بذل الزعماء الأوروبيون مجهودا ضخما كي يؤكدوا في نهاية اجتماع قمة استمر ليومين، أن عملية تحول منطقة اليورو، التي طال انتظارها، من اتحاد نقدي بسيط إلى شيء يشبه تكتلا مركزيا ماليا واقتصاديا لا تزال قيد الإعداد.
وقال خوسيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية حسبما نقلت صحيفة الفاينانشال تايمز: لا يوجد باب تم إغلاقه بشأن اتخاذ خطوات نحو تكامل أعمق وسنظل نتحرك إلى الأمام. لكن في أروقة القمة كان من الصعب الهروب من المسؤولين الأوروبيين الذين عبّروا عن إحباطهم بشأن نطاق وسرعة تقليص تلك الطموحات.
وقال مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي اشترك في المناقشات: إنهم يسيئون الأداء مرة أخرى. وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا.
ويقدم المؤيدون للمركزية حججا تثبت أنه من دون مزيد من التكامل سيكون من المقدر لمنطقة اليورو تكرار الأزمة الحالية. وهم يقدمون حججا تثبت أنه لم يحدث في الماضي أن بقي اتحاد نقدي من دون مركزية في وضع الميزانية وصنع السياسة الاقتصادية.
ومنذ ثلاثة أسابيع مضت، كشف باروسو النقاب عن مخطط طموح مكون من 51 صفحة يتنبأ ببداية عملية المركزية التي ستمنح بروكسل سيطرة على برامج اقتصادية قومية وميزانية مركزية تملك في نهاية المطاف نوعا من سلطات فرض الضرائب، والإنفاق، والإقراض المقتصرة الآن للحكومات القومية.
وطرح هيرمان فان رومبوي، الذي رأس قمة الاتحاد الأوروبي باعتباره رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، خطة تم تقليص حجمها بشكل طفيف، قدمت جدولا زمنيا كاملا ومصحوبا بتواريخ للخطوات التي يجب أن تتخذها منطقة اليورو خلال العامين المقبلين.
لكن بعد جلسة أخرى من جلساتهم التي تستمر طوال الليل، نزع الزعماء القوميون أي التزامات كان رئيسا الاتحاد الأوروبي يطمحان في الحصول عليها فيما يتعلق بخططهما.
ومن بين الطموحات التي لم تجد طريقها إلى أرض الواقع ما سعى إليه فان رومبوي من التزام يعتمد عقودا مفصلة بين بروكسل وجميع حكومات منطقة اليورو، شبيها بالالتزامات المفروضة الآن على البلدان الخاضعة لعمليات إنقاذ. وكانت الخطط التي تهدف إلى بدء ميزانية جنينية في منطقة اليورو مهجورة تقريبا. وذهب جدول فان رومبوي الزمني الصارم من أجل الطريق المستقبلي بالكامل.
وبدلا من ذلك، اتفق الزعماء على تناول هذه المسائل مرة أخرى خلال ستة أشهر. وقالت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، التي يشير إليها كثير من المسؤولين باعتبارها المطبقة الرئيسة لنهج إبطاء التقدم: لقد حققنا بعض الأشياء، لكن تماما كما حدث من قبل، ينتظرنا وقت عصيب.
و لم يكن من المفترض أن يكون الأمر هكذا. ففي ذروة الذعر الذي اجتاح السوق في (يونيو) الماضي، وعد زعماء الاتحاد الأوروبي أنفسهم بالاتفاق على خريطة طريق معينة ومحددة زمنيا من أجل تحويل منطقة اليورو بحلول نهاية العام، وقد تمت رؤية قمة (ديسمبر) على أنها التجمع الذي سيتم فيه الإعداد للمستقبل. وشعرت الحكومة البريطانية بالقلق من أن يتم إجبارها على استخدام حق الفيتو في بروكسل، لأن الخطط ستصبح طموحة للغاية بحيث تتطلب تغيرات فورية وبعيدة المدى في المعاهدات التي تحكم الاتحاد الأوروبي.
وبعد العمل المحموم الذي قام به موظفو باروسو وفان رومبوي، كان هناك إنجاز واحد يمثل الخطوة الملموسة الأولى نحو اتحاد مصرفي في منطقة اليورو، وهو وجود مشرف مشترك على أكبر المؤسسات المالية في المنطقة مقره في فرانكفورت.
لكن بالنسبة للمسائل المالية والاقتصادية، يعتبر المسار المستقبلي بالغموض نفسه الذي كان عليه في (يونيو).
سعى الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى دحض فكرة أن الزعماء أفرغوا الخطط من محتواها، مقدما حجة تثبت أنه لايزال بإمكان باريس والداعمين الآخرين لوجود تكامل أعمق، الدفع من أجل ميزانية حقيقية لمنطقة اليورو وسياسات مشتركة أخرى، إذا اختاروا فعل ذلك.
لكنه اعترف بأن الحقائق السياسية المتعلقة بمقدار السيطرة الذي ترغب الحكومات القومية في التنازل عنه لبروكسل، شكلت النقاش. وقال مسؤولون إن تراجع ضغط السوق امتص كثيرا من العجلة من النقاش.
وقال هولاند: هناك مسألة سياسية هي وجود عدد من الدول التي لا ترغب في نقل أي اختصاصات إضافية للاتحاد الأوروبي. بل يوجد عدد من الدول ترغب في التراجع عن الاختصاصات التي تم نقلها بالفعل للاتحاد الأوروبي، وستعرف (لاحقا) عمن أتحدث.
واعترف هولاند بأنه قد لا تأتي أبدا ميزانية قوية لمنطقة اليورو، وهي أولوية بالنسبة لباريس منذ وقت طويل. وعندما تم إخباره بأن ميركل أشارت إلى أن حجم أي تمويل مثل هذا قد يكون أقل من 20 مليار يورو، أجاب هولاند ببسالة: سأقبلها! سأقبل أي شيء.
و في نواح كثيرة ألقى الزعماء القوميون بالكرة مرة أخرى في ملعب باروسو. وباعتباره رئيس المؤسسة المكلفة ببدء تشريعات الاتحاد الأوروبي، يتعين على رئيس المفوضية اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيلتزم بجدوله الزمني الأصلي ويقدم الخطوات الأولى نحو ميزانية بعقود سيطرة صارمة، على الرغم من التحفظ القومي.
وقال مساعدون إنهم يتوقعون منه الإبقاء على الضغط، مع احتمال إصداره ورقة خضراء تقدم خططا مفصلة أكثر بشأن الطريقة التي ستعمل بها مثل هذه السعة المالية، وهو ما يعتبر وسيلة لتشجيع نقاش لا يتضمن إدخال تشريعات صارمة.
وفقا لما ذكرته قراءات أولية من دراسة استقصائية للأعمال، تراجع معدل انكماش النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو في (ديسمبر)، ما يمنح أملا في أن يكون بإمكان الاتحاد النقدي الفرار من الركود والعودة للنمو المنخفض في أواخر السنة المقبلة.