كشف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، في مقال له على موقع ميدل إيست آي، أن الحرب الروسية على أوكرانيا تعتبر فرصة بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتضييق الخناق أكثر على الرئيس الأمريكي جو بايدن في ما يتعلق بالإنتاج النفطي.
وقال هيرست بحسب المقال، إن بن سلمان يريد تكلفة باهظة لكي يتعاون مع الأميركيين في ما يتعلق بإنتاج النفط وأسعاره.
وأوضح أن “بن سلمان يطلب من بايدن سعرا مرتفعا مقابل الموافقة على الدخول إلى حلبة اللعب بأسعار النفط، إذ إنه يريد دعما أكبر من الولايات المتحدة في حرب السعودية باليمن، ومد يد العون لها في برنامجها النووي، وحصانة قانونية في الولايات المتحدة ضد الإجراءات القضائية التي قد تتخذها المحاكم استجابة لدعاوى من أشخاص مثل سعد الجبري، ضابط المخابرات السعودي السابق الذي يزعم أن ولي العهد حاول قتله”.
ولكنه لفت إلى أن “الأموال المتدفقة من إيرادات النفط لن تزيد المستبدين في أرجاء المنطقة إلا قوة وجرأة، أما الشعوب العربية فهي الخاسرة”.
قبل ثلاثة أسابيع قصيرة مضت، لم يكن الرئيس الأمريكي جو بايدن في عجلة من أمره للحديث مع الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية والملك القادم في هذا البلد الذي يعتبر الحليف الإقليمي الرئيسي للولايات المتحدة.
حتى ذلك الوقت كان بايدن ملتزماً بالسياسة التي انتهجها في التعامل مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، المتهم ضمنيا بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، باعتباره شخصاً منبوذاً. أما بعد أن أفضى غزو روسيا لأوكرانيا إلى حالة من الهلع في خضم الجهود التي تبذل للحيلولة دون وصول سعر برميل النفط إلى 300 دولار، فقد جاء دور ولي العهد لكي لا يكون في عجلة من أمره لرفع سماعة الهاتف.
هكذا دارت عجلة الحظ لتصبح في صالح ولي العهد.
عندما يصل بوريس جونسون إلى الرياض هذا الأسبوع –والذي يقال إنه لم يلبث يتواصل مع محمد بن سلمان عبر رسائل الواتساب– فإن بإمكان ولي العهد السعودي إبقاء ضيفه البريطاني منتظراً، فقد حدد ابن سلمان لبايدن سعراً مرتفعاً مقابل الموافقة على الدخول إلى حلبة اللعب بأسعار النفط.
أفادت صحيفة ذي وول ستريت جورنال بأنه يريد دعماً أكبر من الولايات المتحدة للحرب في اليمن، ومد يد العون للسعودية في برنامجها النووي، وحصانة قانونية في الولايات المتحدة ضد الإجراءات القضائية التي قد تتخذها المحاكم استجابة لدعاوى من قبل أشخاص مثل سعد الجبري، ضابط المخابرات السعودي السابق الذي يزعم أن ولي العهد حاول قتله.
اثنان من هذه المطالب ممكنة، أما الثالث فمستحيل.
البحث عن الشرعية
والأهم من ذلك كله أن ولي العهد يبحث عن الشرعية، فقد قتل وعذب وسجن وسلب حتى يشق طريقه إلى رأس هرم السلطة، ولم يتردد عن القيام بلا هوادة بتصفية كل أمير يراه منافساً له على التاج.
في المقابل، فإن ما يحتاجه بايدن منه هو إنتاج النفط بمعدلات تبقي سعر البرميل عند مستوى محدد.
السعر الذي يطلبه ولي العهد بعيد المدى واستراتيجي في حين أن ما يحتاج إليه بايدن مؤقت وتكتيكي.
وليس واضحاً ما إذا كان أي منهما قادراً على الوفاء بما هو مطلوب منه.
حيّر محمد بن سلمان الصحفي غريم وود، الذي أجرى معه مقابلة لصالح مجلة ذي أتلانتيك، برفضه العفو عن السجناء الذين كانت جريمتهم أنهم عارضوا سياسة لم تعد الآن قائمة – مثل فرض الحصار على دولة قطر.
قال ولي العهد في رده على السؤال الذي وجهه الصحفي له إنه لو شمل بعفوه الناس الطيبين الذين يستحقون العفو فإنه سيتوجب عليه أن يعفو بنفس الشكل عن الناس الشريرين الذين لا يستحقونه. ولكن لماذا ينبغي أن يحول عفو دون عفو، كما تساءل وود، الذي كتب يقول:
“حينها أدركت أن محمد بن سلمان لم يكن يقول إن فشل خطته لإعادة تشكيل المملكة قد يفضي إلى نكبة. بل كان يقول إنه سيضمن أن يؤدي فشل تلك الخطة إلى نكبة. ولكم سبقه إلى مثل ذلك الكثير من الزعماء العلمانيين في العالم العربي الذين كان لسان حالهم يقول: ساندوني في كل ما أقوم به وإلا أطلقت عليكم كلاب الجهاد. لم يكن ذلك حجة بقدر ما كان تهديدا”.
لم تكن الكلمات يوماً كافية بالنسبة لحاكم جائر مثل محمد بن سلمان. فخلال أيام معدودة من نشر المقابلة معه، تم إعدام 81 سجيناً في يوم واحد، كان واحد وأربعون منهم من المسلمين الشيعة من منطقة القطيف شرق المملكة.
إذا كانت رسالة محمد بن سلمان “اقبلوني كما أنا” واضحة، فليس واضحاً ما إذا كانت علاقات واشنطن مع هذه الدولة الخليجية ستعود إلى سابق عهدها. فقد يكون قد طرأ تغير على ذلك العهد.
التغير الحقيقي
منذ وصول بايدن إلى الحكم اهتزت ثقة المملكة بقدرة الولايات المتحدة على ضمان أمنها، وفاقم من ذلك انسحاب الولايات المتحدة من كابول، والإحساس بأن الآلة العسكرية الأمريكية ما زالت في حالة من التراجع. ويشكل اليمن معضلة أخرى، وخاصة منذ أن استخدم بايدن أول خطاب له حول السياسة الخارجية ليقول إن إنهاء الحرب كان هدفاً أساسياً.
لم يزل بايدن حتى الآن مسكوناً بالخوف من تبعات الإقدام على تنفيذ ما يعلن عنه من سياسات. فهو يملك القدرة على منع الطائرات الحربية السعودية من التحليق، إن أراد ذلك. فسلاح الجو الملكي السعودي يعتمد على الدعم الأمريكي والبريطاني لأسطوله الجوي المكون من طائرات إف 15 المقاتلة ومروحيات الأباتشي وطائرات التورنادو. لو أقدمت واشنطن أو لندن على سحب الفنيين التابعين لها أو أوقفت تدفق قطع الغيار، لبقيت الطائرات المقاتلة السعودية على الأرض.
نشر بايدن تقرير المخابرات الأمريكية حول جريمة قتل خاشقجي إلا أنه رفض دعم الأمم المتحدة في إجراء تحقيق حول الأمر. وقال إنه سينهي الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للعمليات الهجومية في اليمن على الرغم من أن الحرب التي تشنها السعودية لا يمكن وصفها إلا بأنها هجومية.
كما أنه لم يطالب بوضع حد للحصار الذي تفرضه السعودية على اليمن.
وعلى الرغم من كل ما يكنه من بغض للرجل، إلا أن بايدن بذل نفس ما كان يبذله سلفه دونالد ترامب من أجل إبقاء محمد بن سلمان في الحكم. في نهاية هذه السنة تكون الحرب التي شنها على اليمن قد أودت بحياة 377 ألف إنسان، بحسب ما ورد في تقرير للأمم المتحدة. أثناء ذلك، لم يزد تقلب الولايات المتحدة بين ترامب وبايدن على أن هز ثقة السعوديين والإماراتيين بأن بإمكانهم الاعتماد على واشنطن.
لقد تسببت إدارة بايدن بإحداث تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية لكل واحدة من الدول الخليجية.
وأوقفت المملكة العربية السعودية حصارها الفاشل على قطر وذهبت الإمارات العربية المتحدة تستثمر في تركيا.
وكلا البلدين توجها بالمفاتحات نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما السعودية فوقعت اتفاقية تعاون عسكري مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أحد الرجال الخمسة الأقوياء في روسيا، والرجل الذي يدير الحرب حاليا في أوكرانيا. تم توقيع الاتفاقية في معرض تجاري في موسكو في أغسطس الماضي.
في الوقت ذاته وجهت المملكة دعوة للرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة المملكة، وقد تتم الزيارة في شهر مايو.
رسائل مختلطة
أما الإمارات العربية المتحدة فدعمت قراراً اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بانسحاب روسيا فوراً من أوكرانيا بينما امتنعت عن التصويت على نص مشابه له داخل مجلس الأمن الدولي.
في هذه الأثناء صرح المستشار الرئاسي في الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش بأن الانحياز إلى طرف دون آخر “من شأنه فقط أن يفضي إلى مزيد من العنف.”
وفي نفس الوقت تدافع الأوليغارشيون ورجال الأعمال والشباب الروس، الذين يخشون من تبعات العزلة التي ستفرض على بلدهم، على أبو ظبي التي سرعان ما حلت محل لندن كمركز دولي لغسيل الأموال الروسية.
كان الامتناع عن التصويت داخل مجلس الأمن الدولي رداً مباشراً على محاولات وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن تجنيد الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في “رد دولي قوي دعماً للسيادة الأوكرانية.”
إلا أن الرسائل الواردة من أبو ظبي كانت مختلطة.
ففي ما يتعلق بمسألة تخفيض أسعار النفط، كان موقف الإمارات متململاً متضارباً، فبينما تسبب تصريح سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة المؤيد لرفع الإنتاج في انهيار الأسعار ناقضه في ذلك وزير الطاقة سهيل محمد المزروعي الذي قال إن الإمارات العربية المتحدة ستلتزم باتفاق الإنتاج الشهري الذي حددته أوبيك.
هناك مؤشران آخران على أن الإماراتيين لا يرغبون في استعداء واشنطن مع الحفاظ في نفس الوقت على علاقة مفتوحة مع بوتين. كان وزير خارجيتهم عبد الله بن زايد يخطط للقيام بزيارة إلى روسيا، ثم ما لبث تحت الضغط الأمريكي أن ألغى الزيارة متحججاً بجائحة كورونا.
كما أن الإمارات العربية المتحدة تراجعت عن سياستها بشأن إصدار تأشيرات زيارة لمواطني أوكرانيا، والتي كانت قد قيدتها في البداية.
ليس من مصلحة أي من الدولتين الخليجيتين تخفيض سعر النفط بينما الفرصة متاحة أمامهما لتحصيل إيرادات ضخمة من شأنها أن تخفف الأعباء التي تثقل كاهل ميزانياتها. والحقيقة التي لا مناص من التأكيد عليها هي أن حرب بوتين تشكل أخباراً سارة بالنسبة للبلدين. ومن قال إن سعر النفط وصل إلى ذروته؟
فائزون وخاسرون
ولكن لن يسر العالم العربي أن تتدفق الأموال بغزارة – مرة أخرى – على خزائن دولتين خليجيتين قامتا، أكثر من أي دولة أخرى، بزرع وتمويل الطغاة وتدخلتا في شؤون الدول الأخرى، ودعمتا الانقلابات في المنطقة. وكما حدث مرات عديدة في الماضي، فلن تزيد ثروة هؤلاء الطغاة حكمهم إلا قوة ومنعة.
سوف يشعر حكام الدولتين بأنهما أكثر حرية في الرمي بثقلهم حول العالم العربي للإبقاء على من على شاكلتهم من الطغاة مثل عبد الفتاح السيسي في مصر وقيس سعيد في تونس. أياً كانت مآلات الأمور في أوكرانيا الآن، فسوف يخرج محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد فائزين.
تثبت المقابلة التي أجرتها معه مجلة ذي أتلانتيك أن محمد بن سلمان لم يتعلم درساً واحداً من أخطائه السابقة. فما زال طائشاً وغافلاً عن عواقب ما يقوم به من أفعال. فهو لا يرى في هذا الكون سوى إرادة واحدة: إنها إرادته هو.
ومهما حدث فإن الشعوب العربية هي التي ستخرج خاسرة.
فحتى قبل غزو بوتين لأوكرانيا، كانت هذه الشعوب تعيش في دول باتت أضعف بكثير مما كانت عليه عندما انطلقت ثورات الربيع العربي في عام 2011، بل كثير منها كان على حافة الإفلاس.
مصر التي تواجه غلاء فاحشاً وارتفاعاً شديداً في أسعار الغذاء لم تشهده منذ الربيع العربي سوف تجد صعوبة بالغة في البحث عن بديل لوارداتها من القمح الأوكراني. لقد زادت أسعار القمح بمعدل 44 بالمائة بينما ارتفع سعر زيت زهرة الشمس بمعدل 32 بالمائة بين عشية وضحاها. ولم يبق لدى مصر الآن من الطحين سوى ما يكفيها لأربعة شهور قادمة.
في هذه الأثناء يهرب المستثمرون الأجانب من السوق المصري المثقل بالديون. يصف الاقتصادي المصري ممدوح الولي مصر بأنها “تحت الحصار سياسياً واقتصادياً بينما تزداد حدة نزوح الأجانب من مشترياتهم بأدوات الدين الحكومي المصري، في فترة ما بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ابتعادا عن الأوضاع غير المستقرة في الأسواق الناشئة.”
ومضى الولي يقول: “تشير تقديرات مصرفية لخروج بقيمة حوالي ثلاثة مليارات دولار في الأسبوع التالي للغزو، وسواء استمرت الحرب في أوكرانيا أو انتهت، فإن نزوح استثمارات الأجانب من أدوات الدين المصري مرشح للزيادة كلما زادت سعر الفائدة الأمريكية، والتي يتوقع لها خمس زيادات خلال العام الحالي.”
أما لبنان فلا يتوفر لديه ما يكفيه من الغذاء سوى لفترة تتراوح ما بين خمسة وأربعين وستين يوماً. بينما يجد الأردن الذي يعاني من ارتفاع شديد في نسب البطالة صعوبة بالغة في الخروج من حالة الركود التي فاقمتها جائحة كوفيد-19 بينما تتفشى حالة من السخط الشعبي في المناطق الشرقية من البلد، علماً بأن مظاهر السخط ضد الملك ليست من الأمور النادرة ههنا.
على الأقل فيما سبق كانت بعض ثروات النفط متاحة يشترك فيها الآخرون، فعلى سبيل المثال كان الملك السعودي الرحل عبد الله ينفق مليارات الدولارات دعماً للأنظمة الحاكمة في الدول العربية. أما الآن فلم يعد ذلك يحدث.
الانفجار الثالث
لم يسبق في أي وقت من قبل أن كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بهذه البشاعة، ففي طرف يوجد أناس مثل الأميرة هيا والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اللذان أنفقا ثلاثة ملايين دولار على الفراولة في صيف واحد أو ابن سلمان الذي أنفق 450 مليون دولار على لوحة مزيفة لدافنشي، وفي الطرف الآخر مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة في كل أرجاء المنطقة.
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، توقعت دراسة موثقة صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن تتراجع معدلات الفقر في المنطقة العربية بنسبة واحد بالمائة على مدى العامين القادمين. ولكنها لا تزال 27 بالمائة.
يقول أحمد مومي أحد الباحثين الرئيسيين الذين أعدوا الدراسة: “سوف تبقى معدلات البطالة بين الأعلى في العالم، وخاصة في صفوف النساء والشباب، رغم أنه يتوقع لها أن تتراجع من 11.8 بالمائة في 2021 إلى 10.7 بالمائة في 2023.”
لو كان التوتر ما بين الحكام والمحكومين مؤشراً على إرهاصات ثورية، فهذا ما نراه الآن.
وكالعادة، يدير الاتحاد الأوروبي الثري وجهه إلى جهة أخرى، شرقاً لا جنوباً. ولكن هل هي على استعداد لتحمل انفجار ثالث يسببه ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية سوف يصبح معلماً من معالم هذا القرن، ما بعد كابول وأوكرانيا؟ أشك في ذلك.
إلا أن من المؤكد أن سياسة أوروبا في مغازلة الطغاة سوف تعود لتطاردها وتقضّ مضاجعها.
وعلى الرغم من كل ما يكنه من بغض للرجل، إلا أن بايدن بذل نفس ما كان يبذله سلفه دونالد ترامب من أجل إبقاء محمد بن سلمان في الحكم. في نهاية هذه السنة تكون الحرب التي شنها على اليمن قد أودت بحياة 377 ألف إنسان، بحسب ما ورد في تقرير للأمم المتحدة. أثناء ذلك، لم يزد تقلب الولايات المتحدة بين ترامب وبايدن على أن هز ثقة السعوديين والإماراتيين بأن بإمكانهم الاعتماد على واشنطن.
لقد تسببت إدارة بايدن بإحداث تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية لكل واحدة من الدول الخليجية.
وأوقفت المملكة العربية السعودية حصارها الفاشل على قطر وذهبت الإمارات العربية المتحدة تستثمر في تركيا.
وكلا البلدين توجها بالمفاتحات نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما السعودية فوقعت اتفاقية تعاون عسكري مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أحد الرجال الخمسة الأقوياء في روسيا، والرجل الذي يدير الحرب حاليا في أوكرانيا. تم توقيع الاتفاقية في معرض تجاري في موسكو في أغسطس الماضي.
في الوقت ذاته وجهت المملكة دعوة للرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة المملكة، وقد تتم الزيارة في شهر مايو.
رسائل مختلطة
أما الإمارات العربية المتحدة فدعمت قراراً اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بانسحاب روسيا فوراً من أوكرانيا بينما امتنعت عن التصويت على نص مشابه له داخل مجلس الأمن الدولي.
في هذه الأثناء صرح المستشار الرئاسي في الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش بأن الانحياز إلى طرف دون آخر “من شأنه فقط أن يفضي إلى مزيد من العنف.”
وفي نفس الوقت تدافع الأوليجارشيون ورجال الأعمال والشباب الروس، الذين يخشون من تبعات العزلة التي ستفرض على بلدهم، على أبو ظبي التي سرعان ما حلت محل لندن كمركز دولي لغسيل الأموال الروسية.
كان الامتناع عن التصويت داخل مجلس الأمن الدولي رداً مباشراً على محاولات وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن تجنيد الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في “رد دولي قوي دعماً للسيادة الأوكرانية.”
إلا أن الرسائل الواردة من أبو ظبي كانت مختلطة.
ففي ما يتعلق بمسألة تخفيض أسعار النفط، كان موقف الإمارات متململاً متضارباً، فبينما تسبب تصريح سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة المؤيد لرفع الإنتاج في انهيار الأسعار ناقضه في ذلك وزير الطاقة سهيل محمد المزروعي الذي قال إن الإمارات العربية المتحدة ستلتزم باتفاق الإنتاج الشهري الذي حددته أوبيك.
هناك مؤشران آخران على أن الإماراتيين لا يرغبون في استعداء واشنطن مع الحفاظ في نفس الوقت على علاقة مفتوحة مع بوتين. كان وزير خارجيتهم عبد الله بن زايد يخطط للقيام بزيارة إلى روسيا، ثم ما لبث تحت الضغط الأمريكي أن ألغى الزيارة متحججاً بجائحة كورونا.
كما أن الإمارات العربية المتحدة تراجعت عن سياستها بشأن إصدار تأشيرات زيارة لمواطني أوكرانيا، والتي كانت قد قيدتها في البداية.
ليس من مصلحة أي من الدولتين الخليجيتين تخفيض سعر النفط بينما الفرصة متاحة أمامهما لتحصيل إيرادات ضخمة من شأنها أن تخفف الأعباء التي تثقل كاهل ميزانياتها. والحقيقة التي لا مناص من التأكيد عليها هي أن حرب بوتين تشكل أخباراً سارة بالنسبة للبلدين. ومن قال إن سعر النفط وصل إلى ذروته؟
فائزون وخاسرون
ولكن لن يسر العالم العربي أن تتدفق الأموال بغزارة – مرة أخرى – على خزائن دولتين خليجيتين قامتا، أكثر من أي دولة أخرى، بزرع وتمويل الطغاة وتدخلتا في شؤون الدول الأخرى، ودعمتا الانقلابات في المنطقة. وكما حدث مرات عديدة في الماضي، فلن تزيد ثروة هؤلاء الطغاة حكمهم إلا قوة ومنعة.
سوف يشعر حكام الدولتين بأنهما أكثر حرية في الرمي بثقلهم حول العالم العربي للإبقاء على من على شاكلتهم من الطغاة مثل عبد الفتاح السيسي في مصر وقيس سعيد في تونس. أياً كانت مآلات الأمور في أوكرانيا الآن، فسوف يخرج محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد فائزين.
تثبت المقابلة التي أجرتها معه مجلة ذي أتلانتيك أن محمد بن سلمان لم يتعلم درساً واحداً من أخطائه السابقة. فما زال طائشاً وغافلاً عن عواقب ما يقوم به من أفعال. فهو لا يرى في هذا الكون سوى إرادة واحدة: إنها إرادته هو.
ومهما حدث فإن الشعوب العربية هي التي ستخرج خاسرة.
فحتى قبل غزو بوتين لأوكرانيا، كانت هذه الشعوب تعيش في دول باتت أضعف بكثير مما كانت عليه عندما انطلقت ثورات الربيع العربي في عام 2011، بل كثير منها كان على حافة الإفلاس.
مصر التي تواجه غلاء فاحشاً وارتفاعاً شديداً في أسعار الغذاء لم تشهده منذ الربيع العربي سوف تجد صعوبة بالغة في البحث عن بديل لوارداتها من القمح الأوكراني. لقد زادت أسعار القمح بمعدل 44 بالمائة بينما ارتفع سعر زيت زهرة الشمس بمعدل 32 بالمائة بين عشية وضحاها. ولم يبق لدى مصر الآن من الطحين سوى ما يكفيها لأربعة شهور قادمة.
في هذه الأثناء يهرب المستثمرون الأجانب من السوق المصري المثقل بالديون. يصف الاقتصادي المصري ممدوح الولي مصر بأنها “تحت الحصار سياسياً واقتصادياً بينما تزداد حدة نزوح الأجانب من مشترياتهم بأدوات الدين الحكومي المصري، في فترة ما بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ابتعادا عن الأوضاع غير المستقرة في الأسواق الناشئة.”
ومضى الولي يقول: “تشير تقديرات مصرفية لخروج بقيمة حوالي ثلاثة مليارات دولار في الأسبوع التالي للغزو، وسواء استمرت الحرب في أوكرانيا أو انتهت، فإن نزوح استثمارات الأجانب من أدوات الدين المصري مرشح للزيادة كلما زادت سعر الفائدة الأمريكية، والتي يتوقع لها خمس زيادات خلال العام الحالي.”
أما لبنان فلا يتوفر لديه ما يكفيه من الغذاء سوى لفترة تتراوح ما بين خمسة وأربعين وستين يوماً. بينما يجد الأردن الذي يعاني من ارتفاع شديد في نسب البطالة صعوبة بالغة في الخروج من حالة الركود التي فاقمتها جائحة كوفيد-19 بينما تتفشى حالة من السخط الشعبي في المناطق الشرقية من البلد، علماً بأن مظاهر السخط ضد الملك ليست من الأمور النادرة ههنا.
على الأقل فيما سبق كانت بعض ثروات النفط متاحة يشترك فيها الآخرون، فعلى سبيل المثال كان الملك السعودي الرحل عبد الله ينفق مليارات الدولارات دعماً للأنظمة الحاكمة في الدول العربية. أما الآن فلم يعد ذلك يحدث.
الانفجار الثالث
لم يسبق في أي وقت من قبل أن كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بهذه البشاعة، ففي طرف يوجد أناس مثل الأميرة هيا والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اللذان أنفقا ثلاثة ملايين دولار على الفراولة في صيف واحد أو ابن سلمان الذي أنفق 450 مليون دولار على لوحة مزيفة لدافنشي، وفي الطرف الآخر مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة في كل أرجاء المنطقة.
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، توقعت دراسة موثقة صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن تتراجع معدلات الفقر في المنطقة العربية بنسبة واحد بالمائة على مدى العامين القادمين. ولكنها لا تزال 27 بالمائة.
يقول أحمد مومي أحد الباحثين الرئيسيين الذين أعدوا الدراسة: “سوف تبقى معدلات البطالة بين الأعلى في العالم، وخاصة في صفوف النساء والشباب، رغم أنه يتوقع لها أن تتراجع من 11.8 بالمائة في 2021 إلى 10.7 بالمائة في 2023.”
لو كان التوتر ما بين الحكام والمحكومين مؤشراً على إرهاصات ثورية، فهذا ما نراه الآن.
وكالعادة، يدير الاتحاد الأوروبي الثري وجهه إلى جهة أخرى، شرقاً لا جنوباً. ولكن هل هي على استعداد لتحمل انفجار ثالث يسببه ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية سوف يصبح معلماً من معالم هذا القرن، ما بعد كابول وأوكرانيا؟ أشك في ذلك.
إلا أن من المؤكد أن سياسة أوروبا في مغازلة الطغاة سوف تعود لتطاردها وتقضّ مضاجعها.