هاجمت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، الاستحواذ السعودي على نادي «نيوكاسل» العريق، معتبرة أنه «أحدث المؤشرات على حالة التوعك الوطني» في البلاد.
وأضافت في التقرير الذي ترجمته «عربي21»، أن وراء الاستحواذ السعودي «أموال مشبوهة»، مشيرة إلى أن من يستغرب ترحيب بريطانيا بها، فهو غير منتبه لما كان يجري حوله مؤخرا.
وشددت على أن وراء هذه الصفقة هدف رئيس هو غسل سمعة السعودية حقوقيا من خلال الرياضة.
وقالت إنه «يحتمل أن يظل الترحيب بالمال القذر سياسة وطنية، وخاصة بعد أن أضر الخروج من الاتحاد الأوروبي بالاستثمارات الأجنبية المباشرة».
وتاليا النص الكامل:
في مسرحية جون أوزبورن عام ١٩٥٧ بعنوان «الفنان الترفيهي»، يغدو موسيقي القاعات الكهل آرشي رايس، والذي أفل نجمه، رمزاً لأفول بريطانيا الكهلة ذاتها. يتفاخر رايس بشكل مثير للشفقة قائلاً: «لقد عزفت أمامهم جميعاً، الملكة ودوق أدنبرة، وأمير ويلز، وكذلك…. ماذا كان اسم تلك الحانة؟» كل من يرغب في تصوير بريطانيا اليوم يمكنه استخدام صورة أخرى: نادي كرة قادم فاشل يعاني من ضائقة مالية، لم يكسب مباراة واحدة منذ عقود، يبيع آخر موجوداته، المتمثلة في تراثه، إلى نظام دكتاتوري أجنبي ثري ومجرم. لقد غدا بيع نادي نيوكاسيل بمبلغ ٣٠٠ مليون جنيه إسترليني إلى مجموعة يقودها صندوق السيادة السعودي رمزاً على الانحطاط الأخلاقي لكرة القدم الإنجليزية. ولكن لم إفراد كرة القدم بالأمر وقد بات المرض حالة وطنية عامة؟
بعد أن كان أقطاب لصوص أمريكا يشترون الصحف ويهبون العطايا للمتاحف، ها هم الشيوخ والأوليغاركيون اليوم يشترون المكانة من خلال كرة القدم. ما لبث حكام الدول يدخلون عالم هذه الرياضة منذ عام 2008 عندما اشترت العائلة الحاكمة في أبوظبي نادي مانشستر سيتي. دخلت السعودية هذه اللعبة متأخرة، إذ ظلت حتى حين تراقب بحسد خصمها قطر وهي تستخدم الرياضة لتحسين سمعتها. فقد اختيرت الدويلة لتكون مضيف مباريات كأس العالم للعام 2022، واشترت نادي باريس سانت جيرمان، حيث حشدت لنفسها بعض أمهر لاعبي كرة القدم بما في ذلك ليونيل ميسي نفسه.
جرب السعوديون مختلف الطرق المؤدية إلى عالم كرة القدم. في عام 2018 كان المال السعودي والإماراتي مركزياً في عرض بقيمة 25 مليار دولار – تزعمه تجمع تكنولوجي ياباني باسم سوفت بانك لتنظيم مسابقتين دوليتين جديدتين، كأس أندية عالمي متجدد ودوري أمم على المستوى العالمي. ولقد أصاب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جاني إنفانتينو عندما وصف ذلك في حينه بأنه «أكبر استثمار تشهده كرة القدم على الإطلاق». إلا أن الخطط فشلت، كما فشلت مساعي المملكة العربية السعودية لاقتناص نصيب من مباريات كأس العالم التي من المقرر أن تستضيفها قطر.
لم يبق سوى نيوكاسل. تقول أماندا ستافلي، المستثمرة التي ساعدت في سمسرة الصفقة، بمنطق سخيف إن «اللجوء إلى الرياضة بهدف تحسين السمعة» لم تشتر ناديا مهددا بالانحطاط إلى مستوى أدنى. أما الحقيقة فهي أن «اللجوء إلى الرياضة بهدف تحسين السمعة» يستخدم أموال النفط لإعادة ترميم ناد مهدد بالانحطاط إلى مستوى أدنى وذلك حتى يربط الناس اسم بلدكم بالنجاح في مجال كرة القدم بدلاً من ربطه، لنقل، بالمنشار الذي استخدم لتقطيع أوصال الصحفي جمال خاشقجي بعد جريمة قتله.
لابد أن أي شخص يندهش من ترحيب بريطانيا بمثل هذا المال المشبوه لم يكن منتبهاً لما يجري. ما عليك سوى أن تتمشى في حي مايفير أو حي كينسنجتون. فمدينة لندن تفيض اليوم بمدراء الثروة والمحامين المختصين في قضايا تشويه السمعة، ووكلاء العقارات، ومستشاري العلاقات العامة، وبائعي البضائع الفاخرة، ومدراء المدارس الحكومية وسماسرة القطع الفنية، ممن يتعيش بعضهم من خدمة المجرمين الأثرياء. يرى هؤلاء الممكنون أنفسهم محايدين وأصحاب حرف ماهرين ممن يمارسون أعمالهم «معظم الوقت على كل حال» ضمن حدود القانون. ولذلك ثمة سبب وجيه من وراء وصم روبرتو سافيانو، الخبير الإيطالي في شؤون المافيا، لبريطانيا بأنها «أفسد بلد في العالم».
يستشري العفن حتى يصل إلى الرأس. يكفيك أن تتأمل في الصورة التي التقطت العام الماضي لرئيس الوزراء السابق دافيد كاميرون بينما هو جالس داخل خيمة، مرتدياً بذلة لا تتناسب مع رحلة الصيد التي يقوم بها برفقة شريكه في الأعمال ليكس جرينسيل سعياً لخطب ود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ثم هناك ما يزيد عن عشرين مليار جنيه إسترليني من الأسلحة – تبعاً لحسبة أجرتها الحملة ضد تجارة السلاح – التي باعتها بريطانيا للمملكة العربية السعودية منذ أن شن السعوديون حربهم على اليمن في عام 2015. في عام 2016، دعم بوريس جونسون مبيعات السلاح بالرغم من معارضة نواب البرلمان. بالطبع، ثمة بلدان غربية أخرى يسعدها بيع السلاح للسعوديين كذلك.
وبنفس الدرجة يبدو معظم مشجعي نادي نيوكاسل غير عابئين بالانتهاكات التي ترتكبها المملكة العربية السعودية ضد النساء والسجناء السياسيين واليمنيين وخاشقجي وغيرهم. هم فقط مسرورون بأن محمد بن سلمان قد يشتري بعض الكؤوس. علق الكوميدي مارك ستيل على ذلك مازحاً بقوله: «لو أن داعش كانت ذكية لقامت بدلاً من تفجير الأشياء هنا وهناك بشراء أندية كرة القدم في بلدنا. لو فعلت ذلك لكان معظم الناس في بلادنا قد أشادوا بها باعتبار عناصرها أبطالاً ومنقذين».
لم يكن شيء من ذلك محتماً. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين انضم كثير من الشركات والفرق الرياضية البريطانية، ولو متأخرة، إلى حركة مقاطعة جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري (الأبارتيد). تحظر ألمانيا اليوم على الأجانب شراء حصص الأغلبية في أنديتها الرياضية. ولكن لا تتوقعوا من بريطانيا اليوم اختيار تلك المسارات.
يحتمل أن يظل الترحيب بالمال القذر سياسة وطنية، وخاصة بعد أن أضر الخروج من الاتحاد الأوروبي بالاستثمارات الأجنبية المباشرة. في بلد عتيق، يعاني من نقص المهارات وتدني الإنتاجية، فإن الشيء الرئيسي الذي قد يرغب الأجانب في شرائه هو التراث، من المنازل الريفية إلى أندية كرة القدم.
نادي نيوكاسل مغر من هذه الناحية فهو قديم «إذ تأسس في عام 1892 – قبل أربعين عاماً من قيام المملكة العربية السعودية» ويأتي مجهزاً بشعار مخطوط باللاتينية نصه «إحراز النصر من خلال الدفاع الشجاع». وإذا ما أخذنا بالاعتبار دفاع النادي المهترئ تقليدياً – ستة عشر هدفاً تم تكبدها في سبع مباريات هذا الموسم – فقد يرغب في تغيير ذلك القول المأثور إلى شيء أفضل. ما رأيكم في هذه العبارة على سبيل المثال: «المال لا رائحة له»؟