حذر مركز الأزهر العالمي للفتوى من ظاهرة تصوير الفقراء والمحتاجين أثناء توزيع الصدقات والمعونات عليهم قائلا: «تصوير وجوه المحتاجين حين إعطائهم الصدقات إيذاء لهم، وتجارة بآلامهم، وعمل منافٍ للإحسان والمروءة».
وقال المركز في فتواه المنشورة على موقعه الرسمي:
جبر خواطر المُحتاجين من أحبّ الأعمال إلى الله، وتصوير وجوههم حين إعطائهم الصّدقات إيذاء لهم، وتجارة بآلامهم، وعمل منافٍ للإحسان والمروءة.
{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}
الحَمْدُ لله، والصَّلاة والسَّلام عَلى سَيِّدنا ومَولَانا رَسُولِ الله، وعَلَى آله وصَحْبِه ومَن والَاه.
وبعد؛ فقد دعا الحق سبحانه إلى رحمة الفقير ومساعدة المحتاج، ووعد عباده جزاء ذلك بالثواب والبركة فقال سبحانه في الحديث القدسي: «يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» [متفق عليه]، وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ». [أخرجه الترمذي]
وجعل شرط قبول الصدقة هو إخلاصها لله سبحانه، لذلك كانت صدقة السر خير الصدقات؛ لبعدها عن شبهة الرياء والسمعة؛ قال سبحانه: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271]، وبيَّن سيدُنا رسول الله ﷺ أن من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ». [متفق عليه]
ثم حرص الإسلام على حفظ كرامة المحتاج حين تقديم المساعدة إليه؛ فقال الحق سبحانه: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263]، أي: أنه سبحانه غَنيٌّ عن كل صدقة يتبعها اعتداء، وأن كلمة المعروف خير عنده من صدقة جرَّأت صاحبها على المحتاج فأوقع به الإيذاء.
وما تصوير وجوه المحتاجين حين تسلمهم الصدقات تحت وطأة الحاجة، ومرارة الفقر، وبث هذه الصور على الصفحات والمنصات إلا من قبيل إيذائهم، وانتهاك كرامتهم، واستغلال حاجتهم، والتجارة بآلامهم، وهي -ولا شك- ممارسات مقيتة محرمة، تُبطل الصالحات، وتضيع الحسنات، وتنافي قيم المروءة والرحمة والإحسان؛ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. [البقرة: 264]
بل الواجب على المتصدق أن يبتغي بصدقته وجهَ ربِّه سبحانه، وأن يحفظ كرامة أخيه المسلم حين إيصال مال الله إليه، وأن يكون أحرص على ستره وصيانته وجبر خاطره من صاحب الحاجة نفسه، فكسر قلوب الناس وخواطرهم من سيء الأعمال كما أن جبرها من خيرها وأسماها؛ يقول الرحمة المهداة ﷺ: «وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا». [ذكره المنذري في الترغيب]
وليعلم المتصدق أن صدقته لتقع بيد الله سبحانه قبل أن تقع بيد الفقير؛ قال سيدنا رسول الله ﷺ: «مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». [متفق عليه]
وأنه ما زاد عبد في إحسانه إلا زاده الله عزًّا، وجعل له في قلوب العباد وُدًّا.
وَصَلَّىٰ اللَّه وَسَلَّمَ وبارَكَ علىٰ سَيِّدِنَا ومَولَانَا مُحَمَّد، وَعَلَىٰ آلِهِ وصَحبِهِ والتَّابِعِينَ، والحَمْدُ للَّه ربِّ العَالَمِينَ.