يودع المصريون العام 2021 في ظل ظروف سياسية، اختفت منها المعارضة بفعل القبضة الأمنية للنظام الحاكم، وأوضاع اقتصادية صعبة يعانيها جل المواطنين، وأزمات اجتماعية وفقر وبطالة تضرب في عمق المجتمع، وتراجع مخيب للآمال في مجال الصحة والتعليم.
ذلك الوضع الذي عاشته مصر طوال 2021، بدأ عبر مؤشرات محلية ودولية في مجالات الاقتصاد، وحقوق الإنسان، والأوضاع الاجتماعية، إلى جانب التعليم والصحة والدفاع.
ففي مجال الصحة، كشفت نتائج مؤشر الأمن الصحي العالمي لعام 2021، الذي يقيم الأمن الصحي لـ195 دولة وقدراتها، وفق 6 فئات و37 مؤشرا، أن مصر تقبع في المرتبة 153 عالميا، من حيث الاستعداد والتأهّب لمواجهة الأوبئة.
واقتصاديا، توقع استطلاع أجرته وكالة “رويترز” في أكتوبر الماضي، أن ينمو الاقتصاد المصري بمعدل 5.1 بالمئة في السنة المالية الحالية حتى يونيو 2022.
لكن أفادت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، في تقدير نشر فيسبتمبر الماضي، أن الاقتصاد المصري يواجه مخاطر بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، بالتزامن مع احتمال زيادة أسعار الفائدة عالميا.
كما ارتفع الدين الخارجي المصري بنسبة 21 بالمئة خلال عام واحد، ووفق تقرير البنك المركزي المصري في يوليو الماضي، حيث بلغ الدين الخارجي 134.8 مليار دولار بنهاية مارس 2021.
وكشفت بيانات مؤشر مديري المشتريات في مصر لشهر يوليو الماضي، الصادرة عن مؤسسة “آي إتش إس ماركت” العالمية للأبحاث، عن تدهور وضع القطاع الخاص بمصر، مشيرة لانخفاض أعماله بواقع 0.8 نقطة.
وفي مايو الماضي، أشار صندوق النقد الدولي لوجود أخطار ما زالت تهدد الاقتصاد المصري، ناجمة عن حالة عدم اليقين العالمي وارتفاع الدين العام والاحتياجات التمويلية لمصر.
وفي مجال التعليم، احتلت مصر المرتبة رقم 139 عالميا وفق الترتيب النهائي لجودة التعليم حول العالم، من أصل 140 دولة وفق تصنيف مؤشر “دافوس”.
وفي ملف الدفاع، وضع موقع “غلوبال فاير باور” الجيش المصري في تصنيف متراجع رغم الصفقات العسكرية التي أبرمتها القاهرة، إذ حل الجيش المصري بالمركز الـ13 عالميا بعدما كان بالمركز التاسع 2020، وفق ذات التصنيف.
محللون ومراقبون تحدثوا لـ”عربي21″، عن صورة مصر في المؤشرات العالمية خلال 2021، حيث شكك البعض منهم في مصداقية بعض المؤشرات وانحيازها، فيما قدم آخرون رصدا لبعض المؤشرات وقالوا إنها الأقرب للواقع المصري.
وفي تعليق على مؤشرات مصر الاقتصادية لعام 2021، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور علي عبدالعزيز: “لا تكون الإحصاءات في كل الأحوال معبرة عن الواقع، وفي حالة مصر توجد إحصاءات إيجابية لصالح النظام قد تكون من جهة تابعة للنظام أو حليفة معه أو تقاضي أموالا مقابل ذلك”.
وأضاف لـ”عربي21″، أن “أغلب الاحصاءات ليست في صالح النظام وهو الأقرب للواقع، فلاشك أن الفقر يزداد في مصر والبطالة تتفاقم، ومزاحمة الجيش للقطاع الخاص تتواصل، والديون الخارجية تزداد”.
وتابع: “والاستبداد يزداد وقهر الشعب بالاعتقالات والتعذيب والقتل أيضا، والسفه في إنفاق أموال الشعب يستمر، وهي أمور لا تحتاج إحصاءات ولكن الواقع شاهد عليها، والنتيجة كما نراها زيادة في معدلات الجريمة، وسوء في التعليم، والخدمات، والصحة”.
ولفت إلى أن “هناك بعض الإحصاءات التي يمكن أن تساعد على هذا الاستدلال، مثل مؤشر دافوس العالمي لجودة التعليم 2021، والذي وضع مصر في المرتبة 139 من بين 140 دولة”.
وشدد أيضا على “تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الصادر في 16 ديسمبر الجاري، الذي تحدث عن خطورة الاعتماد على القروض الخارجية، وتحول الاقتصاد المصري لاقتصاد شديد التأثر بالصدمات”.
كما أشار إلى تأكيد التقرير على أن “مصر بحاجة ضرورية لصندوق النقد الدولي، خاصة مع توقعات تغير ظروف السيولة العالمية نتيجة تغير أسعار الفائدة”.
وأوضح الخبير المصري أن “34 مليار دولار حيازات الأجانب في أدوات الدين المحلية معرضة للخروج، والدين الخارجي نفسه وصل 140 مليار دولار، وخدمة الدين ارتفعت لـ63 بالمئة من إجمالي مصروفات الموازنة العامة”.
من جهته، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام ” تكامل مصر” الباحث مصطفى خضري: “هناك نوعين من المؤشرات الدولية، الأول مؤشرات تعتمد على البيانات التي تفصح عنها الأنظمة السياسية بكل دولة مثل المؤشرات الاقتصادية، أما النوع الثاني فلا يعتمد على إفصاح الأنظمة السياسية، بل تجمع و ترصد من خلال هيئات دولية مثل المؤشرات الحقوقية”، وفق حديث حصري لـ”عربي21”.
وأوضح أنه “بالنسبة لدولة يحكمها نظام ديكتاتوري قمعي كالنظام المصري، لا يمكن الاعتماد على المؤشرات الدولية الخاصة بها كمعبر عن حقيقة مطلقة”.
وأضاف: “بالنسبة للنوع الأول من المؤشرات، والتي تعتمد على البيانات المتلاعب بها ويصدرها النظام الحاكم مثل معدلات النمو ومعدلات البطالة، فإنها ستكون مؤشرات غير حقيقية لأنها اعتمدت على مدخلات مضللة”.
وأوضح: “أما بالنسبة للمؤشرات التي ترصدها وتجمعها هيئات دولية، مثل مؤشرات حقوق الإنسان والتحول الديموقراطي، فإنها أيضا مؤشرات غير حقيقية لأنها دائما ما تنحاز لأهداف هذه الهيئات والمشروعات السياسية لمموليها”.
ويرى الخبير في التحليل المعلومات وقياس الرأي العام، أن “المؤشرات المحلية المستقلة أكثر صدقا وتعبيرا عن مصر والمصريين من المؤشرات الدولية”.
وقدم خضري أهم المؤشرات التي رآها معبرة عن مصر والمصريين في 2021، خلال تقرير الحالة المصرية الذي أصدره مركز “تكامل مصر” نهاية حزيران/ يونيو الماضي.
وأظهر تقرير الحالة المصرية ارتفاع معدل البطالة ليبلغ 27 بالمئة في 2021 مقارنة بـ23 بالمئة في العام الماضي، وانخفاض مستوى الدخل للأسر بنسبة 8 بالمئة في 2021 مقارنة بـ2020.
وكشف تقرير الحالة المصرية لمركز “تكامل مصر” عن بدء دخول مصر في حالة الكساد التضخمي، حيث أظهر التقرير ارتفاع معدل التضخم في 2021 بنسبة 34 بالمئة مقارنة بعام الماضي.
ويتزامن ذلك مع انخفاض النمو ليبلغ سالب 2 بالمئة مقارنة بموجب 1.5 بالمئة في 2020، الذي حققته مصر برغم أزمة انتشار فيروس كورونا.
ولفت التقرير إلى أنه “يمكن أن تكون قوانين البناء الجديدة وتوقف النمو العقاري سببا رئيسيا في ذلك الأمر، حيث اعتمد النظام المصري في السنوات السابقة على المشروعات العقارية كقاطرة للاقتصاد”.
مؤشرات كارثية”
وفي رؤيته لأهم المؤشرات الدولية عن مصر في 2021، أشار مدير “المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية” الدكتور ممدوح المنير، إلى أنه “في آذار/ مارس، أدانت أكثر من 30 دولة في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة النظام المصري للانتهاكات بحق المعارضة والمعتقلين”.
وأضاف في حديثه لـ”عربي21″، “في يونيو، أصدرت 63 منظمة حقوقية دولية وعربية بيان مشترك لإدانة قمع الحريات في مصر والانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين”.
وعن صورة مصر من منظور العالم ومنظماته ومراكز أبحاثه وفق المشهد الحقوقي طوال 2021، أكد الباحث المصري أن “وضع الحريات في عهد النظام الحالي يتجه من سيء إلى أسوأ في ظل غياب منظومة الحماية القضائية للمعارضة بعد أن تحول القضاء لأداة في يد النظام للقمع لا للعدل”.
ولفت إلى ما اعتبره “تقاعس من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تنفيذ وعدها بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر، وتفضيلها الحفاظ على مصالحها مع النظام على حساب الحريات وحقوق الإنسان”.
في مؤشرات الملف الاقتصادي في 2021، يرى المنير أن مصر “أمام كارثة بكل المقاييس، فالدولة بكاملها أصبحت رهينة للديون الخارجية، فإذا امتنعت الدول والمؤسسات عن إقراض النظام سينهار الاقتصاد خلال 3 أشهر على الأكثر”.
وقال: “هذا ليس مبالغة من عندي، إذ أن حجم الدين الخارجي في مصر بلغ ـ137.85 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي”.
وأضاف: “بينما بلغ حجم الدين المحلي 270 مليار دولار بواقع 4.7 تريليونات جنيه، ما يوازي نحو 35.5 بالمئة من إجمالي ديون الشرق الأوسط في 2020، وفق تقرير للبنك الدولي”.
وأشار المنير، إلى أن وكالة “فيتش” للتصنيف الإئتماني، قالت إن التدفقات الوافدة “يمكن أن تنسحب استجابة لأي صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية، وهو ما يعني كارثة كما أسلفت”.