طالبت مجموعة من الدبلوماسيين الأميركيين السابقين وكبار المسؤولين الحكوميين وقادة في مجتمع تعزيز الديمقراطية رئيس الولايات المتحدة جو بايدن بوقف فوري للمساعدات التي تقدمها واشنطن للحكومة التونسية في ظل التطورات الأخيرة التي تعرفها تونس.
جاء ذلك في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي بايدن «لحث إدارته على العمل بحزم وسرعة لدعم الديمقراطية التونسية»، ومراجعة سياسة الولايات المتحدة تجاه تونس.
واعتبرت الرسالة أن الوضع في تونس أصبح مريعا، «فمنذ انقلابه في يوليو 2021، قام الرئيس قيس سعيّد بتفكيك كل مؤسسة ديمقراطية في البلاد، ودفع من خلال نظام رئاسي مفرط دون ضوابط على سلطته.
في ضوء التطورات الأخيرة في تونس، قامت مجموعة من الدبلوماسيين وكبار المسؤولين الحكوميين السابقين وزعماء مجتمع المناصرين للديمقراطية والعلماء المختصين بالشرق الأوسط في الولايات المتحدة بكتابة خطاب موجه إلى الرئيس بايدن لحث إدارته على اتخاذ إجراء حاسم وسريع لدعم الديمقراطية التونسية.
نكتب إليك وينتابنا شعور بالذعر لما طرأ على تونس من تحول طارئ نحو الحكم السلطوي. لقد تحدثتم بفصاحة بالغة خلال قمة الديمقراطية الأخيرة حول خطورة اللحظة الحالية، فقلتم: «إننا نقف عند نقطة انعطاف في التاريخ، ولذلك فإن القرارات التي نتخذها اليوم سوف تؤثر على مسار عالمنا لعقود عديدة قادمة».
وما تونس إلا جزء من هذه الحكاية العالمية وهذا النضال العالمي. كانت تونس في بداية عهدك آخر ما تبقى من قصة النجاح الديمقراطي. واليوم، ديمقراطيتها تحتضر. ما سيحدث في تونس خلال الأسابيع الحرجة القادمة ستكون له تداعيات على المنطقة بأسرها، بما يؤشر للمنافسين مثل الصين وروسيا على أن مستقبل الشرق الأوسط يقترب أكثر فأكثر من رؤيتهم السلطوية.
لا ينبغي للولايات المتحدة مكافأة مثل هذا السلوك بالمساعدات والقروض والإشادة والتقاط الصور التذكارية. إن تقديم أموال دافعي ضرائبنا وإضفاء الشرعية على قيس سعيد من شأنه أن يشجع القادة الشعبويين الآخرين على الاعتقاد بأنهم هم أيضاً بإمكانهم أن يفلتوا من المساءلة على تقويضهم للمؤسسات الديمقراطية. لو كانت الولايات المتحدة جادة حقاً بشأن تعزيز الديمقراطية حول العالم، فلابد أن تبعث بإشارة مفادها أن الانحراف عن المسار الديمقراطي له تكاليف حقيقية.
يجب على الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات ماغنيتسكي على قيس سعيد وعلى من يمكنونه، بما في ذلك وزراء الداخلية والدفاع والعدل، وألا توفر أي أموال أو تدريب أو معدات لهذه الوزارات طالما استمروا في التنكيل بالصحفيين والنشطاء والمعارضين. لقد كانت مؤسسة تحدي الألفية محقة عندما أوقفت العمل باتفاقية كومباكت مع تونس والتي تقدر قيمتها بخمسمائة مليون دولار، ولكن من شأن التعليق الرسمي للشراكة من قبل مجلس إدارة مؤسسة تحدي الألفية – الذي يرأسه وزير الخارجية أنطوني بلينكن – أن يبعث برسالة أقوى.
كما أن قرض صندوق النقد الدولي المنتظر بقيمة 1.9 مليار دولار – والذي سيكون بالنسبة لنظام قيس سعيد بمثابة شريان الحياة – يعتبر هو الآخر وسيلة ضغط أخرى. ينبغي على الولايات المتحدة أن تطلب من المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي رفض إبرام اتفاق نهائي إلى أن تلتزم تونس بشروط سياسية محددة، بما في ذلك إطلاق السجناء السياسيين، والتأسيس لحوار وطني حقيقي يضم الجميع، والتقدم بخريطة طريق سياسية. ما من شك في أن حكومة قيس سعيد ستجد صعوبة كبيرة في إنجاز ما تقترحه من إصلاحات اقتصادية دون دعم من الأحزاب السياسية الكبرى والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني.
نعتقد بأن مثل هذا الضغط المستمر يمثل أفضل طريق ممكن لوقف تحول تونس نحو السلطوية. ولا أدل على ذلك من أن التنديد العالمي السريع للخطاب العنصري الذي صدر عن قيس سعيد بحق المهاجرين في فبراير / شباط أجبر حكومته على اتخاذ بعض الإجراءات التي توفر لهم الحماية. وحتى لو ركب قيس سعيد رأسه ورفض التجاوب وتغيير المسار فإن الضغط الدولي قد يدفع من يتواجدون من حوله إلى التوقف عن تسهيل قمعه، وبذلك يتقلص الضرر الذي يمكن أن يلحقه بالنظام. كما أن مثل هذا الضغط من شأنه أن يبعث بإشارة للمعارضة وكذلك إلى التونسيين العاديين الذين باتوا يخشون البوح بما في نفوسهم بأن الولايات المتحدة تراقب ما يجري وأنها لن تمول ما يمارسه النظام من قمع.
ينبغي أن يكون هدفنا هو تحفيز التونسيين في كل أرجاء الطيف السياسي وعبر مؤسسات الدولة لإعادة النظر في مخاطر الدكتاتورية، والتي بمجرد أن تتكرس فسوف يصعب التخلص منها. من المؤكد أنه فيما لو عجزت تونس عن سداد ديونها فلا مفر من أن يؤثر ذلك على عامة التونسيين، وإن كانوا الآن يعانون بسبب ما يبدو أنه أزمة اقتصادية لا نهاية لها، رغم أن حدتها تفاقمت منذ الانقلاب الرئاسي لقيس سعيد في يوليو / تموز 2021. ما من شك في أن الاستراتيجية الاقتصادية المشخصنة التي تخضع لرغبات ونزوات زعيم مزاجي سوف تطيل أمد الفوضى.
يخشى البعض من أن يؤدي الضغط المفرط من قبل واشنطن إلى الدفع بتونس إلى أحضان الصين. مثل هذه المخاوف ليس في محلها، وخاصة إذا ما أخذنا بالحسبان المعوقات التي تواجه حالياً بيجنغ نفسها، ناهيك عن الانحياز التاريخي لمؤسسات الدولة التونسية نحو الغرب. والأكثر من ذلك أنه حتى بدعم صيني، سوف تظل تونس بحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي وإلى المساعدة الأمريكية لتمكين اقتصادها من التعافي ومن أجل جذب الاستثمارات الأجنبية. كما ينبغي على واشنطن الإقرار بأن الطريقة التي نتنافس فيها مع الصين لا تقتصر فقط على السعي لتجاوزهم في الإنفاق. ينبغي أن نتميز من خلال مقاربتنا عن الصين بأننا نجلب قيمنا إلى الطاولة.
ترمز الأزمة الحالية في تونس إلى اتجاه أشمل يحتمل أن تواجهه الولايات المتحدة وهي تمضي قدماً: أشكال وتجليات جديدة من الاستبداد – في العادة تكون مدعومة من قبل خصومنا الاستراتيجيين – تتحدى القيم الديمقراطية. ولقد أعلنت إدارتكم بشكل لا لبس فيه ومثير للإعجاب في أي جانب تقف. واليوم، لديها في تونس فرصة لوضع هذه القناعات موضع التنفيذ.
نشكركم على اهتمامكم
المخلصون
السفير مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق في روسيا
السفير جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدني
السفير جيك واليس، السفير الأمريكي السابق في تونس
السفير روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا والجزائر
السفيرة سينثيا بيه شنايدر، السفير الأمريكي السابق في هولندا
إليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي السابق
ستيفاني تي ويليامز، مستشار أممي سابق في ليبيا ودبلوماسي أمريكي سابق
مايكل دان، مدير شؤون الشرق الأوسط سابقاً في مجلس الأمن القومي
دافيد جيه كريمر، مساعد وزير الخارجية السابق حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال
توم مالينوفسكي، النائب الأمريكي السابق عن الحزب الديمقراطي في نيوجيرسي
كينيث وولاك، رئيس الوقفية الوطنية للديمقراطية
مات داس، المستشار السابق للسيناتور بيرني ساندرس
فرانسيس فوكوياما، جامعة ستانفورد
لاري دياموند، جامعة سانفورد
ساره لياه ويتسون، الديمقراطية للعالم العربي الآن
توماس كاروذرس، وقفية كارنيغي للسلام الدولي
ساره ييركيس، وقفية كارنيغي للسلام الدولي
شبلي تلحمي، جامعة ميريلاند
كورتني فرير، جامعة إيموري
شادي حميد، معهد بروكينغز
ساران غريوال، كلية وليام وماري