يمثل التقارب الأخير بين مصر وإيران جانبا من مجموعة أوسع من المناورات المحسوبة والمنسقة جيوسياسيًا بقيادة المملكة العربية السعودية وبمشاركة خليجية فاعلة، لكن هذا لا يمنع من وجود مصالح للقاهرة من هذا التقارب.. وتحديات أيضا.
موقع “جيوبولوتيكال مونيتور” نشر تحليلا كتبه الأكاديمي والباحث الدكتور محمد الدوح المتخصص في الاستشارات الدفاعية والأمنية، وترجمه “الخليج الجديد“.
ووفقا للتحليل، كانت هناك وجهة نظر سائدة مفادها أن التقارب بين إيران والسعودية، والذي ترجم إلى اتفاق لإعادة العلاقات وتبادل فتح السفارات سيعزز النفوذ الدبلوماسي المزدهر للرياض ونفوذها في المنطقة المجاورة، ويعد التقارب بين طهران والقاهرة أحد تجليات هذا النفوذ.
وقبل أيام، أعرب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن حرص طهران على تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة.
وأفادت أنباء بانعقاد لقاءات بين مسؤولين دبلوماسيين واستخباراتيين في البلدين، حيث اجتمعوا في العاصمة العراقية بغداد، خلال أوائل مارس الماضي، للتباحث بشأن تفاصيل التطبيع المنتظر بين القاهرة وطهران، واستكشاف جدوى عقد قمة بين قادة البلدين، ويبدو أن المفاوضات تحرز تقدمًا، كنا يقول الكاتب.
ويبدو أن إيران تتطلع إلى إقامة علاقات ودية مع الدول العربية تتجاوز مجرد الاتفاق مع السعودية، وهو ما اتضح من تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، والذي أكد خلالها أن “الشرق الأوسط يحتاج إلى إيران ومصر”.
ويقول الكاتب إنه من الملاحظ أن مصر اختارت الحفاظ على مستوى معين من المسافة من إيران ، ويرجع ذلك أساسًا إلى الموقف العدواني للأخيرة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما مع السعودية، على اعتبار أن القاهرة حليف مهم للرياض.
ومن هذا المنطلق، فإنه بالنظر إلى أن السعودية قد اختارت المصالحة مع إيران فمن المنطقي أن تسير مصر في هذا الإطار، لكن الطريق بين القاهرة وطهران سيكون أسهل، قياسا إلى دعم البلدين لرئيس النظام السوري بشار الأسد طوال العقد الماضي، رغم أن تلك الفترة كانت لا تزال تشهد معارضة خليجية للأسد، وهذا ما يمنح مصر ميزة إستراتيجية لتسريع عملية المصالحة مع إيران، خاصة الآن بعد أن أعيد قبول النظام السوري مرة أخرى في جامعة الدول العربية.
ويشير الكاتب إلى الجهد الخاص الذي بذلته سلطنة عمان للتطبيع المرتقب بين مصر وإيران، لا سيما زيارة سلطان البلاد هيثم بن طارق للقاهرة وطهران تواليا، ضمن استراتيجية عمان في استخدام الدبلوماسية الرصينة والإبحار ببراعة في النزاعات الإقليمية.
ورغم أن التقارب المصري الإيراني يأتي بالتنسيق مع السعودية، كما يقول الكاتب، فإن ذلك لا يمنع من أن هذا الأمر يحمل مصالح استراتيجية للقاهرة، وهي:
أولا: مصر ستستفيد من نفوذ إيران الكبير على الفصائل الفلسطينية في غزة، وبالتالي فإن تعزيز العلاقات بين القاهرة وطهران سيمنح الأولى قدرات أكبر للسيطرة والضغط على هذه الفصائل، سيضيف لدور مصر المحوري في التهدئة بين إسرائيل وتلك الفصائل، بحكم مجاورتها لقطاع غزة.
ثانيا: المصالحة مع إيران ستمكن مصر من إعادة تنظيم سياستها الخارجية الإقليمية بشكل استراتيجي بما يتوافق مع السعودية، مما يسهل التشكيل البناء لجبهة سياسية موحدة بين الرياض والقاهرة.
ثالثا: إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع إيران يمكن أن يمنح مصر نفوذًا سياسيًا لا مثيل له ونفوذًا دبلوماسيًا على المسرح العالمي، حيث يمكن أن تضطلع القاهرة بدور في المفاوضات بين طهران والغرب حول البرنامج النووي الإيراني، وقد يعزز ذلك من علاقات مصر الدبلوماسية مع أطراف غربية تسعى إلى الحصول على شريك شرق أوسطي يمكن الاعتماد عليه في هذا الملف الحساس.
ومع هذه الميزات، تبرز تحديات للتقارب بين القاهرة وطهران، وهي:
أولا: البرنامج النووي الإيراني وقدرات الصواريخ الباليستية لهذه الدولة لا تزالان تشكلان تهديدا كبيرًا لأمن الدول العربية، وهو الأمن الذي توليه مصر أهمية كبيرة.
ثانيا: التقارب مع إيران قد يشكل ضغطا على التحالف الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة، ومن المهم مراعاة ذلك العنصر.
ثالثا: لا تزال مصر تقيم علاقات سلام طويلة الأمد مع إسرائيل، والأخيرة تناصب إيران العداء وتعتبرها أبرز عدو لها خلال العشر سنوات الماضية، ومن الآن فصاعدا، تواجه مصر معضلة جيوسياسية تتمثل في استنباط استراتيجية لإيجاد توازن بين الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل وتعزيز العلاقات الودية مع إيران.