تحدثت صحيفة هآرتس العبرية، عن ما أسمته احتكار النظام المصري لعملية إعمار قطاع غزة المحاصر بفعل حروب الاحتلال، منوهة إلى أن توسيع تحكم مصر بغزة يتساوق بشكل جيد مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضحت الصحيفة أنه بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة المحاصر، والذي بدأ يوم 10 مايو 2021 واستمر 11 يوما، أرسلت مصر لغزة “عشرات الجرافات يرافقها نحو 80 مهندسا وعاملا، بهدف البدء في الإعمار، وعملوا في البداية على إزالة بعض ركام المنازل المدمرة وتعبيد شارعين مدمرين، علما بأن هذه الأعمال هي جزء من المساعدة البالغة قيمتها 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة”
وأكدت أن “الرابح الأساسي من برنامج إعادة الإعمار هو شركة أبناء سيناء التي يملكها رجل الأعمال البدوي إبراهيم العرجاني، الذي يترأس قبيلة الترابين واتحاد رؤساء القبائل في شمال سيناء، الذين يتعاونون مع المخابرات المصرية”، منوهة أن “العرجاني يعمل وفق توجيهات المخابرات المصرية، التي تحصل بدورها على نصيب كبير من المساعدة المصرية للقطاع ومن نقل البضائع”.
وقالت “هآرتس”: “ليس فقط في أعمال إعادة الإعمار في غزة يوجد لمصر احتكار، فبالتشاور مع إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات، اضطرت قطر إلى الموافقة على ترتيب جديد لنقل أموال المساعدة الخاصة بموظفي غزة، عبر دفع قطر لمصر ثمن وجود ينقل لغزة، ومن ثم يتم بيعه لصرف رواتب الموظفين”.
وذكرت أن هذا “الاتفاق المتعرج، جاء بسبب معارضة إسرائيل لقيام قطر بتحويل أموال نقدية لحماس، لأن تل أبيب أرادت الإثبات بأنها لا تساعد حماس، طالما أنها ترفض إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، وذلك تحقيقا لتعهد وزير الأمن بيني غانتس، بأنه لا إعمار لغزة دون إطلاق سراح الجنود، لكنه أدركك أن شرطه غير وقعي”.
وكشفت أن “مصر عرضت أن تكون الوسيط غير المباشر لصرف المنحة القطرية التي تبلغ 30 مليون دولار في الشهر لغزة، وسبق أن وزعت على 3 بنود؛ مساعدة الأسر المستورة، شراء الوقود لمحطة الكهرباء (من الاحتلال) والثالث مشاريع لإيجاد فرص عمل لتخفيف البطالة التي وصلت 60 في المئة (تساهم في رفع نسبة الراتب الخاصة بالموظفين في غزة)”.
ونبهت بأن “إسرائيل حاولت أن تجند الإمارات لتكون عرابة المساعدة بدلا من قطر، لكنها تلقت إجابة سلبية، وأبو ظبي أوضحت بأنها كانت مستعدة للمساعدة في الإعمار فقط إذا كانت مصر هي صاحبة البيت، وهذا موقف تم الاتفاق عليه بين الإمارات والأردن والسعودية في شهر أيار/مايو الماضي، عندما التقى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد لبضع ساعات مع الملك عبد الله في المطار في عمان”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “مصر إلى جانب أعمال إعادة الإعمار، هي المزود لمواد البناء والمواد الاستهلاكية التي تصل إلى غزة في معبر “صلاح الدين”، الذي من خلاله يتم استيراد 17 في المئة من البضائع التي تدخل إلى القطاع، وتصل حجم التجارة هذه إلى 55 مليون دولار شهريا”، منوهة إلى أنه “كلما زاد حجم الاستيراد من مصر، تفقد السلطة الفلسطينية المزيد من المدخولات عبر الضرائب التي تحصلها إسرائيل لها، وهذا يساهم في قضم مداخيل السلطة التي تقف على شفا الانهيار الاقتصادي”.
ونوهت إلى أن “مصر مقابل السيطرة على التجارة مع القطاع، زادت عدد جنودها على طول الحدود مع قطاع غزة”، مؤكدة أن أموال قطر ستدخل إلى غزة، ومصر ستواصل إعادة إعمار القطاع، “مع صفقة تبادل أو بدونها”.
وفي سياق متصل، أكدت مصادر دبلوماسية، أن “الولايات المتحدة مستعدة للتبرع بسخاء لإعادة إعمار غزة، مقابل اتفاق طويل لوقف إطلاق النار، ترافقه ضمانات بأن لا يقوم أي طرف بأي عمل يمكن أن يمس بنتائج إعادة الإعمار”.
وبينت “هآرتس”، أنه “حتى تتم المصالحة بين حماس وفتح، مصر تحاول إقناع حماس بالسماح بوجود، حتى لو كان بشكل رمزي، ممثل للسلطة في غزة، من أجل الإظهار بأن أعمال إعادة الإعمار لا تتم فقط أمام حماس، وأنها تعمل حسب الاتفاقات السابقة التي تطالب بأن يكون في المعابر مع مصر موظفو جمارك تابعون للسلطة”.
أفادت أن “مصر تحرص على أن تتم كل أعمال إعادة الأعمار بواسطة شركة “أبناء سيناء”، وليس بصورة مباشرة بواسطة الجيش المصري، رغم أنه فعليا هو الذي يشرف على الأعمال، من أجل أن يكون بالإمكان التوقيع على اتفاقات عمل مع مقاولين من غزة دون أن يلتصق بالحكومة المصرية التعاون الاقتصادي المباشر مع حماس، وهكذا تستطيع مصر الاستعانة بتمويل من السعودية والإمارات، اللتين لا تريدان إقامة علاقات مباشرة مع حماس في هذه الأثناء، لكنهما على استعداد لمساعدة مصر في الحفاظ على احتكار سيطرتها على القطاع”.
وأكدت أن “توسيع تحكم مصر بغزة يتساوق بشكل جيد مع سياسة إسرائيل التي تعتبر غزة كيانا منفصلا، وبذلك هي تضمن عدم إمكانية تحقق اتفاق سياسي حتى في الطرف الفلسطيني”، مضيفة: “ظاهريا هذا الموقف مناقض لمقاربة مصر التي تحاول الدفع قدما بالمصالحة بين فتح وحماس، ولكن إسرائيل تعلمت، أنه يمكنها الاعتماد على محمود عباس بأن يقوم بوظيفة حارس العتبة من أجلها، بعد أن سبق وألغى الانتخابات التي كانت ستجرى في شهر أيار/مايو الماضي، وهو أيضا لم يحدد موعدا جديدا”.
وتابعت: “إسرائيل يمكنها دائما منع إجراء انتخابات في القدس، وبهذا تنزع شرعية هذه الانتخابات، وبالأساس يخدمها الانقسام بين حماس وفتح”، مؤكدة أن “اعتبارات تل أبيب غير خفية عن القاهرة، وهي لم تعد تصدر أي دعوات لحل شامل للنزاع”.
وأشارت الصحيفة، إلى أن “هدف مصر المتواضع، ترسيخ وقف طويل لإطلاق النار يشمل؛ مسؤولية كاملة لحماس عن كل السلاح الذي يوجد في القطاع، بما في ذلك الذي تقوم بتخزينه واستخدامه تنظيمات أخرى، والتوقف عن أعمال المقاومة العسكرية في الضفة والقدس، لضمان إعمار القطاع”.
وقدرت أن “حماس على قناعة، بأن الردع الذي تستخدمه أمام إسرائيل، يمنحها ثمارا اقتصادية مثل المساعدات التي تحصل عليها من مصر وقطر، وفقط هذا يمكن أن يخدمها في تنفيذ إعمار القطاع”.