تتسم قمة المناخ بأنها فعالية مفعمة بالحيوية، فبالإضافة إلى حضور قادة العالم والعلماء وحتى المديرين التنفيذيين للشركات، يسافر الآلاف من النشطاء إلى مكان انعقاد القمة، وينظمون مظاهرات للمطالبة بإجراءات أكثر إلحاحاً، ويعقدون فعاليات لزيادة الوعي بقضايا محددة. لكن قمة الأمم المتحدة للمناخ في مصر هذا العام لن تكون كالقمم السابقة.
تقول منظمات غير هادفة للربح ونشطاء يسعون لحضور ” كوب 27″ (COP 27) في منتجع شرم الشيخ الساحلي في مصر إنها واجهت عقبات غير مسبوقة في الحصول على الاعتمادات وإيجاد أمكنة للإقامة، ما قد يحدّ من تمثيل المجتمع المدني؛ بل ويعرقل النتيجة المرجوة للقمة ككل.
مثل هذه القيود، دفعت الناشطة السويدية البارزة غريتا ثونبرغ، التي أعربت عن تضامنها مع السجناء السياسيين المصريين، إلى التغيب عمّا أسمته مؤتمر “الغسل الأخضر”.
واجه المدافعون عن المناخ من البلدان النامية مثل باكستان، حيث أدى الاحترار العالمي إلى تفاقم الفيضانات القياسية هذا العام، صعوبات تتعلّق بالحصول على تمويل للحضور.
على عكس العديد من زملائه، تمكّن الناشط الباكستاني برفيز علي (19 عاماً) الذي يعمل في منظمة “فرايدي فور فيوتشر” من الحصول على الاعتماد والأموال اللازمة للمشاركة، ويقول: “يجب إظهار الأصوات الحقيقية والنضال الحقيقي للناس في باكستان”. مضيفاً: “سيؤثر العدد القليل من النشطاء على النتائج المرجوة، وعلى المناقشات العادلة والحرة للقمة.. إذا لم تسمحوا للنشطاء الذين تعاني بلدانهم من عواقب تغير المناخ بسرد قصصهم، فأنتم تخفون الحقيقة عن العالم”.
يؤكد مسؤولون مصريون أنهم يبذلون جهوداً لضمان مشاركة منظمات المجتمع المدني بشكل هادف. لكن الصعوبات التي تكبّدها النشطاء الدوليون للمشاركة، تقدّم لمحةً عن التحديات التي تواجه النشطاء المحليين في وطنهم بشكلٍ يومي.
المظاهرات محظورة فعلياً في مصر. وتعمل المنظمات غير الحكومية في بيئة مقيدة للغاية. وغالباً ما يواجه قادة هذه الجمعيات ضغوطاً حكومية ومحاكمات وحتى يتعرضون لدخول السجن. وتفاقمت حملة القمع على المجتمع المدني منذ تولي عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2013، وإهدار المكاسب الديمقراطية التي تحققت خلال انتفاضة الربيع العربي، وقمع الاحتجاجات بعنف واعتقال المعارضين السياسيين.
أدى الوضع الحالي إلى تحويل النشاط المناخي في مصر لأن يصبح مهمة محفوفة بالمخاطر، وفقاً لتقرير أصدرته مؤخراً منظمة “هيومن رايتس وتش”.
تحتل مصر المرتبة 168 من أصل 180 على مؤشر حرية الصحافة العالمي. وأفادت منظمة العفو الدولية أنه رغم سلسلة قرارات العفو عن سجناء هذا العام، فإن آلاف السجناء السياسيين، بينهم إسلاميون ومعارضون علمانيون، ما يزالون محتجزين في سجون البلاد، في ظروف سيئة غالباً ودون محاكمة عادلة.
من بين السجناء حوالي 21 صحفياً، ما يجعل مصر إحدى أكبر دول العالم التي تسجن الصحفيين، وفقاً لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، بينهم المدوّن المصري البريطاني البارز علاء عبد الفتاح المُضرب عن الطعام منذ أبريل.
السفير وائل أبو المجد، الممثل الخاص للرئيس المُعيّن لقمة “كوب 27″، أعلن أن المنظمين سيضمنون أن منظمات المجتمع المدني ستكون قادرة على المشاركة في جميع الأنشطة باستثناء عملية التفاوض، والتي تكون متاحة فقط للمفاوضين من جانب الدول. وأوضح أبو المجد في مؤتمر صحفي بشهر أكتوبر: “بذلنا كل جهد لضمان وجودهم.. نقوم بالكثير لضمان المشاركة الهادفة”.
لكن عدد الاعتمادات المتاحة لحضور المؤتمر محدود للغاية والتكاليف باهظة، بشكلٍ خاص للناشطين الشباب من الدول النامية، وفقاً لحركة “فرايدي فور فيوتشر” التي تقدّر أن حضور ” كوب 27″ سيكلف كل ناشط نحو 7000 دولار.
المجموعة أطلقت جهداً للتمويل الجماعي لإرسال 75 شخصاً من أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وأوقيانوسيا، وذوي البشرة السمراء والسكان الأصليين والأشخاص الملونين إلى المؤتمر. لكن “فرايدي فور فيوتشر” لم تجمع حتى الآن سوى 19000 دولار، وهو مبلغ لا يكفي لإرسال ثلاثة أشخاص.
لا تقتصر المعاناة على النشطاء الشباب من الدول الفقيرة لحضور ” كوب 27″، إذ تلقّى مدير مركز أبحاث غربي، كان حجز ودفع ثمن الإقامة في فندق 5 نجوم في شرم الشيخ قبل أشهر، إخطاراً مفاجئاً بأن الأسعار ستزيد أربعة أضعاف، بناءً على توجيه حكومي.
وأفصح في حديث، شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب التداعيات، أن منظمته وجدت أماكن إقامة بديلة، حتى لو كانت أقل ملاءمة، ستسمح له بالحضور، رغم أن العديد من الجهات التي يتواصل معها فقدت إمكانية حضورها نتيجة رفع الأسعار.
السلطات المصرية، من جانبها، تنفي التدخل لرفع أسعار الفنادق أثناء انعقاد “كوب 27”. وبيّن أبو المجد أن الحكومة تدعم “بضعة آلاف غرفة” في فنادق ونزل من درجة نجمتين وثلاثة نجوم، وأن هذه الغرف “بتكلفة منخفضة للغاية لضمان عدم وجود عوائق تمنع المشاركين من القدوم”.
يواجه دعاة حماية المناخ من الصين أيضاً رحلةً وعرة لحضور “كوب 27″، إذ تنعكس سياسة “صفر كوفيد” التي يطبقها الحزب الشيوعي الحاكم رحلاتٍ جوية دولية أقل وأغلى، وزيادة التدقيق الحكومي لناحية السفر والحجر الصحي الإلزامي لمدة 10 أيام عند العودة إلى البلاد.
أحد المدافعين عن البيئة في بكين، والذي طلب عدم الكشف عن هويته لتجنب تداعيات انتقاد الحكومة، قال: “علينا أن نستسلم لكل ما تفعله الصين لمراقبة حدودها”. متوقعاً “مشاركة وفد من الصين أصغر بكثير هذا العام”، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الصين تمنع حالياً المواطنين من السفر إلى الخارج “لأسباب غير أساسية”، وهو مبدأ لم توضحه بالتفصيل.
بالنسبة للنشطاء المصريين، فإن الوضع يمثل تحدياً أيضاً. فشرم الشيخ هي مدينة سياحية في شبه جزيرة سيناء، تكاد تكون مخصصة بشكل حصري للسياح والمؤتمرات. تقع شرم الشيخ على بعد أكثر من 500 كيلومتر من العاصمة القاهرة، وهي محاطة بمساحات قاحلة من الصحراء، ما يسهل على الحكومة تأمينها، ويصعب على النشطاء الدخول إليها.
بحسب عمرو مجدي، الباحث البارز في “هيومن رايتس وتش”، شهدت الأسابيع القليلة الماضية توقيف أشخاص متجهين إلى شرم الشيخ في المطارات ونقاط التفتيش على الطرق واستجوابهم وإجبارهم على العودة. كما تلقى مجدي، وهو مصري مقيم في ألمانيا، نصيحةً بعدم السفر إلى بلاده لحضور “كوب 27”.
رغم أن عمليات التفتيش الأمنية ليست غير عادية في سيناء، حيث قُتل سائحون في هجمات نفذها متشددون إسلاميون، بما في ذلك تفجير طائرة عام 2015، يقول نشطاء المناخ إنهم يتعرضون للاستهداف.
ويرى مجدي “أن كل مواطن مصري يجب أن يكون قادراً على المشاركة، لكن هناك الكثير من القيود، فمن يقوم بذلك سيخضع للمراقبة عن كثب من قبل الأجهزة الأمنية، ما يعيق حريتهم في التحدث علانية”. ويتابع: “نشعر بالقلق إزاء المراقبة خلال القمة، فالأجهزة الأمنية تسيطر على كل شيء وهي شديدة الصرامة في مصر”.
وفقاً للسفير أبو المجد، فإن عدد المنظمات غير الحكومية المعتمدة من الدولة في مصر صغير جداً، أساساً، لدرجة أن الحكومة أصدرت اعتماداً لمرة واحدة لنحو 25 منظمة فقط لحضور “كوب 27”.
لكن مجدي من منظمة “هيومن رايتس وتش” يقول إن المنظمات غير الحكومية في مصر منظمة بشكل صارم، ولا يُرجَّح أن من دعتهم الحكومة للحضور يمارسون الانتقاد أو الصراحة في التعبير عن موقفهم.
في حين أن هناك هامشاً من التسامح مع العمل البيئي، فإن القضايا الكبيرة مثل الأمن المائي والتلوث الصناعي والأضرار الناجمة عن السياحة والأعمال التجارية الزراعية والتطورات العقارية الكبيرة، لا يمكن المس بها، وفقاً للمنظمة ونشطاء. ويقول مجدي: “يمكن تقويض محادثات المناخ هذا العام دون مشاركة فعالة وحرة من جانب المجتمع المدني، وهو ما قد يحدث على الأرجح”.