رأى خبراء أن هناك تناقض الموقف الغربي والأميركي من انقلاب «عبد الفتاح البرهان» في السودان، والانحياز للمكون المدني والثوري ضد ممارسات الجيش الأخيرة، مقارنة بما جرى في مصر عام 2013، وانقلاب الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب، الرئيس الراحل «محمد مرسي».
وقال الخبراء إن عدة أسباب أدت إلي هذا الموقف المتباين من الانقلابين بالبلدين، سواء التطبيع من جانب السودان ومكونها المدني واستعادة العلاقات مع أميركا سريعًا وبشروطها كافة، مقابل مخاوف على أمن الاحتلال ودعم فلسطين وأهلها، خاصة في العدوان على غزة عام 2012 من جانب الرئيس مرسي وقتها.
وعقب الموقف الأميركي والغربي المتشدد من انقلاب عبد الفتاح البرهان، جرت مقارنات بين هذا الأخير وذلك المتراخي مع السيسي عقب انقلابه على مرسي.
وكانت أبرز هذه المقارنات، ما جاء في تغريده للإعلامي المعروف أحمد منصور على حسابه في “تويتر” جاء فيها: “ما هو السر الذي يجعل الولايات المتحدة والدول الغربية يدعمون انقلاب عبدالفتاح السيسي في مصر ويتغاضون عن كل جرائمه وسجونه ومعتقلاته، ويقفون بشدة ضد انقلاب عبدالفتاح البرهان في السودان ويطالبون بالإفراج عن المدنيين وعودتهم للسلطة؟”.
ووصف الباحث في الشأن العربي والأفريقي بمركز الأهرام سامح راشد، موقف الغرب والولايات المتحدة من السودان بالبراغماتي، بمعنى أنه طالما حافظت الخرطوم على المصالح والثوابت بالنسبة له، من قبيل التطبيع مع إسرائيل أو الالتزام، وهو ما تم بالفعل عقب ثورة السودان.
وأشار في حديث لـ”عربي21″ إلى أن العنوان الأبرز كان استعادة العلاقة سريعا مع أميركا، ثم الإعلان، وهنا لم تكن هناك مشكلة مع المكون المدني المشارك في السلطة، وعليه كان يجب الحفاظ عليه، وإن كان هذا لا يعني إقصاء الجيش السوداني من المشهد، ولكن الضغط على البرهان للعودة للشراكة مرة أخرى، ولكن ربما بشروط وقواعد جديدة.
– الموقف من حرب غزة والاكتفاء الذاتي أبرز الأسباب
وفيما يخص المقارنة بين الموقف الغربي من مصر عقب تحرك الجيش في يوليو 2013 والموقف الحالي من السودان، أوضح الباحث بمركز الأهرام، أن هناك اختلافا بالتأكيد لأسباب عديدة؛ أولها اختلاف التوقيت والتوازنات بالمنطقة، كذلك أن المكون المدني أو الثوري بالسودان استجاب للتطبيع سريعا، بينما حكم مرسي كان له موقف مختلف، خاصة تجاه العدوان على غزة، بالإضافة لرسالة مؤتمر سوريا الشهير باستاد القاهرة، وحشد التيار الإسلامي فيه، فضلا عن إعلان مرسي في أكثر من مناسبة، أنه يحاول أن يحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والسلاح.
ورأى الباحث، أن كل هذه المواقف أرسلت رسائل غير مطمئنة للغرب، وكانت سببا في عدم دعم مرسي، على أساس أن السيسي ورجاله سوف يكونون أكثر واقعية ويتلافون أخطاء الإخوان التي كانت سبب غضب داخلي عليهم أيضا.
– الاستجابة السريعة للتطبيع وعودة العلاقة مع أميركا
بدوره أكد خبير العلاقات الدولية السيد أبو الخير، أن ما جرى بمصر عام 2013 قياسا بما يجري الآن في السودان، يمثل انحيازا واضحا لدعم السيسي ورجاله، خاصة أن قبل كل ذلك كان هناك دعم إسرائيلي واضح للسيسي، خاصة بعد موقف مرسي من حرب غزة، وكذلك علاقات السيسي بوزارة الدفاع الأمريكية، كل هذا كان يمهد بقدومه والتخلص من مرسي، الذي كانت هناك محاولات إفشاله وإظهاره بالعاجز، خاصة من جانب الدولة العميقة.
وأكد في حديثه لصحيفة «عربي 21»، أن الحماس للمكون الثوري والمدني في السودان، سببه الرئيسي الاستجابة السريعة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عودة العلاقات مع أميركا بشروطها كافة، لافتا إلى أن النقطة الفاصلة في الموقفين من مصر والسودان هنا هي إسرائيل، سواء بالخوف على أمنها في حالة مصر ومرسي، أو الحفاظ عليه في حالة السودان والمكون المدني.
– رسائل مقلقة للغرب
وفي سياق تعليقه، أكد السفير الأسبق عبدالله الأشعل أن ما يحرك أميركا والغرب هو لغة المصالح في نهاية المطاف، كذلك الاستقرار حتى لو على حساب حرية الشعوب، وهو ما يستطيع فعله الحكم العسكري الذي يملك أدوات هذا الأمر، ولا يهمهما كثيرا آلية ذلك، لكن المهم ألا تتأثر المصالح ويتم الحفاظ على أمن إسرائيل، وربما المكون المدني استجاب لذلك، “من هنا نلمح علو النبرة الرافضة لإجراءات البرهان خاصة من جانب أوروبا، وإن كان الأمر سيتم تداركه بشكل أو بآخر، خاصة إذا التزم المكون المدني بأجندة الولايات المتحدة والغرب بالسودان”.
وحول المقارنة بين الموقف الغربي مما جرى بمصر عقب انقلاب الجيش والموقف الحالي من السودان والتغاضي عما قام به السيسي، رأى الأشعل في حديثه لـ”عربي21″، أن السبب الآخر كما يراه السفير السابق، هو الموقف من حرب غزة وزيارة رئيس الوزراء هشام قنديل لغزة وقتها، وكذلك الإعلان عن مواقف من قبيل دعم ملفات عربية وإسلامية، هذا كله أرسل رسائل خاطئة ومقلقة للغرب، فجعله يتغاضى عما جرى من جانب السيسي في تموز/ يوليو 2013.
وحمّل الأشعل مسؤولية ما جرى في مصر، وذلك “لعدم توفر الحصافة السياسية لديهم، وعدم إدراكهم للمخاطر حولهم وما يدبر لهم، فذهبوا بعيدا وأقصوا مكونات الثورة خاصة الشباب والتيار المدني”، وفق قوله.