحركة طلاب مصر القوية والذي اضطر للاستقرار في إسطنبول بعد مطاردته من نظام السيسي يرى أن التهديد بغلق القنوات المعارضة يمثل اتجاها لتصفية الملف الإعلامي خلال عدة أشهر وأن استجابة أنقرة لشروط القاهرة تثير تخوفات المصريين الذين لجئوا إليها من احتمالية استهدافهم، ويذهب إلى أن تصريحات ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي حول عدم المساس بالمعارضين المصريين ليست كافية لطمأنتهم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذه القنوات افتقدت في كثير من الأحيان للمهنية وكان عليها أن تضع ميثاق شرف تلزم نفسها به بدلا من استخدامها كورقة تفاوض في يد الأتراك.

عمار فايد باحث الدكتوراه بجامعة إسطنبول آيدن يستبعد أن يذهب التقارب المحتمل بين البلدين بعيدا، إذ يتوقع ألا يتجاوز الأمر تفاهمات حول قضايا مشتركة على رأسها الصراع الليبي وغاز شرق المتوسط في محاولة من أنقرة لتخفيف حدة صراعاتها الإقليمية لأسباب داخلية اقتصادية وانتخابية بالإضافة لسعيها نحو فك التحالف المناوئ لها والذي يتكون من مصر واليونان وقبرص إلى جانب إسرائيل ودول عربية أخرى، ويعتقد بأن التزامات مصر تجاه هذا التحالف ستمثل العقبة الأبرز في طريق تقاربها مع تركيا التي لن تتخلى بسهولة عن دورها الإقليمي المنافس للقاهرة والذي سعت خلال السنوات العشر الماضية إلى تعزيزه لكنه يرى أن المساس بالمعارضة المصرية سيعني تغيرا استراتيجيا في رؤيتها.

في المقابل طالبت أصوات إعلامية مصرية مقربة من النظام بما أسمته “وقف إطلاق النار” قبل تطبيع العلاقات في إشارة لاشتراط غلق القنوات المعارضة، وكان السيسي قد تحدث علنا في أكثر من مناسبة منتقدا هذه القنوات وتوعدهم في إحدى المرات بالحساب قائلا: “وأي حد بقى يتكلم في القنوات التلفزيونية اللي بره دول يقولوا علينا ولا بتاع (ينتقدنا) والله كله هيتحاسب” ما يدل على تضرر نظامه من هذه القنوات وحرصه على التخلص منها.

المعارضة المصرية فشلت في ترتيب صفوفها بالخارج وتحولت إلى ظاهرة إعلامية تؤرق النظام لكنها لا تهدد وجوده وهذا ما أدركه الأتراك منذ سنوات، لذا توقفت أنقرة عن اعتبارهم ورقة سياسية وتعاملت معهم كمجموعة مضطهدة تستضيفها على أراضيها وتحولت مسؤوليتها إلى وزارة الداخلية وإدارة الهجرة لتنسيق الأمور الخاصة بالإقامات حيث يحظى نحو 30 ألف مصري بإقامات سياحية تجدد كل عام وتحصل أقلية ممن لا يملكون جوازات سفر صالحة على نوع من الإقامات الإنسانية فيما يُمنح كبار المستثمرين وبعض الشخصيات ذات النفوذ إقامات دائمة أو جنسية تركية، وهي صورة ربما تشبه في حال التقارب مع القاهرة استضافة تركيا لعشرات الآلاف من مسلمي الإيجور المضطهدين في الصين فيما تحرص في الوقت نفسه على علاقات ممتازة مع بكين.

ما الذي تغير؟

العلاقات المصرية – التركية تدهورت بشكل سريع عقب إزاحة الجيش للرئيس المنتخب محمد مرسي، ومع التدخل التركي في ليبيا بلغت حدة التوتر بين الطرفين أقصاها حيث وصلت إلى مرحلة التهديد بالمواجهة العسكرية، لكن يبدو التقارب الأخير نتيجة تغيرات إقليمية ودولية دفعت أنقرة للسعي نحو كسر عزلتها في شرق المتوسط وإعادة علاقاتها الجيدة مع دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات، ولا يبدو التغير في السياسة التركية بعيدا عن المصالحة الخليجية التي أعادت العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة ودول الرباعية العربية التي فرضت عليها حصارا في منتصف عام 2017 ما دفعها للتحالف مع أنقرة بهدف حمايتها من أي سيناريوهات غير متوقعة.

انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتحدة كان واحدا من أبرز الدوافع لإعادة اللحمة إلى البيت الخليجي وتهدئة الصراعات بين الأطراف الإقليمية المتنازعة، ولا شك أنه مثل كذلك تحديا أمام مصر وتركيا لاسيما وأن البلدين كانا يرغبان في استمرار ترامب لارتباط مصالحهما معه بدرجة أكبر، ويبدو صمت أنقرة عن تقرير المخابرات الأميركية الذي حمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية مقتل الصحفي جمال خاشقجي مفهوما في هذا الإطار، فيما أجرى أردوغان مكالمة هاتفية مع الملك سلمان في نوفمبر عام 2020 هدفت لتحسين العلاقات بين البلدين وهو ما كرر الرئيس التركي التعبير عنه مؤخرا في انتقاده لإجراء السعودية مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان قائلا: “يحزننا انخراط السعودية حاليا في مناورة مشتركة مع اليونان، لا نود أن نرى المملكة تتخذ مثل هذا القرار“.

مصر وتركيا تجمعهما قضايا مشتركة على رأسها ملف الغاز في شرق المتوسط إلى جانب الصراع الليبي، في المتوسط تسعى أنقرة لتفكيك التحالف المناوئ لها كما يدعم تقاربهما في هذا الملف اتفاقهما حول الجرف القاري واحترام القاهرة للاعتراضات التركية عندما وقعت اتفاقية ترسيم حدودها البحرية مع اليونان ما دفع أنقرة لطلب ترسيم حدودها مع القاهرة بما يفيد البلدين لكن ما يعيق ذلك هو التقارب المصري – اليوناني على مدى السنوات الماضية، في ليبيا يبدو الأمر أكثر مرونة فالقاهرة تخلت قليلا عن دعمها للجنرال خليفة حفتر بعدما فشل في غزو العاصمة طرابلس كما أعادت علاقاتها مع الغرب الليبي وانضمت للاتفاق السياسي الذي منح الضوء الأخضر لاختيار حكومة توافقية جديدة ما يرجح إمكانية التفاهم بين البلدين بما يخدم السلام والأمن في ليبيا ويحقق المصالح المشتركة لهما.

ثمة ملفات عديدة ومصالح متشابكة تجمع مصر وتركيا ويبدو أن البلدين باتا يدركان أن 8 سنوات من القطيعة تكفي وأن عليهما العمل معا على مستوى أعلى، لكن رغم ذلك يشكل إرث السنوات الماضية تحديا كبيرا يصعب تجاوزه وتمثل عملية بناء الثقة الجزء الأصعب في تطبيع العلاقات، لذا سيحرص الطرفان على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من بعضهما البعض.

ضياء طارق – كاتب صحفي

 ايجيبت ووتش



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023