حذرت مجموعة كريديندو للتأمين والائتمان، وهي مجموعة أوروبية ومقرها في بروكسل؛ من أنها قد تخفض تصنيف الاقتصاد المصري في فئة المخاطر السياسية متوسطة وطويلة الأجل من الدرجة الخامسة إلى الدرجة السادسة.
وأوضحت المجموعة في تقرير لها نشرته على موقعها، الأسباب التي قد تؤدي إلى اتخاذ هذا القرار؛ حيث استعرضت في البداية حالة الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة، مبينة أن تنفيذ أجندة الإصلاح في إطار برنامج صندوق النقد الدولي -الذي استمر ثلاث سنوات من 2016 وحتى 2019- لمصر، ساعد في استقرار وضع القاهرة الاقتصادي، وتعزيز مواردها المالية العامة تدريجيا، وتجنب أزمة ميزان المدفوعات.
وأفادت المجموعة بأنها أجرت ترقية لتصنيف مصر في هذه الفئة في عام 2019 لتصبح في الدرجة الخامسة؛ غير أن جائحة كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا أظهرت أن مصر تواجه نقاط ضعف اقتصادية كبيرة؛ التي تفاقمت بسبب الأزمتين، وسببت الضغط على الميزان المالي المحلي والداخلي لمصر، مما أدى في النهاية إلى تدهور مستوى توقعات المخاطر بالنسبة لها.
وأشارت المجموعة، في تقريرها، إلى أن مصر تضررت بشدة من الزيادة الحادة في أسعار السلع الأساسية، نتيجة لكونها مستوردا صافيا للغذاء والنفط، إضافة إلى أن اعتمادها على تمويل رأس المال الأجنبي وضعف مواردها المالية العامة، قد خلقا مزيجا خطيرا على الاقتصاد المصري، خاصة أنه يأتي في ظل تشديد حاد للأوضاع المالية العالمية، لافتة إلى أنه يتوقع أن يزداد الاستثمار الأجنبي في مصر تدهورا، في ظل برنامج دعم من قبل صندوق النقد الدولي، ووجود قروض أخرى للدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف.
ذكرت المجموعة أن مصر نجت من صدمة كوفيد-19 جيدا إلى حد ما، وكانت واحدة من الدول التي شهدت تباطؤا اقتصاديا فقط في السنة المالية 2020، كما أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بسرعة في السنة المالية 22/23، وأن يحافظ على معدلات نمو مهمة على المدى المتوسط، وسط مشاريع البنية التحتية والطاقة التي تقودها الدولة.
وحذرت المجموعة من أنه رغم معدلات النمو المطردة، فلا تزال هناك اختلالات مهمة؛ إذ تشمل نقاط الضعف الرئيسية في الاقتصاد المصري: قطاع التصدير الصغير، وانخفاض المدخرات والاستثمارات، وانخفاض الإنتاجية، وارتفاع الطابع غير الرسمي داخل الاقتصاد، والوجود المكثف للدولة في الاقتصاد، الذي خلق اختلالا هيكليّا رئيسيّا؛ لارتباطه بانخفاض مستويات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وعرقلة تنمية القطاع الخاص؛ حيث تعتبر تهيئة بيئة الأعمال لتكون أكثر ملاءمة للقطاع الخاص أمرا بالغ الأهمية لتحقيق نمو أعلى وأكثر توازنا، وهو أحد أهداف برنامج صندوق النقد الدولي الذي اعتمد مؤخرا.
وأفادت المجموعة، في تقريرها، إلى أن الحكومة المصرية قالت في عدة مناسبات؛ إنها مستعدة لخصخصة جزء من الاقتصاد، لكن نظرا إلى المصالح الخاصة، فإن تعزيز القطاع الخاص أمر صعب للغاية في الاقتصاد المصري.
وأشارت المجموعة إلى أنه قبل كوفيد – 19، كانت الإصلاحات المبنية على برنامج صندوق النقد الدولي ومستويات النمو المستدام، تضع مستويات الدين العام على مسار أكثر استدامة؛ فبعدما وصل إلى 97.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016-2017، انخفض ليصل إلى 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد عامين فقط. لكن لا تزال نسبة مدفوعات الفائدة من الإيرادات العامة مرتفعة للغاية، إذ ستصل إلى 43 بالمئة في السنة المالية 2022-2023، وهو ما يجعلها رابع أكبر نسبة في العالم بعد سريلانكا وغانا وباكستان، كما أنه من المتوقع أن تظل مرتفعة في العام المقبل.
ولفتت المجموعة إلى أن أعباء الفائدة الضخمة تعود إلى السياسة النقدية المتبعة حتى هذا العام لجذب تدفقات رأس المال، التي تجعل أسعار الفائدة من أعلى المعدلات في العالم، ومن ثم تصبح مدفوعات الفائدة عالية جدا؛ لأن الدين العام المصري يمول إلى حد كبير محليا، غير أن كون حصة كبيرة من الدين العام مقومة بالعملة المحلية ويمولها إلى حد كبير النظام المالي المحلي، يخفف من أثر ذلك.
وأوضحت المجموعة أن مصادر النقد الأجنبي القادمة للاقتصاد المصري تعتمد على تحويلات المصريين بالخارج، التي تمثل 46.6 بالمئة من الدخل، تليها السياحة بنسبة 13.1 بالمئة، ثم إيرادات قناة السويس بنسبة 12.6 بالمئة، لكن بسبب جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، فإن أسواق المواد الغذائية العالمية وأسعار السلع الأساسية سببت ضغوطا على ميزان الحساب الجاري لمصر، وذلك لأنها تعتبر مستوردا صافيا للنفط والمواد الغذائية ومستوردا رئيسيا للقمح، خاصة أنها تعتمد اعتمادا مباشرا على أوكرانيا وروسيا في استيراد القمح وقطاع السياحة، ما سبب مشاكل في تمويل العجز الهيكلي في الحساب الجاري، خاصة أن مصر تعتمد على تدفقات رأس المال الأجنبي، ولكنها شهدت تدفقات رأسمالية كبيرة إلى الخارج، بسبب الحرب في أوكرانيا والتضييق المستمر للأوضاع المالية العالمية، ما أدى في النهاية إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى نحو 25 مليار دولار، وهو ما يغطي أقل من ثلاثة أشهر من الواردات.
وأوضحت المجموعة أنه إضافة إلى كل ما سبق، انخفضت قيمة الجنيه المصري انخافضا حادا مقابل الدولار، ورغم أنه يتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي لسعر صرف أكثر مرونة، إلا أنه سيزيد من الضغوط التضخمية على المدى القصير (فقد بلغت نسبة التضخم 16.2 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر)، كما أنه سيزيد من تكلفة سداد الديون المقومة بالعملة الأجنبية بالعملة المحلية.
على صعيد الإيجابيات؛ قال تقرير مجموعة كريديندو؛ إن موافقة صندوق النقد الدولي على ترتيبات قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع تسهيلات سداد لمدة 46 شهرا، سيجتذب تمويلا إضافيا من الشركاء الإقليميين والمؤسسات المتعددة الأطراف، غير أن هذه القروض الجديدة – وإن كانت إيجابية على المدى القصير -، ستزيد من عبء الدين الخارجي الذي يبلغ حاليا مستوى معتدلا.
واختتمت المجموعة تقريرها بالتأكيد أن موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على برنامج الدعم المقدم منه، هي أخبار إيجابية للغاية؛ لأنها ستخفف من ضغوط السيولة في مصر، وستسمح للسلطات بالتخلص التدريجي من الاستخدام الإلزامي لخطابات الاعتماد لتمويل الاستيراد، وهو ما يعني التخفيف من القيود التي تهدف إلى الحد من الواردات، التي كانت تؤدي إلى تأخيرات غير ضرورية في المدفوعات في المعاملات التجارية عبر الحدود، مشددة على أنه بدون رفع القيود وفي حالة زيادة الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، فمن المرجح أن تخفض كريديندو تصنيف مصر الائتماني في فئة المخاطر السياسية على المدى القصير إلى الدرجة السادسة.