أصبح الجنيه مصدر إرهاق لراسمي السياسة المالية والنقدية، وعامل ضغط على المواطنين الذين بدأوا يواجهون مؤخرا تغيرات على أسعار الصرف.
وعلى الرغم من عدم وجود سوق موازية للعملة المحلية في مصر، كما كانت قبل نوفمبر 2016، إلا أن الأجواء اليوم، شبيهة بالأسابيع التي سبقت إعلان البنك المركزي عن تحرير أسعار الصرف.
تحرك أسعار الصرف
تشهد العملة المصرية منذ قرابة 4 شهور، تحركات على أسعار الصرف، تزامنا مع تقارير بنوك استثمار دولية تفيد بأن الجنيه يباع بأعلى من قيمته بنسبة 15 بالمئة.
اليوم، يبلغ سعر صرف الدولار الأميركي في السوق المصرية قرابة 19.1 جنيها، مقارنة مع 15.6 جنيها قبل نحو أربعة شهور، بتراجع 17.8 بالمئة.
وبدأت ترشح على السطح، أسباب بشأن استقالة محافظ البنك المركزي طارق عامر، هذا الأسبوع، والتي قالت أوساط مصرفية محلية أن أحد أسبابها، هو مطالبة صندوق النقد الدولي بتعويم ثان للجنيه، بعد التعويم الأول في نوفمبر 2016.
واليوم، برزت مرونة أكبر في الجنيه كقضية لمصر حيث تتطلع الحكومة إلى الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
وألقى ارتفاع الدولار مقابل الجنيه مؤخرا، بثقله على البلاد، إذ تحتاج إلى جنيهات أكثر للحصول على الدولار، واستيراد السلع، خاصة المواد الأساسية (النفط ومشتقاته والحبوب بأنواعها)، ما يعني أن التضخم سيبقى ضمن خانتين في مصر لشهور مقبلة.
العقود الآجلة
وبحسب بلومبرج إيكونوميكس، فإن الجنيه المصري يحتاج إلى التراجع بنحو 23 بالمئة لمساعدة الاقتصاد على التكيف وتقليص فجوة التمويل في مصر، أي وصول سعر الصرف عند قرابة 23 جنيها للدولار.
في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، كان سعر الجنيه في العقد لمدة ثلاثة أشهر حوالي 21 لكل دولار واحد يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي.
ومصر التي حررت عملتها كليا في نوفمبر 2016، تعتمد بشكل كبير على التدفقات الأجنبية القادمة من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الصادرة عنها كمصدر للنقد الأجنبي، أو ما تعرف بالأموال الساخنة.
والأموال الساخنة هذه، سميت كذلك لأنها غير مستقرة في مكان واحد، بإمكان صاحبها نقلها من سوق لأخرى طبقا للعوائد الأعلى عليها، في أي وقت.
عوائد النقد الأجنبي
وارتفعت هذه التخوفات، مع تراجع عوائد النقد الأجنبي الأخرى لمصر، وأبرزها الإيرادات السياحية وتراجع عائدات الصادرات، والأهم تخارج جزء كبير من الأموال الساخنة في آخر 4 شهور تجاوزت 20 مليار دولار.
وأمام هذه المتغيرات، ستكون مصر أمام أزمة تذبذب في وفرة النقد الأجنبي داخل الأسواق المحلية، في حال استمرار تراجع مداخيل الدولار على وجه الخصوص من عائدات السياحة والصادرات، وتراجع جاذبية أدوات الدين المحلية.
ومع فرضية تنفيذ تعويم ثان للجنية، فإن حجم الدين الخارجي سيتزايد، إضافة إلى ارتفاع حجم فوائد الديون بالموازنة والتي تقترب من 45 بالمئة من قيمة الإنفاق، وصعوبة سداد الديون الخارجية.
كذلك، ستتأثر ودائع المصريين بالسلب، وبخاصة صغار المدخرين وأصحاب المعاشات والطبقة المتوسطة، كما حدث في تعويم 2016، حيث تراجعت ثروتهم بنسبة 50 بالمئة.
ولجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة جديدة في مارس الماضي، تزامنا مع حصولها على تعهدات بأكثر من 22 مليار دولار من الودائع والاستثمارات من السعودية والإمارات وقطر.
وفي انعكاس للضغط المتزايد على الشؤون المالية لمصر، انخفض صافي الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي إلى 33.14 مليار دولار في يوليو الماضي، وهو أدنى مستوى منذ يونيو 2017.