لم يمر عام 2012 كالأعوام السابقة في هدوء حذر بل شهد لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية مرحلة تحول ديمقراطي حقيقية تراقص فيها المصريين على وقع الأعراس الديمقراطية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي فتحت المجال للقوى السياسية المختلفة للتنافس الديمقراطي في الانتخابات التشريعية والرئاسية وإقرار دستور جديد للبلاد بعد الاتهام المستمر من النظام السابق بعدم أهلية المصريين لممارسة الديمقراطية .
فبعد القبول بالتعديلات الدستورية ، اختلفت القوى السياسية حول نسبة مشاركة كل حزب في الانتخابات التشريعية خوفا من سيطرة لون سياسي واحد على مجلس الشعب المنوط به اختيار جمعية تأسيسية بحسب التعديلات الدستورية التي اقرها الشعب ب77% موافقون عليها فبينما ظن الكثير من السياسيون والخبراء أن التيار الإسلامي لن يحظى في الانتخابات سوى بعشرين في المائة من مقاعد مجلس الشعب و أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن منافستها على مقاعد الشعب بمبدأ مشاركة لا مغالبة و تحالفت الأحزاب والقوى المختلفة تحت راية التحالف الديمقراطي من أجل مصر و لكن بعد ذلك انسحبت الأحزاب الليبرالية و اليسارية من التحالف.
انتخابات الشعب
ثم دخلت القوى السياسية المختلفة بعد ذلك في تحالفات منهم تحالف حزب الحرية و العدالة و ضم تسعة أحزاب أهمها الحرية والعدالة والكرامة وغد الثورة والعمل و تحالف حزب النور الذي ضم أحزاب النور والتنمية و البناء و الأصالة و تحالف الكتلة المصرية وضم حزب المصريين الأحرار و حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي و التجمع أما أحزاب الوسط والوفد دخلت الماراثون الانتخابي بدون تحالفات، فيما حاول الحزب الوطني المنحل تجميع أشلاءه المبعثرة فدخلت أحزاب الحرية و المواطن المصري و مصر القومي و الاتحادالمنبثقة عن الحزب الوطني .
وانطلقت الانتخابات التشريعية في أواخر نوفمبر 2011 في جو يشوبه الاحتقان بين المجلس العسكري الحاكم آنذاك و بين الشعب الذي أعترض على وثيقة المبادئ فوق الدستورية التي أعطت صلاحيات واسعة للمجلس العسكري حتى بعد اكتمال مؤسسات الدولة مما جعلها السبب الرئيسي في أحداث محمد محمود التي اعتبرها البعض الموجة الثانية من ثورة يناير ووسط توقعات من القوى السياسية بتعطيل المجلس العسكري للانتخابات التشريعية لمحاولة الانفراد بالسلطة، مما جعل الخبراء و المراقبون يتوقعون انتخابات تشريعية مخضبة بالدماء.
ولكن مرت الانتخابات في سلام لم يكن يتوقعه المراقبون واصطف المصريون في طوابير طويلة لساعات أمام اللجان الانتخابية و بلغت نسبة المشاركة 60 % ممن لهم حق التصويت وحصل تحالف حزب الحرية والعدالة حصل على 235 مقعدا بالبرلمان، وحصل تحالف حزب النور السلفي على 122 مقعدا، وفاز حزب الوفد بـ 45 مقعد، والكتلة المصرية 40 مقعدا وحصل حزب الوسط على 10 مقاعد وحزب الإصلاح والتنمية على11 وتحالف الثورة مستمرة على 8 مقاعد، فيما حصلت بقية الأحزاب على 10 مقاعد.
و بعد مضى ما يقارب من خمسة أشهر تم حل أول مجلس الشعب منتخب انتخاب حقيقي بحكم قضائي من المحكمة الدستورية العليا جاءت في حيثياته أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أجريت بناء على نصوص قانونية ثبت عدم دستوريتها مما يؤدي إلى اعتبار مجلس الشعب باطلاً منذ انتخابه وحاول رئيس الجمهورية فور انتخابه دعوة مجلس الشعب للانعقاد ولكن اعترضت القوى الوطنية وطالبت باحترام سيادة القانون.
مجلس الشورى
وعلى الرغم من المشاركة القوية في مجلس الشعب إلا إن المصريين لم يشاركوا في انتخابات مجلس الشورى بقوة كانتخابات الشعب وقد يعود هذا إلى عدم إدراكهم أهمية مجلس الشورى حيث بلغت نسبة المشاركة 15.41% في المرحلة الأولى و 12.2 % في المرحلة الثانية وحصل حزب الحرية والعدالة على 105 مقعد و حصل حزب النور على 45 مقعد و حصلت الكتلة المصرية على 8 مقعد و حزب الوفد على 14مقعد وحصلت باقي الأحزاب والمستقلون على 8 مقاعد.
وسعت مصر الى استكمال بناء مؤسساتها المنتخبة وعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها و شرعت في انتخاب رئيس الجمهورية و كان من ابرز المرشحين للرئاسة حينها الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين حينها و أحمد شفيق رئيس الوزراء في عهد النظام المخلوع وعمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح و حمدين صباحي .
انتخابات الرئاسة
واحتدم الصراع بين المرشحين للرئاسة في أول انتخابات رئاسية على مر تاريخ الدولة المصرية منذ الفراعنة حتى ثورة يناير وانطلاق الحملات الانتخابية والإبداع في الدعاية للمرشحين و المناظرات و حتى انتهت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة بإعادة الانتخاب بين المرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى الحاصل على 24.87 % و الفريق احمد شفيق رئيس وزراء مبارك الحاصل على %23.66، حينها التفت جميع القوى السياسية المتناحرة و الوقوف بجانب مرشح الثورة ضد مرشح النظام القديم للحفاظ على الثورة وتحقيق أهدافها.
ولكن توقع العديد من الساسة و الخبراء إن المجلس العسكري الحاكم وقتها سوف يزور انتخابات الجولة الثانية لصالح المرشح احمد شفيق المحسوب على المؤسسة العسكرية لأنها لن تتخلى عن الحكم بسهولة و ستعمل لإسقاط مرشح الثورة مما دعي بعض القوى السياسية لمقاطعة الانتخابات و بعد إجراء الجولة الثانية اعتصم الآلاف في ميدان التحرير حتى ظهور النتيجة لمنع تزويرها .
ثم جاء وقت إعلان النتيجة من الهيئة العليا للانتخابات تلك اللحظة التي توقف لها حياة المصريون يتابعون باهتمام ما يقوله المستشار فاروق سلطان حتى بلغت قلوبهم الحناجر عندما أطال المستشار ثم جاءت اللحظة الحاسمة و نطق المستشار باسم المرشح الفائز ب51.73% حينها تنفس المصريون الصعداء و انطلقت المسيرات في كل مكان و الزغاريد و التهاني من الإسكندرية حتى أسوان و كانت من أشهر الهتافات "لا للفلول ريسنا مرسى ، ارفع راسك فوق أنت مصري".
الاستفتاء على الدستور
ولم تكن صياغة الدستور الجديد بالعملية اليسيرة فقد أخذت 6 أشهر لتشكيل الجمعية التأسيسية والاختلافات و التوافقات حول التشكيل ليكون ممثلا عن جميع أطياف الشعب وانسحب 28 عضو من الجمعية قبل انتهاء أعمالها بأيام قليلة اعتراضا على بعض مواد في الدستور الجديد .
ووسط جو من الاستقطاب الشديد والاحتقان داخل المجتمع المصري الذي أحدثه الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية في 19 نوفمبر الماضي و يتضمن تحصين قرارات الرئيس و إعادة محاكمة قتلة الثوار و إعادة حقوق الشهداء وقانون تعيين النائب العام و مع وجود مظاهرات مؤيدة ومعارضة امام قصر الاتحادية راح ضحيتها عشرة من الشباب أصدر الرئيس محمد مرسى قرارا بالاستفتاء على الدستور الجديد في 15 ديسمبر الماضي .
وعلى الرغم من الأجواء المشحونة و حشد المعارضين والمؤيدين للتصويت على الدستور أصطف المواطنون المصريون أمام لجان الاقتراع كعادتهم منذ اندلاع ثورة الخامس و العشرين من يناير بدون أعمال عنف و بلغت نسبة المشاركة 33% ممن لهم حق التصويت .
ومع انتهاء عام 2012 الحافل بالأحداث السياسية ومرحلة بناء مؤسسات الدولة ، يستعد المصريون لخوض مرحلة جديدة من مراحل التحول الديمقراطي وسط أجواء مشحونة من الاستقطاب والاحتقان السياسي المعهود فهل يا ترى ينجح المصريون في اختبارهم الجديد أم يحتاجون لجولات أخرى