قال وزير الاستثمار الأسبق يحيى حامد إن مصر التي يصل تعدادها السكاني إلى 105 ملايين نسمة على وشك التحطم، بعد تسع سنوات من الحكم الفاقد للكفاءة من قبل السيسي وأزلامه.
وأكد وزير الاستثمار الأسبق، في مقال نشره بموقع «ميدل إيست آيى البريطاني، على أن مصر اليوم في أمس الحاجة إلى خطة للإنقاذ من شأنها أن تنأى بنفسها بشكل تام عن الاستراتيجيات المدمرة التي لم يفتأ ينهجها النظام وداعموه الدوليون على مدى العقد الماضي.
وأضاف: «أما وقد أوشك النظام على السقوط، فمن الملح أن يلتئم شمل جميع القوى الوطنية، وتجتمع معاً في صعيد واحد، حول مشروع هو أكبر منا جميعاً، أكبر من آرائنا السياسية، وأكبر حتى من تظلماتنا السابقة ضد بعضنا البعض، ألا وهو مشروع إنقاذ مصر».
وتابع: «ينبغي إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وينبغي توفير الحماية للفقراء من الجوع، وينبغي أن تعاد جدولة الديون، وربما إلغاء بعضها».
وشدد حامد على ضرورة أن ينسحب الجيش من جميع المجالات التي لا تتعلق بمهمته الأساسية، من العدل ومن الاقتصاد ومن السياسة.
وفي ما يلي النص الكامل للمقال:
منذ أن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، نشر ما لا يحصى عدده من المقالات حول الآثار المدمرة لتلك الحرب على البلدان المستوردة للقمح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى مصر بالذات.
ولكن بسبب انعدام الكفاءة لدى نظام عبد الفتاح السيسي وقصر نظر داعميه الدوليين، بدأ التدهور الشديد في الوضع الاقتصادي فعلياً قبل سنوات عديدة من ذلك.
كل ما فعلته الحرب في أوكرانيا هو أنها كشفت عن ذلك الوضع المتدهور وسلطت الضوء على الحقيقة المرة، ألا وهي أن مصر لا تفصلها سوى بضعة شهور عن الإفلاس، وأن معدل الفقر الذي وصل 30 بالمائة سوف يتحول سريعاً إلى معدل من الجوع الذي لا يحتمل.
يعتقد كثير من المعارضين للنظام في مصر أننا وصلنا أخيراً إلى نقطة التحول التي بات عندها نظام السيسي في غاية الضعف. ومع ذلك، ينتابني شعور بالاكتئاب الشديد لأن الوقت بات متأخراً جداً لإنقاذ مصر مما يحيق بها من فوضى وعدم استقرار.
كم من الخطابات أرسلت إلى أعضاء مجلس إدارة صندوق النقد الدولي لتحذيرهم من الديون المتراكمة وهدر الأموال من خلال إنفاقها على مشاريع تافهة أو من خلال الفساد. وكم تلقى زعماء أوروبا والولايات المتحدة تقارير تنذر بسوء الوضع الحقيقي للاقتصاد وما يرتبط بذلك من مخاطر وما قد ينعكس على البلاد نتيجة لذلك من اضطرابات اجتماعية وإرهاب وهجرة غير شرعية.
إلا أن كل إنذار كان يقابل بالصمت أو بالازدراء. كنت قبل ثلاثة أعوام قد حذرت في مقال نشرته لي مجلة فورين بوليسي من أن اقتصاد مصر لم يكن مزدهراً وإنما في حالة من الانهيار. اتهمت حينها، فيما نشر من مقالات ترد على مقالتي، بأنني إنما أعمتني كراهيتي للنظام. وبذلك، ورغم كل التحذيرات وكل الأعراض الواضحة، ترك سرطان هدر المال العام ينمو بمطلق الحرية ويتفشى في الكيان الوطني بأسره.
وصل الورم السرطاني الآن المرحلة النهائية، ويوشك البلد الذي يصل تعداد سكانه إلى 105 ملايين نسمة على التحطم.
سردية مهنئة للذات
وذلك ناجم عن تسع سنوات من الحكم الفاقد للكفاءة من قبل السيسي وأزلامه. على الرغم من – أو ربما بسبب – التحكم التام بالقضاء وبالميزانية وبالجيش، وعلى الرغم من القمع المنتظم والممارس على نطاق واسع ضد جميع الأصوات المعارضة، مما نجم عنه الاعتقال التعسفي لما يزيد عن ستين ألف سجين سياسي، فقد دمر السيسي – بمساعدة داعميه الدوليين – البلد، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
والمفارقة هي أنه، وعلى الرغم من المؤشرات الخطيرة التي تنذر بأزمة تلوح في الأفق سوف تهز مصر بأسرها، حافظ النظام على سردية مهنئة للذات حول الإنجازات المزعومة لمصر. وبعد تسعة أعوام من القمع والدعاية والسلطوية، ما زال من غير الوارد أن يقر هذا النظام ولا حتى بخطأ أو اثنين يحتاجان إلى بعض الإصلاح.
ومع ذلك يبقى الوضع الاقتصادي في مصر مأساوياً. إذ بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من 93.8 بالمائة هذا العام، وتبتلع دفعات القروض وفوائدها ما يقرب من 54 بالمائة من ميزانية الدولة، فلا يبقى الكثير مما يمكن إنفاقه لتمويل الاحتياجات الأساسية للبلد. وهرب “المال الساخن” من البلاد على الرغم من قرار بنك مصر المركزي رفع معدلات الفائدة.
يعلم السيسي أن الوضع في غاية الصعوبة وهو يتضور للحصول على المال من الخارج لإنقاذ عرشه عسى أن يستمر في الحكم لبضعة شهور أخرى. ولذلك قام مؤخراً بعدة تحركات في مجال العلاقات العامة على أمل جذب المانحين المحتملين، ومن ذلك إطلاق بعض السجناء السياسيين هنا وهناك في إجراءات لا تقل تعسفاً عن الإجراءات التي اتخذت لاعتقالهم في المقام الأول.
ومؤخراً أعلن السيسي بأبهة عن إطلاق الحوار السياسي. ولكن أي نوع من الحوار السياسي هذا الذي يمكن أن يجري في الوقت الذي يصدر النظام فيه حكماً على مرشح الرئاسة لعام 2012، عبد المنعم أبو الفتوح، بالسجن خمسة عشر عاماً؟ وأخيراً، في محاولة لطمأنة صندوق النقد الدولي، أعلن النظام عن بيع أصول يملكها الجيش أو تملكها الدولة.
ولكن ما الفائدة إذا لم يحدث تغير أساسي في عادات النظام في الإنفاق، سوى شراء مزيد من الوقت حتى يتمكن السيسي من الاستمرار في الإمساك بالسلطة؟
الفوضى المحتومة
من المحزن أن كابوس مصر الأكبر سوف يحل عندما يتم ملء سد النهضة الإثيوبي العظيم. وكان النظام في عام 2015 قد تخلى عن حقوق مصر التاريخية في النيل.
يهدد ذلك القرار الكارثي شريان الحياة الذي قامت عليه حضارة عمرها سبعة آلاف سنة. صحيح أن الأزمة الاقتصادية الحالية سوف تعصف بحياة ملايين المواطنين الذين سيعانون الفقر والجوع والاضطراب، إلا أن أزمة المياه التي ستحل غداً سوف تهدد وجود البلد بأسره.
ينبغي ألا نخدع أنفسنا، فالاضطراب قادم والفوضى باتت محتومة، والسؤال هو كيف يمكننا احتواء الضرر الذي جلبه السيسي على البلد. وهذه دعوة للعمل موجهة إلى جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك النظام، والجيش، وجماعات المعارضة، وجمعيات حقوق الإنسان، والغرب، وكذلك عامة المصريين، كما هو جلي.
إن مصر اليوم في أمس الحاجة إلى خطة للإنقاذ من شأنها أن تنأى بنفسها بشكل تام عن الاستراتيجيات المدمرة التي لم يفتأ ينهجها النظام وداعموه الدوليون على مدى العقد الماضي.
لقد راهن الغرب على دعم الأنظمة الاستبدادية خدمة لمصالحه. ولعل دعمه السابق لروسيا كان مثالاً آخر على خطأ هذه الاستراتيجية. كما أن سردية «الحرب ضد الإسلاميين» التي يروج لها داعمو السيسي لم تعد مجدية في وقت يتعرض فيه حتى النشطاء المصريون العلمانيون من مثل علاء عبد الفتاح للقتل البطيء في السجن.
منذ البداية، لم يكن الأمر يتعلق بمكافحة الإسلاميين، وإنما بمكافحة الديمقراطية. وأرجو أن يكون الغربيون قد أدركوا بأن السيسي وحلفاءه في الخليج قد خذلوهم.
إنقاذ مصر
والآن، أما وقد أوشك النظام على السقوط، فمن الملح أن يلتئم شمل جميع القوى الوطنية، وتجتمع معاً في صعيد واحد، حول مشروع هو أكبر منا جميعاً، أكبر من آرائنا السياسية، وأكبر حتى من تظلماتنا السابقة ضد بعضنا البعض، ألا وهو مشروع إنقاذ مصر. ينبغي إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وينبغي توفير الحماية للفقراء من الجوع، وينبغي أن تعاد جدولة الديون، وربما إلغاء بعضها.
يجب أن ينسحب الجيش من جميع المجالات التي لا تتعلق بمهمته الأساسية، من العدل ومن الاقتصاد ومن السياسة.
يحتاج التعامل مع مشكلة السد الأثيوبي إلى عقد محادثات طارئة على أعلى المستويات تشارك فيها جميع القوى السياسية، وينبغي تعليق مبيعات الأصول العامة إلى أن يتحقق إجماع بشأنها.
ولكن، أكثر من أي شيء آخر، ما أدعو إليه من صميم فؤادي هو إجراء مصالحة وطنية حقيقية تكريماً لتضحيات عشرات الآلاف ممن قضوا نحبهم من المصريين منذ عام 2011.
أيا كان عمرهم أو جنسهم أو انتماؤهم السياسي، لم ينج من بطش الطغاة أحد من المصريين، الذين انتهكت حقوقهم وقتلت أحلامهم بنفس القدر وعلى قدم المساواة.
تواجه مصر تهديدات وجودية تتطلب اتحاداً مقدساً بين جميع القوى السياسية. فمن ذا الذي يعبأ بمشاجرات الماضي ونحن نقف في مواجهة مثل هذه الأخطار؟
«بدونهم ما كنت لأنجو وأبقى على قيد الحياة»… هذا ما قالته سلافة مجدي حول الصداقة غير المتوقعة التي نشأت في السجن بينها وبين امرأتين لديهما خلفية سياسية وفكرية مختلفة تماماً عن خلفيتها.
لن نتمكن من النجاة إذا لم يكن بعضنا لبعض عضدا، وبدون هذا التعاضد لن يتسنى لمصر أن تنجو.