لم يخفَ على جماهير الأمة خداع النظام السوري بشعارات المقاومة والممانعة، فلقد استطاع أن يخدع البعض في بداية الثورة السورية، إلا أن استمراره في القتل والقمع والإجرام الممنهج لم يبق مجالاً لذي عقل وحس إنساني أن يدعمه بأي شكل كان. فلو أننا صدقنا رواية النظام الرسمية القائلة بأن معظم مشاهد الثورة مصطنعة، لكان واحد في المئة مما يحدث سببًا كافيًا لرحيل النظام بأسره إلى غير رجعة.
من غير المفهوم إصرار القلة التي ما زالت تدعم النظام السوري على الاستمرار في دعمه، لا سيما وأن هذا الدعم لن يفيده شيئًا سوى كسب بضعة أنفاس إضافية حتى زواله الحتمي، كما أنه يزيد من سيول الدم السوري الغالي علينا والرخيص على النظام.
ما زال أنصار النظام يتحججون بوجود مندسين في صفوف الثوار ويتخذون ذلك سببًا للكفر بالثورة من أساسها، وإن كان الأمر كذلك فلا ندري لماذا يتخذون من القضية الفلسطينية شعارًا لهم، مع العلم بأن مجموعة غير قليلة من الفلسطينيين باعت القضية منذ زمن بعيد، وكثير من القيادات الفلسطينية اليوم لا تتحرك إلا بإذن مسبق من الشاباك الإسرائيلي وتأتمر بأوامر القيادات الأمنية الصهيونية في الصغيرة والكبيرة. وكان كلام رئيس السلطة الفلسطينية وفتح محمود عباس واضحًا الأسبوع الماضي في ذكرى وعد بلفور بتنازله عن حق العودة ومعظم فلسطين التاريخية، وبالتالي إنكاره حتى لحقنا في الداخل الفلسطيني بالعيش على أرضنا. فلم لا يتوقف انصار النظام السوري عن دعمهم المزعوم للقضية الفلسطينية وقد باعها كثير من الخونة الفلسطينيين؟
في كل ثورة على وجه الأرض يوجد خونة ومنافقون، حتى في زمن النبوة كان الأمر كذلك. هذه الحقيقة لا تبرر التخاذل عن نصرة الثورة لا سيما وأن أهدافها نبيلة ومشروعه، وأذهب إلى القول بأن من لا يدعمها ويقف ضد أهلها آثم.
منذ بداية الثورة السورية قتل نظام الأسد ما يزيد عن 500 فلسطيني في مخيمات اللاجئين بالقصف وغيره. ومؤخرًا قام باقتحام مكاتب حماس وإغلاقها، بعد تخوين قيادتها من خلال شبيحته ونبيحته الإعلاميين. فالمقاومة مقاومة ما دامت لا تخالف النظام، أما إذا خالفته فيبدأ بمقاومة المقاومة.
المتضرر الأكبر يبقى الشعب السوري الذي ما زال كريمًا حتى في تقديم الشهداء دفاعًا عن حقوقه وكرامته، وحقوق وكرامة الأمة من خلفه، ولكننا واثقون من أن دماءه الزكية لن تذهب هدرًا مهما تآمر عليه القريب والبعيد. إن حمام الدم في سوريا لن يتوقف حتى يتم قطع رأس النظام، والتطهير بعد ذلك لن يطول بحول الله وقوته.
أما بالنسبة للمقاومة فإنها تمر الآن بمرحلة إعادة صياغة، تنتهي في آخر المطاف لصالح الشعوب بشكل خالص وليس لمصلحة أنظمة ذات أجندات سياسية عدوانية توظف المقاومة في صالحها، هذا إذا بقيت الشعوب صاحية وواعية. فحماس نجت من الوقوع في الفخ الأسدي بشجاعة لا مثيل لها وهنيئا لها ذلك، فقد أثبتت أنها تنحاز للمبادئ وليس المصالح وكسبت قلوب أبناء الأمة. أما حزب الله فقد ورطته قيادته للأسف في وحل يحتاج الخروج منه إلى وقت طويل، هذا إذا كان حظه إيجابيًا في المستقبل، ولا أستبعد ولادة تكتلات جديدة من حزب الله ذات مرجعية أكثر اعتدالاً، تدعم المقاومة ولكن ليس على حساب الشعوب، لا سيما وأن أحد شعارات الحزب الرئيسية كان نصرة المستضعفين والمظلومين.
إن المقاومة التي تضع كل بيضها في سلة واحدة مقاومة مصيرها الفشل، وإن المقاوم الأعور مصيره الهلاك، والمقاومة التي لا تقف مع حقوق الشعوب وإن اختلف جنسها ولونها ودينها بل تقف ضدها ليست مقاومة بل شعارات ومساومة، ومصيرها لن يختلف عن مصير نظام مقاومة المقاومة.