شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أسامة جاويش: في عهد السيسي الحصانة للجيش والكرباج للشعب

مساء الخميس الماضي الموافق الأول من شهر ديسمبر، في مستشفى قويسنا المركزي، حدثت جريمة جديدة بالصوت والصورة بطلها ضابط في الجيش المصري وأسرته من حملة الكرابيج.

الضحية ممرضة لا حول لها ولا قوة، فقدت جنينها تحت وقع ركلات وصفعات ضابط الجيش وضربات أخرى من كرباج شقيقته أو والدته، والسبب على حد قولهم أنه لا يوجد أطباء في قسم الاستقبال والطوارئ، جميعهم كانوا مشغولين في غرفة العمليات لإنقاذ مرضى آخرين.

الواقع يقول إن هناك معاناة كبيرة يواجهها العاملون في القطاع الصحي بمصر، تتمثل في اعتداءات لفظية وجسدية متكررة يصل بعضها إلى إحداث عاهات مستديمة. وقد وصل عدد حوادث الاعتداء على الأطقم الطبية في النصف الأول فقط من 2022 إلى أكثر من 20 واقعة، وفقا لبيانات نقابة الأطباء المصرية.

أضف إلى ذلك أن مصر تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، وتحديدا الأطباء الذين هاجر نصفهم تقريبا إلى الخارج بحثا عن ظروف معيشية أفضل وراتب أكبر ومنظومة صحية توفر لهم الحماية والإمكانات المطلوبة، ما تسبب في ارتفاع نسبة العجز داخل الفريق الطبي في مستشفيات وزارة الصحة المصرية إلى نسبة 65 في المئة.

ووفقا لبيانات وزارة القوى العاملة في بريطانيا لعام 2022 فقد ارتفعت نسبة هجرة الأطباء المصريين من مصر إلى بريطانيا بنسبة 202 في المئة منذ 2017.

مقارنة بالعام الحالي، هذه الأرقام انعكست على الواقع الصحي داخل مصر، حيث تقول بيانات نقابة الأطباء المصرية إن عدد استقالات الأطباء من القطاع الحكومي في مصر خلال الفترة (كانون الثاني/ يناير 2019 – آذار/ مارس 2022) بلغ 11536 طبيبا.

يبلغ المعدل العالمي 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، بينما معدل الأطباء في مصر هو 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، أي نحو 37 في المئة من المعدل الطبيعي، ما يجعل مشهد عدم تواجد أي طبيب في قسم الاستقبال والطوارئ داخل مستشفى قويسنا المركزي أمرا طبيعيا نظرا إلى هذا النقص الحاد في الأطقم الطبية.

المشكلة لا تنحصر في قلة عدد الكوادر الطبية داخل المستشفيات وإنما في غياب الرؤية الحقيقية والإرادة السياسية لنظام السيسي في توفير منظومة صحية ذات جودة مقبولة، فهناك تراجع كبير في الإنفاق الحكومي من موازنة الدولة على القطاع الصحي مع الاهتمام الأكثر لبناء مستشفيات عسكرية بلغت 22 مستشفى في السنوات القليلة الماضية.

تعامل النظام مع حادثة مستشفى قويسنا حتى الآن لا يبشر بالخير، فوزير الصحة يرسل تصريحات عنترية لاستيعاب الغضب الشعبي، ثم يروج بأن ما حدث هو مجرد حادثة فردية. وكذلك فعل المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، فقد أصدر بيانا يحث الجميع على التريث وعدم الاندفاع وأن الجيش يراقب الموقف.

النتيجة لكل ما سبق هو خروج هذا المشهد العبثي الذي يلخص لك الحال في مصر تحت حكم السيسي.

بلد يحكمه نظام فاشل لم يهتم يوما بالقطاع الصحي ولم يطور يوما مستشفيات الحكومة، وأطباء لم يجدوا رواتب جيدة أو حماية لهم أثناء تأدية عملهم فهاجر نصفهم للعمل خارج البلاد، ومدير مستشفى ووكيلة لوزارة الصحة حولهما النظام إلى عرائس مارونيت تتحرك لحماية النظام ورجاله ولو كان المعتدي ضابط جيش فليذهب الفريق الطبي إلى الجحيم.. وتمريض يعاني الأمرّين من قلة الرواتب وضغوط العمل المتزايد ومواجهة يومية لغضب المرضى وذويهم داخل اقسام الاستقبال والطوارئ، وأسر مصرية لا تقوى على تكاليف المشتفيات الخاصة فتهرول بمريضها إلى أقرب مستشفى حكومي فلا تجد طبيبا ولا خدمة طبية، فتتحول إلى وحوش كاسرة تأكل الأخضر واليابس وتعتدي على الجميع.

لم تصدر النيابة العامة بيانا، ولم تتحرك النيابة العسكرية ضد الضابط المتهم، ولم يهاجم الإعلام أحدا لأن المتهم ضابط في القوات المسلحة المصرية ويحاول الجميع الضغط على الممرضات الغلابة للتنازل وتسوية الأمر.

في هذه الواقعة يجب أن يحاسَب ضابط الجيش المعتدي، ويجب أن يحاسب مدير المستشفى الخائف المذعور، ويجب أن تحاسَب وكيلة وزارة الصحة على تخليها عن فريقها الطبي، ولكن قبل كل ذلك حاسِبوا وزير الصحة الفاشل وحاسبوا الرئيس الفاشل وحاسبوا الحكومة الفاشلة التي لم تهتم بالمنظومة الصحية فأصحبت مستشفى قويسنا المركزي ظاهرة عامة وليست حالة فردية.

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023